الاربعون حديثا :219
فمن نحن حتى نرجو القدرة على الثناء عليك ، فيما يعترف الولي من اوليائك قائلا : «افبلساني الكال هذا اشكرك !» مقرا بعجزه وقصوره ، فكيف بنا نحن اهل المعصية المحجوبين عن ساحة كبريائك ؟ ما عسانا نقول سوى ان نحرك السنتنا قائلين : ان رجائنا موكول الى رحمتك ، وأن املنا وثقتنا بفضلك ومغفرتك وجودك وكرمك ، كما جاء على السنة اوليائك .
في الكافي ، باسناده عن ابي جعفر الباقر عليه السلام قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قال الله تبارك وتعالى : «لا يتكل العاملون لي على اعمالهم التي يعملونها لثوابي ، فانهم لو اجتهدوا وأتعبوا انفسهم أعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي والنعيم في جناتي ورفيع الدرجات العلى في جواري ، ولكن برحمتي فليثقوا ، وفضلي فليرجوا ، والى حسن الظن بي فليطمئنوا ، فان رحمتي عند ذلك تدركهم ، ومني يبلغهم رضواني ، ومغفرتي تلبسهم عفوي ، فاني انا الله الرحمن الرحيم ، وبذلك تسميت» (1) .
ومن اسباب الخوف ايضا التفكر في شدة بأس الله تعالى ، وفي دقة سلوك طريق الآخرة ، والاخطار التي تحيط بالانسان في حياته وعند موته ، ومشاق البرزخ ، ويوم القيامة ، ومناقشات الحساب والميزان ، مع ملاحظة الآيات والاخبار التي تنبئ عما وعد الله تعالى عباده ، مما يحيي كامل الامل والرجاء .
لقد جاء في الاحاديث ، ان الحق تعالى يبسط يوم القيامة بساط رحمته بصورة يطمع حتى الشيطان بالمغفرة منه . وان الحق سبحانه لم ينظر الى هذا العالم منذ تكوينه وخلقه ، نظرة لطف كما ورد في الرواية وانه سبحانه وتعالى لم يبعث الى هذا العالم رحمته الا بمقدار ذرة بالنسبة الى العوالم الاخرى ، هذه الذرة قد بعثت على احاطة النعم الالهية ، والطافه ورحمته وغفرانه ، بالجميع من جميع جوانبهم ، وان الظاهر من النعم والباطن منها تعتبر مائدة نعم الله تبارك وتعالى وعطاياه التي لا يقدر العالم برمته على الاحاطة بجزء منها ، فكيف اذا بنعمه سبحانه في عالم هو عالم كرامته ، ودار ضيافته ، وموضع رحمته ، حيث يبسط رحيميته ورحمانيته ؟ فيحق للشيطان ان يطمع في نيل رحمة الله ، ويرجو عطيته ! اذا ، فأكمل حسن ظنك بالله وثق بفضله «ان الله يغفر الذنوب جميعا» (2) . فالله يغرق الجميع في بحر جوده وكرمه ، والله لا يخلف وعده ، وان كان الخلف في الوعيد ممكن ، وكثيرا ما يقع فعلا . فليستبشر قلبك برحمته التامة . ولولا شمولك برحمته الواسعة لما كنت قد خلقت ، فكل مخلوق مرحوم : «وسعت رحمته كل شيء» (3) .
مخ ۲۱۹