آراء نقدية په مشکلاتو کې فکر او کلتور
آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة
ژانرونه
catharsis »، ويعرض أرسطو هذه الفكرة في تعريفه للتراجيديا الذي يقول فيه: إنها «تصور فعلا نبيلا كاملا في ذاته ... بلغة لها سحرها الخاص ... وتؤدي - بإثارتها لانفعالي الشفقة والخوف - إلى تطهير النفس من هذين الانفعالين.» وهذا التعريف يحدد صفة أساسية للتراجيديا، هي أنها تصور فعلا كاملا في ذاته؛ فلا بد أن تكون للتراجيديا وحدة عضوية متكاملة، وأن تكون لها بداية ووسط ونهاية، وينبغي أن ترتب الحوادث فيها بحيث إنه إذا تغير موضع أي جزء منها أو حذف؛ اختل نظام الكل، وهكذا تكون العلاقة بين الحوادث أشبه بالعلاقات الرياضية بما فيها من نظام وتماثل وتحدد.
ولكن أهم ما في هذا التعريف هو إشارته إلى فكرة التطهر؛ فعلى حين أن أفلاطون قد رأى في الشعر والأدب عامة وسيلة لإثارة الانفعالات بأي ثمن، فإن أرسطو يرى - على العكس من ذلك - أن المأساة وسيلة لتخفيف الانفعالات أو إطلاقها وتحرير الإنسان منها، وبعبارة أخرى فاللذة التي تترتب على الفن لا تحمل ذلك الطابع المذموم الذي تحمله عند أفلاطون، وإنما هي تتويج للحياة ودليل على الشعور بامتلائها، وفي استطاعة اللذة الفنية أن تخلص النفس من المتاعب والهموم والانفعالات، مثلما يؤدي الشرب إلى خلاص الجسم من العطش؛ ذلك لأن الانفعالات لو تركت لتتراكم في النفس، فإنها تغدو فيها أشبه بالسموم التي ينبغي التخلص منها، وهناك أشخاص يسهل تعرضهم لانفعالات الخوف والإشفاق المتزايد، وهؤلاء يصابون بأضرار كثيرة لو أطلقوا العنان لهذه الانفعالات، ومن هنا كان في الفن - وفي فن المأساة بوجه خاص - شفاء لنفوسهم وتطهير لها من انفعالاتها المتطرفة؛ ذلك لأنهم يمرون - عند مشاهدتهم للمأساة - بتجربة مماثلة لما يحدث في الحياة الواقعية، وهكذا تنطلق الطاقة الحبيسة في نفوسهم، ولكن في ظروف مصطنعة لا تكون لها نفس الأضرار التي يمكن أن تصيب النفس لو أطلقت هذه الطاقة في الظروف الطبيعية، وعن طريق هذه التجربة المحاكية تتخفف النفس من انفعالاتها الأصلية. ومن هنا تتضح العلاقة الوثيقة بين فكرة المحاكاة وفكرة التطهر، أي بين العنصرين الرئيسيين في نظرية أرسطو في الفن؛ ذلك لأن التطهر لا يتم إلا بمحاكاة ظروف مماثلة لتلك التي تثار فيها الانفعالات في الحياة الواقعية. وهكذا يبدو أن أرسطو من أنصار المثل القائل: وداوني بالتي كانت هي الداء. وكل ما في الأمر أن الدواء هنا يتم في ظروف فنية مصطنعة، تعالج الداء الذي هو الإفراط الفعلي في الانفعال، ولنوضح بطريقة أخرى ما يقصده أرسطو من فكرة التطهر، تلك الفكرة المشهورة التي طالما اختلف حولها الشراح والمفسرون، فهو يرى أن شفاء الجسم والنفس من العلل يتم عن طريق بلوغ حالة من التوازن تتسنى فيها معادلة التطرف بحالة مضادة له، تؤدي إلى التخفيف منه، وتعيد التوازن إلى سابق عهده، وهكذا ففي مقابل الشفقة المرضية المفرطة التي يتعرض لها الناس في حياتهم المعتادة، يعود التوازن السليم بفضل تلك الشفقة المتزنة العاقلة التي تثيرها المأساة؛ ذلك لأن الإفراط في الشفقة قد يؤدي بنا إلى الإشفاق على من لا يستحق، أما المأساة المسرحية السليمة فإنها تعلمنا كيف نضع الشفقة في موضعها الصحيح، ومن هنا كان أرسطو يرى أن المأساة الجيدة ينبغي أن ترسم لنا صورة شخص تظلمه الأقدار وهو لا يستحق الظلم، وإن كان قد ارتكب خطأ بسيطا هو الذي أدى إلى نزول الكارثة عليه، وهنا تكون شفقتنا عليه في موضوعها، ولا تكون شفقة مفرطة نشعر بها تجاه من يستحق ومن لا يستحق ، ومثل هذا يقال أيضا عن تأثير المأساة في انفعال الخوف والحماسة المفرطة، وهكذا فإن مشاهدة مأساة مسرحية كهذه، تعيد إلى المشاهد التوازن في انفعالاته، وترد إليها ما فيها من تناسب وتناسق.
