تعالى وترك معاصيه ، وفي هذا العالم بالذات ، في حين ان هذا العالم ليس هو عالم الجزاء لكن الجزاء الالهي يؤثر ويجعلك مستمتعا وملتذا بطاعتك الله وابتعادك عن المعصية .
واعلم ان الله لم يكلفك ما يشق عليك به ، ولم يفرض عليك ما لا طاقة لك به ولا قدرة لك عليه ، لكن الشيطان وجنده يصورون لك الامر وكانه شاق وصعب .
واذا حدث لا سمح الله في اثناء المحاسبة تهاونا وفتورا تجاه ما اشترطت على نفسك ، فاستغفر الله واطلب العفو منه ، واعزم على الوفاء بكل شجاعة بالمشارطة غدا ، وكن على هذا الحال كي يفتح الله تعالى امامك ابواب التوفيق والسعادة ، ويوصلك الى الصراط المستقيم للانسانية .
فصل: في التذكر
ومن الامور التي تعين الانسان وبصورة كاملة في مجاهدته للنفس والشيطان ، والتي ينبغي للانسان السالك المجاهد الانتباه اليها جيدا هو «التذكر» . وبذكره نختم الحديث عن هذا المقام ، على رغم من انه لا زال هناك الكثير من المواضيع .
والذكرى في هذا المقام ، هي عبارة عن ذكر الله تعالى ونعمائه التي تلطف بها على الانسان .
واعلم ان احترام المنعم وتعظيمه ، هو من الامور الفطرية التي جبل الانسان عليها والتي تحكم الفطرة بضرورتها ، واذا تامل اي شخص في كتاب ذاته ، لوجده مسطورا فيه انه يجب تعظيم من انعم نعمة على الانسان . وواضح انه كلما كانت النعمة اكبر وكان المنعم اقل غرضا ، كان تعظيمه اوجب واكثر ، حسب ما تحكم به الفطرة . فهناك مثلا فرق واضح في الاحترام والتقدير بين شخص يعطيك «حصانا» تلاحقه عيناه ويرمي من ورائه شيئا ، وبين الذي يهبك مزرعة كاملة ولا يمن عليك . او مثلا ، اذا انقذك طبيب من العمى ، فستقدره وتحترمه بصورة فطرية ، واذا انقذك من الموت كان تقديرك واحترامك له اكثر .
لاحظ الآن ان النعم الظاهرة والباطنة التي تفضل بها علينا مالك الملوك جل شانه لو اجتمع الجن والانس لكي يعطونا واحدة منها لما استطاعوا . وهذه حقيقة نحن غافلون عنها ، فمثلا هذا الهواء الذي ننتفع به ليلا ونهارا ، وحياتنا وحياة جميع الموجودات مرهونة به ، بحيث لو فقد مدة ربع ساعة لما بقي هناك حيوان على قيد الحياة ، هذا الهواء كم هو نعمة عظيمة ، يعجز الجن والانس جميعا عن منحنا مثيلا لها لو ارادوا ان يمنحونا ذلك ؟ وعلى هذا فقس وتذكر قليلا كافة النعم الالهية مثل سلامة البدن والقوى الظاهرية من قبيل البصر والسمع الاربعون حديثا :28
مخ ۲۷