وهي الجهاد مع النفس في العالم الباطن ، وفي المقام الثاني للنفس ، وهذا ما سنشير اليه لاحقا ان شاء الله . واكرر التذكير بانه في جميع الاحوال لا تعلق على نفسك الآمال لانه لا ينهض احد بعمل غير الله تعالى . فاطلب من الحق تعالى نفسه بتضرع وخشوع ، كي يعنيك في هذه المجاهدة لعلك تنتصر . انه ولي التوفيق .
المقام الثاني: وفيه عدة فصول ايضا
فصل: صراع جنود الرحمن مع جنود الشيطان الباطنية النفسية
اعلم ان للنفس الانسانية مملكة (عالما) ومقاما آخر ، وهي مملكتها الباطنية ونشاتها الملكوتية ، وفيها تكون جنود النفس اكثر واهم مما في مملكة الظاهر ، والصراع والنزاع فيها بين الجنود الرحمانية والشيطانية اعظم والغلبة والانتصار فيها اشد واهم ، بل وان كل ما في مملكة الظاهر قد تنزل من هناك وتظهر في عالم الملك . واذا تغلب اي من الجند الرحماني او الشيطاني في تلك المملكة ، يتغلب ايضا في هذه المملكة . وجهاد النفس في هذا المقام مهم للغاية ، عند المشايخ العظام من اهل السلوك والاخلاق ، بل ويمكن اعتبار هذا المقام منبع جميع السعادات والتعاسات ، والدرجات والدركات .
ويجب على الانسان الالتفات كثيرا الى نفسه في هذا الجهاد . فمن الممكن لا سمح الله ان تسفر هزيمة الجنود الرحمانية في تلك المملكة وتركها خالية للغاصبين والمحتلين من جنود الشيطان ، عن الهلاك الدائم للانسان بالصورة التي يستحيل معها تلافي الخسارة ، ولا تشمله شفاعة الشافعين ، وينظر اليه ارحم الراحمين ايضا بعين الغضب والسخط نعوذ بالله من ذلك بل ويصبح شفعاؤه خصماءه ، وويل لمن كان شفيعه خصمه .
ويعلم الله اي عذاب وظلمات وشدائد وتعاسات تلي هذا الغضب الالهي ، وتعقب معاداة اولياء الله حيث تكون كل نيران جهنم وكل الزقوم والافاعي والعقارب لا شيء امام هزيمة جنود الرحمان من قبل جنود الشيطان التي تترتب عليها عقوبات تفوق جميع نيران جهنم والزقوم والافاعي . والعياذ بالله من ان يصب على رؤوسنا نحن الضعفاء والمساكين ذلك العذاب الذي يخبر عنه الحكماء والعرفاء واهل الرياضة والسلوك ، فان جميع اشكال العذاب التي تتصورونها ، يسيرة وسهلة في مقابله ، وجميع النيران التي سمعتم بها ، جنة ورحمة في قباله وبالنسبة الى ذلك العذاب .
مخ ۲۹