آراء نقدية په مشکلاتو کې فکر او کلتور
آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة
ژانرونه
ولعل أبلغ دليل على ما نقول هو أن اليهود - مهما كان مقدار ضعفهم في مجتمع ما - يرفضون الاندماج في هذا المجتمع، ويعدون هذا الاندماج علامة على انهيارهم، فيعملون على مقاومة هذا الانهيار بكل ما يملكون من قوة.
ذلك لأن الاندماج في الأغلبية والحصول على نفس حقوقها على قدم المساواة هو الحلم البعيد الذي تكافح من أجله الأقليات المضطهدة في جميع أرجاء العالم، وحسبنا شاهدا على ذلك كفاح زنوج أمريكا في سبيل المساواة في فرص العمل والتعليم والحقوق السياسية، وسعيهم الدائب من أجل أن يسمح لهم المجتمع بأن ينصهروا فيه ويكونون جزءا لا يتجزأ منه، أما في حالة الأقلية اليهودية فإن الاندماج يعد في نظرها أفظع الجرائم التي يمكنها أن ترتكبها في حق ذاتها، إنه خيانة للتراث اليهودي، وضياع لكل ما هو مميز «للشعب المختار»، ومن هنا كانت صعوبة التعامل مع الأقليات اليهودية، وحتمية تحول هذا التعامل إلى اضطهاد حتى في المجتمعات التي لم تكن تنوي ممارسة هذا الاضطهاد أصلا؛ إذ إن هذه المجتمعات لو منحت الأقلية اليهودية حقوقها المتساوية وعملت على إدماجها فيها وإذابتها ذوبانا تاما؛ لقوبل هذا الإدماج بمقاومة عنيفة منها، ولو تركتها تعيش على هامش الجماعة الكبيرة لارتفع صراخها بالشكوى من الاضطهاد!
وواقع الأمر أن وجود نوع من الإحساس بالظلم والاضطهاد كان - ولا يزال - جزءا لا يتجزأ من القوة الدافعة التي ساعدت اليهود على التماسك والاحتفاظ بتراثهم على مر العصور، وإذا وعينا هذه الحقيقة جيدا؛ لتبين لنا أن الوصول إلى تسوية نهائية على أساس التعايش السلمي مع دولة قائمة على أساس عنصري مثل إسرائيل، هو أمر يكاد يكون في حكم المستحيلات، ليس فقط بسبب الأطماع المتزايدة التي تنتمي إلى صميم بناء هذه الدولة، بل لأن قادتها يدركون أن حالة السلام الدائم هي أكبر خطر يمكن أن يتعرض له كيان الشعب اليهودي في إسرائيل؛ فهذه الحالة كفيلة بأن تقضي على الدينامية العدوانية النشطة لدى هذا الشعب، وتهدد تماسكه الداخلي وتضامنه مع الطوائف اليهودية في الخارج، وتمزق المتناقضات التي ينطوي عليها هذا التجمع المصطنع الذي لا يوحده إلا الشعور بالخطر، ولما كانت تصريحات القادة اليهود - على مر العصور - تكشف عن وعيهم المكتمل بهذه الحقيقة، فإننا نستطيع أن نتنبأ منذ الآن بأن دولة مثل إسرائيل لن تكف عن إثارة القلاقل والمشاكل من حولها، حتى ولو تهيأت لها في المنطقة كل أسباب السلام، وذلك على الأقل من أجل الاحتفاظ بتماسكها وفاعليتها عن طريق الاحتفاظ بجذوة الإحساس بالخطر متقدة على الدوام.
وأخيرا فلعل أهم الأسئلة التي يثيرها التفكير الجدلي في ظاهرة التعصب، هو السؤال عما إذا كان التعصب منتميا إلى البناء الأعلى
superstructure
أو إلى البناء الأدنى أو الأساس
infrastructure ، أعني عما إذا كان التعصب ظاهرة تفسر بذاتها، أم لا تفهم إلا من خلال ظواهر أخرى أكثر أولوية منها؟
ونستطيع أن نقول - بوجه عام - إن التعصب كان يفسر بذاته في العصور القديمة التي كانت كل الأسس فيها خافية، وكانت الأبنية العلوية فيها هي كل شيء، أما في عصرنا هذا، عصر الكشف عن الأسس الخبيثة، وفضح الأسباب الحقيقية المستورة، فقد أصبح التعصب يرد دائما إلى أصول أخرى أسبق منه وأقدر على تفسيره.
ولقد قام علم النفس بدور هام في الكشف عن الجذور العميقة للتعصب في النفس البشرية، ولكن الذي يعنينا هنا هو أن تفسيرات علم النفس ذاتها تعد - في نظر الكثيرين - منتمية إلى البناء العلوي، على الرغم من أنها تتركز على الجذور الخفية اللاواعية لظاهرة التعصب، أما البناء الأساسي الذي يقدم تفسيرا كافيا لهذه الظاهرة ، فهو في نظر هؤلاء البناء الاقتصادي؛ فالتعصب - تبعا لهذا التفسير - لا يعدو أن يكون مظهرا من بين مظاهر استغلال الإنسان للإنسان، سواء في المجتمع الزراعي أم في المجتمع الصناعي، إنه التبرير الأيديولوجي للاضطهاد الواقع على فئات معينة يستغل المجتمع طاقتها دون أن يمنحها حقوقها المشروعة.
وليس في وسعنا أن نجزم إن كان هذا التفسير صالحا للانطباق على كل حالات التعصب التي شهدها البشر على مر التاريخ، ولكن الأمر المؤكد هو أن النظرة الفاحصة إلى مظاهر التعصب في عالمنا المعاصر تقنعنا بأن هذا هو التفسير الأكثر انطباقا على الواقع الذي نعيش فيه؛ فالحكم على الزنوج بالدونية هو الذي يجعل الأغلبية البيضاء في أمريكا، والأقلية البيضاء في روديسيا وجنوب أفريقيا، تستغل عملهم بأبخس الشروط، وتبرر لنفسها ذلك بضمير مستريح.
ناپیژندل شوی مخ