آراء نقدية په مشکلاتو کې فکر او کلتور
آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة
ژانرونه
إن التاريخ هو عملية تغيير الطبيعة والمجتمع عن طريق فاعلية البشر؛ ففي كل لحظة إذن يكون التاريخ ناتجا عن ملايين الأفعال الفردية التي توجد لها أسباب ولها غايات متباينة، بل متناقضة في كثير من الأحيان، ومن ثم فهي أفعال يستحيل التعرف عليها في محصلتها النهائية، مع أن هذه المحصلة لم تتكون إلا منها. ولكن إذا كان السبب الرئيسي لكل هذه الأفعال هو الصراع من أجل الحياة ضد القوى المعادية في الطبيعة، أو الصراع من أجل مصالح فردية متباينة، فمن الواضح أن لها أساسا مشتركا، يتمثل في حالة الثروات المتراكمة، وحالة الأساليب التكنيكية والمعارف في عصر معين، وفي الظروف السياسية والثقافية والصراعات والعادات الموروثة من العصور الماضية؛ ذلك لأنه إذا كانت هذه العوامل كلها نتاجا للإنسان، فإنها مع ذلك توجد خارجه، ووجود هذه العوامل الموضوعية جميعها يتحكم في مسار التاريخ في أية لحظة بعينها.
وصحيح أن مجموع هذه الشروط هو نتاج لتراكم عمل البشر ولتفاعلهم بعضهم مع البعض، غير أن الروابط التي تربطها بأسبابها وتربطها بعضها ببعض، لما كانت أعقد من أن تظل روابط واعية، فإنها تصبح بالفعل معرضة للتجاهل والإغفال، وهكذا لا يكون التاريخ حصيلة الفعل الواعي للبشر، بل حصيلة الحالة الموضوعية للعالم الذي يمارس البشر فعلهم عليه؛ ذلك لأنه لا يوجد أي إصرار واع يتدخل في محصلة هذه الأفعال الفردية، التي هي أصل كل تغيير أولي، وهكذا يبدو للبشر أن مسار تاريخهم الخاص غريب عنهم؛ لأن الناس يكونون بالفعل عاجزين - على المستوى الفردي - أمام التاريخ، إن لم يرتكزوا على تلك الحقيقة الواقعية التي تتحكم فيهم بقدر ما تكون قد اكتسبت وجودا مستقلا ودينامية مستقلة («من المستحيل إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء» من المستحيل العودة إلى العصور الوسطى).
وعلى ذلك فإن الناس يبدون كما لو كانوا أدوات في يد التاريخ، ولكنهم يبدون أيضا كما لو كانوا صانعيه، أعني صانعين غير واعين عندما يكون فعلهم مقتصرا على المساهمة الفردية في الحياة الاجتماعية (كالعمل والقراءة والدراسة والانتخاب)، أو صانعين واعين - على ما يبدو - حين يكون الأمر متعلقا بأفراد يقومون بدور «تاريخي» (نابليون أو هتلر)، ولكنهم في الواقع يكونون عندئذ أيضا معتمدين على التاريخ «الموضوعي»، ما داموا لا يكونون - في أية لحظة بعينها - سادة للتاريخ ومتحكمين فيه إلا لأن الناس لا يمكنهم أن يستعيدوا السيطرة على التاريخ بصورة واعية، ولا يظلون سادة له إلا بقدر ما يمتثل الناس لرغبات الجماعات المسيطرة في تلك اللحظة، وهذه الجماعات لا تكون هي ذاتها مسيطرة إلا لأسباب مادية تبدو في الظاهر عشوائية.
ولكن إذا كان التاريخ غريبا بالنسبة إلى الفاعل الرئيسي، فمرد ذلك إلى أن الإنسانية ليست كلا متجانسا متماسكا؛ فمن الجلي أننا لا نستطيع أن نصبح صانعين للتاريخ إلا عن طريق الفهم الفعلي العلمي للمسار الموضوعي، وعن طريق أخذنا لهذا المسار على عاتقنا، واستيعابه في داخلنا، أي عن طريق فهم الواقع فهما شاملا؛ فليس من الممكن التأثير في كل معقد ومتناقض إلا عن طريق معرفة عناصره الرئيسية، ولنلاحظ أننا عندما نتحدث عن الإنسان بوصفه صانع التاريخ، فلا بد أن يكون حديثنا منصبا على مجموع البشر، لا على جماعة فوضت إليها البشرية أمرها على نحو ما. وعلى ذلك فمن المستحيل أن يحدث ذلك إلا عن طريق التأثير المباشر في التاريخ، أي عن طريق معرفة قوانينه، والواقع أن تلك العصور التي صنع فيها الإنسان تاريخه - كعصر ثورة 1789م (الثورة الفرنسية) - تتميز بالتوافق بين اتجاهات المسار التاريخي (أي نمو الطبقة البورجوازية وتداعي السلطة الملكية) وبين وعي الناس، أما حين لا يوجد هذا التوافق من تلقاء ذاته، فمن المستحيل خلقه إلا عن طريق الفهم العام ومعرفة هذه القوانين عن وعي.
إن من الواضح أن ما يؤدي إلى وجود فجوة بين أفعال البشر والتاريخ هو الاختلاف والتناقض بين مصالح القائمين بهذه الأفعال، والواقع أن من المستحيل أن يأخذ المجتمع على عاتقه - عن وعي - مهمة تنظيم تاريخه إذا كان هذا المجتمع قائما على الصراع الفردي من أجل العيش، وعلى ذلك فلا يمكن التأثير في التاريخ إلا بتوحيد المصالح الأساسية ككل (وهو التوحيد الذي قامت به - مثلا - الثورة الفرنسية في عام 1789م ضد السلطة الملكية)، وهذا التوحيد لا يأتي إلا بالعمل في نفس اتجاه المسار غير الواعي، فلا يمكن التأثير في التاريخ إلا بمعرفة قوانينه، ولا يمكن الانتفاع من هذه القوانين إلا باتباعها (وهكذا فإن قيام شعوب كالشعب الجزائري بأخذ مستقبلها الاقتصادي في قبضة يدها، يعد تحقيقا واعيا ومنظما لمهمة التصنيع التي تمت بصورة طبيعية أو تلقائية في البلاد الرأسمالية خلال القرن التاسع عشر).
إن التاريخ لا يوجد خارج البشر رغما عنهم إلا لأن ما يطلق عليه اسم البشرية هو في واقع الأمر مجموعة من القوى المتباينة المتناقضة، وبالتالي لأن التاريخ هو محصلة هذه الصراعات، وهي محصلة تتحقق على أساس التاريخ الماضي بعد أن أصبح حقيقة موضوعية «طبيعية» لا واعية على نحو ما.
وبهذا القدر يكون الإنسان أداة في يد التاريخ، ولكنه بمعنى أهم هو صانعه، ليس فقط لأنه هو الذي ينتج التاريخ، بل أيضا لأنه يستطيع أن يتحكم فيه عن طريق إعادة السيطرة على ناتجه الذي أصبح غريبا عنه، وذلك بفضل المعرفة والتنظيم.
فمن الواجب إذن أن ننظر إلى أنفسنا على أننا صانعو التاريخ، ما دام هذا وحده هو سبيلنا إلى أن نصبح صانعيه بالفعل، أي أن نقبض بكلتا يدينا على زمام تاريخنا، ونجعل تلك العملية الفعلية - عملية إنتاج البشر للتاريخ - عملية واعية لإرادتنا.
عن الإنسان والقمر
خواطر هادئة حول رحلة القمر
ناپیژندل شوی مخ