آراء نقدية په مشکلاتو کې فکر او کلتور
آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة
ژانرونه
فهو مستمد من ضرورة وجود معنى لكل عمل فني، بحيث يخاطب ذلك العمل بيئة معينة، ويعبر عن مجتمعه مثلما يعبر عن الفنان الخالق له، وقد عبر مشروع الدستور فن هذا المبدأ في نهاية الفقرة السادسة من المبادئ العامة، فقال: «ولهذا فإن الأعمال الفنية التي تخاطب أعدادا كبرى من الناس، وتحظى برضاهم أو اهتمامهم، هي بالضرورة أفضل من أعمال أخرى أقل منها جمهورا، وذلك شريطة أن تجذب الأعمال الفنية جمهورها دون ابتذال أو تملق الغرائز، أو تضحية بهدف الفن الدائم، وهو الحق والخير والجمال.»
ومن المؤكد أن العبارة السابقة تثير عديدا من الإشكالات، فهي تفترض إمكان وجود أعمال فنية رفيعة المستوى، ليس فيها ابتذال أو تملق الغرائز، ولكنها مع ذلك ترضي جمهورا كبيرا، وهي تضع نوعا من المعيار الكمي - هو رضا الجمهور - للتفضيل بين الأعمال الفنية التي تشترك في الصفات السابقة، وإذا أمكن وجود مثل هذه الأعمال الفنية ذات المستوى الرفيع، وكان في وسع هذه الأعمال أن تخاطب أعدادا كبرى من الناس فتجد منهم استجابة ورضاء واهتماما، فعندئذ لن تعود مشكلة الكم والكيف قائمة، ولن يصبح في وسع تجار الثقافة أن يغرقوا الأسواق بإنتاجهم المبتذل، ما دام هناك إنتاج رفيع يرضي الجموع الكبيرة من الجماهير.
وهذا يؤدي بنا إلى نقطة أعتقد أنها على جانب عظيم من الأهمية، وعن طريقها يمكننا رفع التناقض الذي أشرنا إليه من قبل، تلك هي أن المثل الأعلى للثقافة وللتربية الفنية والأدبية هي إزالة التعارض بين الكم والكيف، أعني الوصول إلى حالة تستطيع فيها الجموع الكبيرة من الجماهير تذوق أرفع أنواع الإنتاج الفني، بحيث يكون أجمل الأعمال الفنية هو في الوقت نفسه أوسعها انتشارا، وبحيث لا يلقى العمل المبتذل استجابة على الإطلاق، وهذا دون شك هدف بعيد يصعب تحقيقه، ولكنه مع ذلك هدف ينبغي أن يضعه مخططو الثقافة نصب أعينهم على الدوام؛ لأنه هو الأمنية التي يتجه كل مجتمع اشتراكي أصيل إلى تحقيقها بكل قواه.
فالتعارض الشديد بين الكم والكيف مرتبط - دون شك - بنوع من التخلف الثقافي، تكون فيه القلة أو الصفوة هي وحدها القادرة على تذوق الأعمال ذات المستوى الرفيع، وتكون الغالبية العظمى من الناس عاجزة عن الاستمتاع إلا بالأعمال السطحية المبتذلة، وفي مثل هذا المجتمع المتخلف ثقافيا تتخذ مشكلة الكم والكيف صبغة حادة، ويكون الباب مفتوحا على مصراعيه أمام المزيفين لخداع الجماهير بثقافة سطحية تتملق غرائزهم أو تخدر عقولهم، وكلما ازداد نصيب المجتمع من الثقافة أو نصيب الثقافة من اهتمام المخططين الاجتماعيين؛ خفت حدة التعارض بين الكم والكيف، واتجها إلى التقارب التدريجي حتى ينتهي بهما الأمر إلى الاتحاد في المجتمع المثقف بالمعنى الصحيح، فلو تصورنا مثلا مجتمعا يكون التعليم الثانوي فيه إلزاميا لكل الفلاحين ، ويكون التعليم العالي أو الجامعي من نصيب فئة كبيرة من العمال الصناعيين، فسوف يكون في وسع الأعداد الكبيرة من الجماهير في مثل هذا المجال أن تستمتع بأعمال على مستوى شكسبير ودستويفسكي وبلزاك، ويصبح مدى إقبال الناس على العمل الفني عندئذ معيارا لقيمة هذا العمل في ذاته، وصحيح أن هذا مجتمع فرضي يصعب تحقيقه في ظروف الحرب الباردة والتسلح التي تقف حائلا بين عالم اليوم وبين توجيه الاهتمام الكافي إلى تنمية الثقافة وغيرها من الجوانب المعنوية في حياة الإنسان، ولكن من الواجب أن نضع هذه الحقيقة نصب أعيننا، وندرك أن الهدف النهائي لجهودنا في هذا الميدان ينبغي أن يكون عبور الهوة بين الكم والكيف ورفع التناقض بينهما، والوصول إلى الحالة التي يصبح فيها أرفع أنواع الفن هو أكثرها انتشارا بين جموع الناس.
