جهة الشمال لكيلا تزداد الحرارة فتصاب الكائنات بالضرر . وكذلك الحضيض ، او اقرب نقطة بين الشمس والارض ، يقع في جهة الجنوب ، لكيلا يصاب اهل الارض بضرر . ولا يكتفي بهذا ايضا ، فالقمر المؤثر في تربية موجودات الارض ، يعاكس الارض في سيرها ، بحيث عندما تكون الشمس في شمال الارض ، يكون القمر في جنوبها ، والعكس بالعكس ، اذا كان هذا في الشمال ، كانت تلك في الجنوب ، وذلك لانتفاع سكان الارض منهما . هذه كلها من الامور الضرورية المحسوسة . غير ان الاحاطة ببدائع النظام ودقائقه لا تكون الا للخالق الذي يحيط علمه بكل شيء .
ولكن لم ابتعدنا كل هذا البعد ؟ فليفكر المرء في خلقه هو ، على قدر طاقته وسعة علمه : اولا في الحواس الظاهرة التي صنعت وفق المدركات والمحسوسات ، اذ ان لكل مجموعة من المدركات ، التي توجد في هذا العالم ، قوة مدركة بأدق ما تكون من الدقة والترتيب المحيرين للعقول .
والامور المعنوية ، التي لا تدرك بالحواس الظاهرة ، تدرك على ضوء الحواس الباطنية . دع عنك علم الروح والقوى الروحية للنفس ، مما تقصر مدارك الانسان عن فهمها ، واتجه بنظرك الى علم الابدان وتشريحها وبنائها الطبيعي ، وخصائص كل عضو من الاعضاء الظاهرة والباطنة . انظر ما اغرب هذا النظام وما اعجب هذا الترتيب ؟! على الرغم من ان علم البشر لم يبلغ حتى الآن ، ولن يبلغ حتى بعد مائة قرن ، الى معرفة واحد بالالف منه ، حسب الاعتراف الصريح بافصح لسان من جميع العلماء بعجزهم ، مع ان جسم الانسان بالنسبة الى كائنات الارض الاخرى ، لا يزيد على مجرد ذرة تافهة ، وان الارض وجميع كائناتها ، لا تعدل شيئا ازاء المنظومة الشمسية ، وان كل منظومتنا الشمسية لا وزن لها ازاء المنظومات الشمسية الاخرى ، وان كل هذه المنظومات ، الكبيرة منها والصغيرة ، مبنية وفق ترتيب منظم ، ونظام مرتب ، بحيث ان اي نقد لا يمكن ان يوجه الى اتفه ذرة فيها ، وان عقول البشر كافة عاجزة عن فهم دقيقة من دقائقها .
فهل بعد هذا التفكر يحتاج عقلك الى دليل آخر ليذعن بان كائنا عالما ، حكيما ، لا يشبه الكائنات الاخرى ، هو الذي اوجد هذه الكائنات بكل حكمة ونظام وترتيب واتقان ؟
«أفي الله شك فاطر السموات والارض» (1) .
ان كل هذا الخلق المتقن الذي يعجز عقل الانسان عن فهمه ، لم يظهر عبثا وتلقائيا ! فلتعم عين القلب التي لا ترى الله ، ولا تشاهد جمال جميله في هذه المخلوقات ! وليمحق الاربعون حديثا :193
مخ ۱۹۲