الاربعون حديثا :329
الشرح :
ان الناس يختلفون كثيرا في كراهية الموت والخوف منه ، كما أنهم يختلفون في مناشئ هذه الكراهية . وما ذكره أبو ذر رضوان الله تعالى عليه في الرواية المذكورة فهو مرتبط بالمتوسطين من الناس . ونحن نذكر إجمالا موقف الناقصين والكاملين من الناس ، تجاه الموت .
فلا بد أن نعرف بأن كراهتنا للموت ، وخوفنا منه نحن الناقصين ، لأجل أمر أشرنا اليه لدى شرح بعض الأحاديث المتقدمة ، وهو أن الانسان حسب فطرته التي فطرها الله سبحانه ، وجبلته الأصلية ، يحب البقاء والحياة ، ويتنفر من الفناء والممات ، وهذا يرتبط بالبقاء المطلق والحياة الدائمية السرمدية ، أي البقاء الذي لا فناء فيه والحياة التي لا زوال فيها . إن بعض الكبار قد أثبتوا المعاد يوم القيامة مع هذه الفطرة التي تحب الحياة والبقاء ، حسب بيان يوجب ذكره هنا الخروج عن المقصود . وحيث أن في فطرة الانسان هذا الحب وذاك التنفر ، فإنه يحب ويعشق ما يرى فيه البقاء ، ويحب ويعشق العالم الذي يرى فيه الحياة الخالدة ، ويهرب من العالم الذي يقابله . وحيث إننا لا نؤمن بعالم الآخرة ، ولا تطمئن قلوبنا نحو الحياة الأزلية ، والبقاء السرمدي لذلك العالم ، نحب هذا العالم ، ونهرب من الموت حسب تلك الفطرة والجبلة .
وقد ذكرنا سابقا أن الإدراك والإذعان العقلي يختلف عن الإيمان والاطمئنان القلبي . نحن ندرك عقلا أو نصدق أحاديث الانبياء تعبدا بأن الموت الذي هو انتقال من النشأة النازلة المظلمة الملكية إلى عالم آخر ، عالم حياة دائمية نورانية ، ونشأة باقية عالية ملكوتية حق ، ولكن قلوبنا لا تحظى بشيء من هذه المعرفة ، ولا علم لها عن ذلك . بل إن قلوبنا قد أخلدت إلى أرض الطبيعة ، والنشأة الملكية ، ونعتبر الحياة هي هذه الحياة النازلة الحيوانية الملكية ، ولا نرى بقاء وحياة للعالم الثاني ، عالم الآخرة ، وعالم الحيوان . ولهذا نركن ونعتمد على هذا العالم المادي ونخاف ونهرب ونتنفر من ذلك العالم عالم الآخرة . إن كل شقائنا هذا من الاربعون حديثا :330
مخ ۳۲۹