ولعل القارئ قد أدرك - من خلال المناقشة السابقة لمشكلة الكم والكيف في الثقافة - أن المسئولية الكبرى عن حل هذه المشكلة - في المجتمع الاشتراكي - لا بد أن تقع على عاتق الحكومة، صحيح أن المشروع الذي نناقشه موجه أساسا إلى الفنانين أنفسهم، ولكنه في الوقت ذاته يمثل نوعا من الدستور الثقافي الذي يحدد دور الفن والأدب في المجتمع الاشتراكي، كما يحدد موقف المجتمع الاشتراكي - ممثلا في حكومته - من الفن والأدب، وإذا كان من المفيد أحيانا أن نتوجه إلى الفنانين بالنداء حتى يهتموا برفع مستوى أعمالهم قبل اهتمامهم بكثرة الإنتاج أو وفرته، فإن مثل هذه الفوائد تتضاءل إلى جانب النفع العظيم الذي يمكن أن يجنيه الأدب والفن لو وضع الإطار التنظيمي الذي يكفل تحقيق هذا الهدف، ولو توافرت الشروط الموضوعية التي تضمن الاهتمام بالكيف قبل الكم أو معه، بحيث لا تعود المسألة متوقفة على إرادة الفنانين أو استجابتهم فحسب، بل يصبح الجو الفكري ذاته هو الذي يحتم حدوث هذا التحول الأساسي، وفي اعتقادي أن على الحكومة - في سبيل تحقيق هذا الهدف - واجبا عاجلا وواجبا آجلا، كليهما لا بد منه لضمان الحل الصحيح لمشكلة الكم والكيف.
أما الواجب العاجل فهو تهيئة الظروف التي تجعل الإنتاج الفني والأدبي مستقلا عن مطالب السوق ومقتضياته؛ ذلك لأن مركز الفن في المجتمع - بوصفه سلعة تسري عليها قوانين السوق - هو الذي يؤدي إلى الاستغلال الرأسمالي وإلى كل الأضرار الأخرى المترتبة على تطبيق مبدأ الربح على مجال الإنتاج الفني. ومن هنا كان تشجيع الدولة للفنانين والأدباء على رفع مستوى إنتاجهم، وتعويضها إياهم عن الخسارة المادية التي يمكن أن يلحقها بهم عرض هذا الإنتاج الرفيع في السوق؛ ضرورة حتمية من أجل ترجيح كفة الكيف على الكم، وفضلا عن ذلك فإن رعاية الدولة أساسية حتى لا يضطر الفنان - جريا وراء لقمة العيش - إلى التبذل والإسفاف والهبوط عمدا بمستوى فنه لإرضاء مطالب السوق، وربما كان الأهم من هذا وذاك أن الدولة وحدها - بما لها من إمكانيات ضخمة ومن نظرة موضوعية إلى الأمور - هي وحدها القادرة على الأخذ بيد الفنانين الناشئين وتشجيعهم على الوقوف إلى جانب مشاهير الفنانين، وبهذا وحده تتسع قاعدة الإنتاج الفني إلى الحد الذي لا يعود من الممكن معه احتكار فئة محدودة للإنتاج وإغراقها للسوق بأعمال متلهفة تفتقر إلى الصقل والنضج.
وأما الواجب الآجل فهو الاهتمام العام بالثقافة بوصفها جزءا من النهضة الاجتماعية الشاملة؛ فبهذه النهضة وحدها تجد مشكلة الكم والكيف حلها الصحيح، وهو - كما قلنا - أن تزول الهوة بينهما، ويلقى أرفع الأعمال الفنية أكبر استجابة من الجماهير العريضة، وهذا هدف لا يخطر بالذهن إمكان تحقيقه إلا في المجتمع الاشتراكي، حيث يربط التخطيط بين كل مظاهر حياة المجتمع في وحدة واحدة، ومن هنا كان الحل الصحيح لمشكلة الكم والكيف - في رأيي - هو أن نعمل على إلغاء هذه المشكلة بإنهاض المجتمع تدريجيا إلى المستوى الذي يكفل رفع ملكة التذوق الثقافي لدى الجماهير الكبيرة من الناس، أما المشكلة بوضعها الحالي - أعني مشكلة وجود تعارض بين الكيف والكم، وانتشار الأعمال التافهة على أوسع نطاق ممكن، واقتصار الأعمال الرفيعة على جمهور ضئيل بحيث يتحتم حمايتها من طغيان الرغبة في الكسب المادي - فهي مشكلة ترتبط أساسا بنوع من التخلف الثقافي يتحتم على المجتمع الاشتراكي أن يكرس كل جهوده للقضاء عليه.
حديث عن الشباب والثقافة1
كان الحافز لي إلى كتابة هذا المقال موضوعا كتبته فتاة فرنسية في السابعة عشرة من عمرها، لا تزال طالبة بالمرحلة الثانوية؛ فقد دأبت مجلة «ألفيجارو الأدبية» على نشر أفضل موضوعات الإنشاء (أو التعبير) التي يكتبها طلبة البكالوريا الفرنسية (الثانوية العامة)، وكان العدد الذي وقع في يدي من هذه المجلة يضم ثلاثة موضوعات لطلاب يمتحنون في مجموعات مختلفة، كان الموضوع الأول بعنوان: «هل يمكن أن نقبل - بلا تحفظ - الرأي القائل إن العمل مصدر الثروة؟» والثاني: «هل يكفي أن يكون لدى المرء منهج لكي يجري بحثا علميا؟» والثالث: «هل نحن أدوات في يد التاريخ أم نحن صانعوه؟»
ولقد كان النضج والتعمق الذي عالج به شبان في مرحلة المراهقة موضوعات معقدة كهذه أمرا يدعو إلى الدهشة حقا؛ فقد كانت كتابتهم على مستوى المفكرين الكبار، بحيث يستحيل أن يبدي المرء نحوهم إعجابا نسبيا، يأخذ فيه أعمارهم الصغيرة بعين الاعتبار، ويعدهم متفوقين بالقياس إلى الشباب في مثل سنهم، بل إن المرء لا يملك إلا أن يعجب بعمق الثقافة ودقة التفكير والتخيل ناسيا تماما أنه إزاء مراهقين صغار.
ناپیژندل شوی مخ