حكم العقلاء بل المخطئين لهم ، قد واجهناهم دائما بالعناد والمحاربة والانفصال ، ولكن تلك النفوس الزكية والارواح الطيبة الطاهرة الانبياء بما يكون لديهم من الرافة والرحمة بعباد الله ، لم يقصروا ابدا في دعوتهم ، على الرغم من جهلنا وعنادنا ، وساقونا نحو الجنة والسعادة بكل ما يملكون من القوة واساليب الدعوة دون ان يريدوا منا جزاء ولا شكورا .
وحتى عندما يحدد الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم اجره ب «المودة في القربى» ، فان صورة هذه المودة في العالم الآخر قد تكون بالنسبة الينا اعظم الصور نورا وعطاءا . وهذا هو ايضا من اجلنا نحن ومن اجل وصولنا الى السعادة والرحمة ، اذا ، فاجر الرسالة عائد الينا ايضا ، ونحن الذين ننتفع به ، فاية منة لنا نحن المساكين عليهم ؟! ... واية فائدة تعود عليهم سلام الله عليهم من اخلاصنا لهم وتعلقنا بهم ؟! اية منة لكم ولنا على علماء الامة ؟ بدءا من ذلك العالم الذي يوضح ويبين لنا الاحكام الشرعية ، الى النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم والى ذات الله المقدسة جل جلاله فان لكل منهم حسب درجته ومقامه من حيث ارشادهم لنا الى طريق الهداية مننا لا نستطيع مكافاتهم عليها في هذا العالم ، فهذا العالم لا يليق بجزائهم « ...فلله ولرسوله ولاوليائه المنة» وكما يقول تعالى : «... قل لا تمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان ، ان كنتم صادقين * ان الله يعلم غيب السماوات والارض والله بصير بما تعملون» (1) .
اذا ، فان كنا صادقين في ادعاء الايمان ، فلله المنة علينا في هذا الايمان نفسه . فالله بصير وعالم بالغيب ، وهو يعلم ماهية صور اعمالنا ، وكيفية صورة ايماننا واسلامنا في عالم الغيب . اما نحن المساكين حيث لا نعرف الحقيقة ، فاننا نتعلم العلم من العالم ونمن عليه ، ونصلي جماعة مع العالم ونمن عليه ، مع ان لهم المنة علينا ونحن لا نعلم . بل وان هذه المنة التي نمن بها عليهم هي التي تحبط اعمالنا وتجرها الى «سجين» ، وتذروها في الهواء لكي تفنى وتذهب .
المقام الثاني
وفيه فصلان
الفصل الاول
اعلم ان الرياء في هذا المقام ، وان لم يكن بحجم المقام الاول من الدفع نحو الكفر الا انه ، بعد الالتفات الى موضوعه ، قد يفضي بعمل المرائي ايضا في هذا المقام (العمل) الى الكفر فيصبح واحدا في النتيجة مع عمل المرائي في ذلك المقام : مقام الرياء في العقيدة .
مخ ۵۳