وهنا نلمس فارقا آخر بين نظريتي أفلاطون وأرسطو؛ فعلى حين أن أرسطو يرى أن إشفاقنا على الضحية في المأساة يفرغ طاقتنا الانفعالية، ويخلصنا بالتالي من المشاعر المتطرفة، فإن أفلاطون يرى - على العكس من ذلك - أن تكرار الاستماع إلى القصص الشعري ومشاهدة العروض المسرحية يزيد من حساسية النفس للانفعالات، ولا يؤدي مطلقا إلى التخلص منها، وقد أدى هذا الاختلاف بين الفيلسوفين إلى تباين آخر في تقدير كل منهما لقيمة الفنان؛ فأفلاطون كان يضع الشاعر بعد الصناع وأصحاب الحرف، أما أرسطو فيضعه في أعلى السلم مع الفلاسفة والحكماء؛ ذلك لأن أرسطو كان يرى في قدرة الشاعر ومؤلف المأساة على تصوير تجارب الحياة، وعلى تمثل هذه التجارب في نفسه بكل ما فيها من تفاصيل ومشاعر عميقة، دليلا على وجود موهبة لدى الشاعر لا تقل عن موهبة الفيلسوف، أما أفلاطون فقد كان يرى في هذه الصفة ذاتها - أعني في قدرة الأديب على تقمص الشخصيات والمواقف المختلفة والتقلب معها - دليلا على تقلب النفس ذاتها وافتقارها إلى التماسك والثبات، ولو قارن المرء بين الموقفين؛ لظهر له على التو أن موقف أرسطو هو الأسلم والأقرب إلى الفهم السليم لطبيعة التجربة الفنية. وهكذا فإن إدراك أرسطو لقدرة الفن على السمو بالانفعالات الإنسانية - بالإضافة إلى اعترافه بأن للفن حقيقة قائمة بذاتها، بغض النظر عن طبيعة الموضوع الذي يصوره - يمثل تقدما كبيرا في التفكير الجمالي، بل هو يدل على ظهور بوادر النظريات الجمالية منذ ذلك العهد البعيد، عهد الفلسفة اليونانية القديمة.
النظرية الصوفية عند أفلوطين
أما نظرية أفلوطين فتمثل آخر مرحلة للتفكير الجمالي عند اليونانيين، ومن الممكن أن تعد قمة وتتويجا لهذا التفكير، ولكنها في الوقت نفسه تنطوي في ذاتها على عنصر يقضي على الطابع المميز للفكر اليوناني، ويمهد الطريق لنمط التفكير الذي ساد العصور الوسطى؛ ذلك لأن أفلوطين قد جمع أهم الأفكار التي تضمنتها النظرية الجمالية عند أفلاطون وأرسطو، وكون منها مركبا أعلى، ولكنه في الوقت ذاته قد صبغ هذا المركب بصبغة صوفية كانت في واقع الأمر تمهيدا لظهور النظرة اللاهوتية إلى الحياة وإلى الفن في العصور الوسطى، وبالتالي لاختفاء المفهوم اليوناني في هذين المجالين.
ومنذ أول «تساعية» من تساعيات أفلوطين، نراه يتساءل عن ماهية الجمال، فيقول إن هناك جمالا يرى أو يسمع أو يحس، وهناك جمال الروح الذي نجده في سلوك معين أو في طبيعة معينة، ولكن هل يوجد عنصر مشترك بين نوعي الجمال هذين؟ لو اهتدينا إلى هذا العنصر المشترك؛ لعرفنا ماهية الجمال في ذاته.
ويرفض أفلوطين نظرية الانسجام أو التماثل التي قال بها أرسطو؛ فالفن لا يرجع إلى رغبة غريزية في الانسجام - كما قال أرسطو - إذ لو كان الأمر كذلك لما اتصف بالجمال إلا ما هو مركب معقد، حتى يمكن أن يكون هناك انسجام بين عناصره المختلفة، غير أن التجربة تثبت لنا أن الجمال كثيرا ما يكون مرتبطا بالبساطة، ومتنافيا مع التعقيد، وفضلا عن ذلك ففي عالم الأفكار جمال، غير أن هذا العالم بسيط وليس مركبا، فكيف يمكن وجود الجمال في مثل هذا العالم؟
بهذا السؤال الأخير ينتقل أفلوطين إلى صميم بحثه الخاص في طبيعة الجمال، ويربط بين هذا البحث وبين نظرياته الميتافيزيقية ربطا واضحا؛ ذلك لأن أفلوطين - في فلسفته النظرية - كان يرى أن الأشياء جميعا تشارك في الله أو في العالم المثالي، وهو حين يطبق هذا الرأي في ميدان علم الجمال يقول إن أي شيء لا يكون جميلا إلا بقدر مشاركته في هذه الطبيعة الإلهية، ومبعث اللذة التي نحس بها عند إدراك عمل فني عظيم، هو أن النفس الإنسانية - التي هي بطبيعتها قريبة من الطبيعة الإلهية - تطرب وتبتهج كلما رأت شيئا يقرب بدوره من هذه الطبيعة.
فالجمال إذن إنما هو حضور الماهية الإلهية الأزلية في عالم الأشياء الزمانية، ومعنى ذلك أننا نستطيع أن نصل إلى الله عن طريق حبنا للجمال، مثلما نصل إليه عن طريق سعينا إلى الخير والحق؛ ففي الله تلتقي القيم جميعا، ومن مشاركة الأشياء الزمانية في الماهية الإلهية الأزلية تستمد كل القيم.
ولكي يحدد أفلوطين العلاقة بين الأشياء الجميلة وبين عالم الأفكار الإلهية الذي هو مصدر جمالها، يؤكد أننا نصف بالجمال كل شيء نرى فيه ذلك الطابع الذي أضفيناه نحن عليه، بفضل اتحادنا بالمبدأ الإلهي؛ فحين يصنع المهندس بيتا جميلا، فهو إنما يطبع المادة الخارجية - أي الحجارة - بفكرة في داخله، أو يقربها من المثل الأعلى الباطن فيه، ولهذا السبب وحده كان يراه جميلا كلما نظر إليه.
ناپیژندل شوی مخ