Arab Thought in the Renaissance Era
الفكر العربي في عصر النهضة
خپرندوی
دار النهار للنشر بيروت
ژانرونه
لكن مع الاكتفاء يدب الانحلال، فيفقد الحاكم استقلاله في الرأي ويحل الوهن في عصبية الموالي والجنود (وهي لم تكن قط بقوة رابطة الدم)، ويؤدي التبذير إلى زيادة الضرائب. وقد تنقسم الأسرة المالكة على نفسها، أو تخسر الدولة أقاليمها الخارجية. نعم، قد يستمر العمران المدني زمنًا بعد أفول السلطة الملكية، بفضل عصبية سكان المدن وسلطان عائلاتها، إلا أنه لا يلبث أن يزول في آخر الأمر، فتتسلم السلطة أسرة حاكمة جديدة تستمد قوتها من فريق جديد.
هذه هي «أعمار الدول» أو المجرى الطبيعي لحياة الأسر المالكة (٢٤). لكنه من الممكن وقف هذا المجرى في أي وقت من الأوقات بإدخال عامل آخر فيه، هو الشريعة الدينية التي أتى بها الأنبياء. إن هذا العامل لا يستطيع بحد ذاته أن ينشئ الدولة، إلا أن من شأنه أن يقويها إذا ما أضيف إلى عصبية موجودة من قبل، إذ يمدها بالقوة الضرورية لتأسيس دولة مستقرة وثابتة. فالعرب، مثلًا، «ما عظم ملكهم وقوي سلطانهم» إلا بعد «أن قيد لهم الدين أمر السياسة بالشريعة وأحكامها» (٢٥). كذلك فإنه من الممكن، في العهود المتأخرة من مجرى الحياة الطبيعي، إذ تضعف العصبية الأولى وتضعف معها الرابطة بين الحاكم والمحكومين، أن ينشئ الدين صلة وحدة جديدة، وأن يبني قاعدة جديدة للفضائل التي بها تدوم الدول.
إن أمر الفضيلة السياسية والاستقرار والعمران مرتبط بعضه ببعض، ومرتكز إلى علاقة معينة قائمة ليس بين عناصر المجتمع المختلفة فحسب، بل بين عناصر النفس البشرية المختلفة أيضًا. لذلك يجب أن لا نقمع الميول والصلات الطبيعية، بل علينا أن نوجهها بالتبصر العقلي والديني. إن هذا التجانس قائم في جميع الدول التي تدوم؛ لكن هذا لا يعني أن جميعها متساوية في الفضيلة. إن السلم الخلقي واضح في ذهن ابن خلدون. فالدولة المهتدية
1 / 38