آراء نقدية په مشکلاتو کې فکر او کلتور
آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة
ژانرونه
وهما يمثلان الجانب الوجودي، وبين روجيه جارودي
Roger Garaudy
وبعض الممثلين الآخرين للتفكير الماركسي الفرنسي - في 7 ديسمبر عام 1961م - حول الموضوع الآتي: «هل الديالكتيك قانون للتاريخ فحسب، أو هو أيضا قانون للطبيعة؟» وقد نشرت هذه المناظرة في كتاب أصدرته دار «بلون»
للنشر في عام 1962م، بعنوان «الماركسية والوجودية: جدال حول الديالكتيك»، ولعل أجمل ما في هذا الكتاب - إلى جانب المستوى الرفيع للتفكير وطريقة معالجة الموضوعات - تلك الروح الموضوعية التي تجلت بوضوح في المناقشة، والتي جعلت كلا من الطرفين - مع تمسكه بموقفه الأساسي - يقدر نواحي القوة والضعف في آراء الآخر بنزاهة تامة.
وليس هذا البحث عرضا للجدال الذي دار بين الطرفين بقدر ما هو محاولة لتلخيص الحجج العامة التي استند إليها كل منهما في تأكيده لرأيه، دون التزام لترتيب هذه الحجج أو تسلسلها في المناقشة، وفضلا عن ذلك فإن البحث يتضمن تعليقا خاصا للكاتب ومحاولة للوصول إلى رأي في المشكلة موضوع البحث، وهو رأي تمليه علينا الاعتبارات الموضوعية وحدها. وعلى أية حال فالمشكلة أعقد وأعمق من أن يستوعب بحث كهذا جميع أطرافها، وللقارئ المفكر في نهاية الأمر أن يكون لنفسه رأيا خاصا بعد اختبار وجهات النظر الممكنة في الموضوع.
الموقف الوجودي
يبدو أن فكرة الديالكتيك قد توطدت دعائمها في مجال التاريخ الإنساني؛ فبفضل النظرة الديالكتيكية إلى التاريخ أمكن تجاوز الفهم الآلي المحدود للتاريخ، الذي تعبر عنه «نظرية أنف كليوباترا»، وإحلال فهم آخر «شامل» محله؛ ذلك لأن تطبيق مفهوم الديالكتيك على التاريخ يعني إدراك «الصفة الكلية» لمجرى التاريخ البشري، والنظر إلى كل حادث جزئي من خلال الكل الشامل الذي يجد الحادث معناه بوصفه جزءا منه، وبعبارة أخرى فالفهم الديالكتيكي للتاريخ يعني توسيع أفق النظرة إلى الحوادث الفردية بحيث تندرج تحت «كليات» أعم منها، وبحيث لا يعود لمعنى «الجزئية» أو «الخصوصية» مجال في أحداث التاريخ؛ فالمقولة الأساسية في الديالكتيك التاريخي هي مقولة «الكلية
Totalité »، ولا بد أن تتحكم هذه المقولة في كل تفكير بشري في التاريخ، ولم يكن تأكيد ماركس لأهمية «علاقات الإنتاج» في تفسير التاريخ إلا تطبيقا لفكرة «الكلية» هذه؛ فعلاقات الإنتاج هي ذلك الكل الذي ينبغي أن ترد إليه كل ظاهرة جزئية، حتى لو كانت «أنف كليوباترا»، وما كان من الممكن أن يفهم الإنسان تاريخه على أنه يكون كلا شاملا لو لم يكن الإنسان ذاته «كلا»، أعني شخصية عضوية متماسكة؛ فعلى صفة «الكلية» في كل فرد ترتكز كلية الواقع الاقتصادي أو واقع الإنتاج آخر الأمر. ولما كان التاريخ ظاهرة بشرية قبل كل شيء، أعني ظاهرة أسهم الإنسان نفسه في إحداثها وفي تطويرها، فمن الطبيعي في هذه الحالة أن تقوم بين الذهن البشري وبين الواقع التاريخي علاقة ديالكتيكية تعبر عن تغلغل الفكر في هذا الواقع وعما يقوم بينهما من علاقات متبادلة.
أما تطبيق فكرة الديالكتيك في مجال الطبيعة فأمره مختلف؛ ذلك لأن الرغبة في تحقيق وحدة المعرفة - أعني تطبيق مبادئ واحدة على كل مظاهر المعرفة - تدفع الماركسيين إلى القول بالمادية الديالكتيكية، لا المادية التاريخية فحسب؛ أعني إلى تطبيق الديالكتيك على الطبيعة، لا على التاريخ وحده، ولكن هل يحق لنا في المرحلة الراهنة من تطور العلم أن نتحدث عن ديالكتيك للطبيعة؟ وهل يعد تطبيق فكرة الديالكتيك على الطبيعة كشفا حقيقيا، أم إنه مجرد تشبيه وإقحام لمبدأ نجح في تفسير الظواهر في مجال معين، على جميع المجالات الأخرى دون تمييز؟ وهل يمكن القول إن الطبيعة ذاتها - وكل ما فيها من عمليات - لها طابع ديالكتيكي ، وأن ديالكتيك التاريخ البشري ما هو إلا تطبيق جزئي لمبدأ أعم يسري على الكون بأسره؟
إن المقولة الرئيسية في الديالكتيك - كما قلنا من قبل - هي مقولة «الكلية»، فهل تتألف الطبيعة من «كليات» حتى يمكن القول بانطباق الديالكتيك عليها؟ إن وجود هذه الكليات يكاد يكون أمرا معترفا به في المجال البيولوجي، حيث تكون الكائنات العضوية الفردية - وكذلك الحياة في تطورها - كليات واضحة، أما في المجال الفيزيائي الكيميائي، فلا يمكن تطبيق هذه الفكرة إلا على سبيل التشبيه أو التمثيل؛ إذ إن فكرة «الكل» - عندما تطلق على الحقائق الفيزيائية - تقال بمعنى مختلف عن معنى تلك الكلية المتغيرة النامية التي يكشفها لنا التاريخ؛ فنحن في مجال الطبيعة لا نشارك في أحداث الواقع ولا نكون جزءا منه - مثلما نكون بالنسبة إلى الوقائع التاريخية - وإنما ندركها ونحكم عليها من الخارج فحسب، وهناك حد فاصل أو مسافة بيننا وبينها، تحول دون اندماجنا فيها ودخولنا معها في علاقة ديالكتيكية باطنة. إننا عندما نتحدث عن التاريخ فإنما نتحدث عن مجال نعيش فيه ونصنعه، أي نتحدث عن أنفسنا في واقع الأمر، أما عندما نتحدث عن الطبيعة فنحن إنما نصف مجالا غريبا عنا لا نستطيع أن نرتبط به إلا بعلاقة خارجية فحسب.
ناپیژندل شوی مخ