آراء فلسفيه په دوران کرایسس کې
آراء فلسفية في أزمة العصر
ژانرونه
وهذا الخوف العام من الذكاء هو أحد الأخطار الكبرى في عصرنا الحاضر، وهو - كغيره من الميول الأخرى التي تحدثت عنها - من الأمور التي يجب أن تعالجها المدارس قبل غيرها؛ فلو أن المعلمين والسلطات التربوية كانوا أشد إدراكا لنوع الشخص الذي يحتاج إليه العالم الحديث، لاستطاعوا خلال جيل واحد أن يكونوا الرأي الذي يقلب وجه الأرض، ولكن مثلهم الأعلى في الشخصية لا يزال عتيقا؛ فهم أشد ما يكونون إعجابا بالصفات التي تكسب صاحبها القيادة في عصابة لصوص. وإن قلت إن التجارة شيء آخر غير القرصنة، قالوا إنك لين وأعلنوا ضلالك. ويرجع ذلك كله إلى قوة الآراء العسكرية التي انحدرت إلينا من الأزمنة السحيقة. وأعيد القول هنا بأن هذه الآراء كانت تتلاءم مع عصر لم يكن فيه مفر من القحط، ولكنها لا تنطبق على العصر الذي نعيش فيه، حيث إن القحط أينما وجد إنما يرجع إلى غباء الإنسان ولا يرجع إلى أي شيء آخر. وبالرغم من أن هذه هي الحقيقة، فإن أكثرنا لا يزال يؤثر حكم الهوى على حكم العقل؛ فنحن نحب أن تثار عواطفنا، ونحب أن نستحسن ونستهجن، ونحب أن نعجب وأن نبغض، نحب أن نرى الأشياء إما سوداء وإما بيضاء. وجهازنا العقلي كله يتلاءم مع تحريضنا على الاندفاع إلى القتال مرددين صيحات الحرب الهمجية.
فإن أنت نظرت إلى تطبيق مثل هذه العقلية على أعمال البنوك الدولية، فلن تدهش للتدهور الذي سببته حينما كانت لها السيادة دون قيد، ولن تدهش لاعتقاد النازيين أن التدهور يمكن أن يحد لو أمكن إبادة عدد كاف من اليهود، ولن تدهش لما يعتقده الروس أنا سوف نصبح جميعا من الأغنياء لو أمكن تصفية الرجال الأغنياء. وما كان لمثل هذه الأخطاء أن تقع من قوم الذكاء عندهم قادر على أن يسيطر على الهوى، وما كان لمثل هذه الأخطاء أن تقع من قوم يدركون أن اختلاف المصالح باختلاف المجموعات البشرية إنما يرجع إلى الأهواء التي لا تخضع للعقل، ولا يرجع إلى أية حقيقة طبيعية.
إن العالم يواجه كارثة مقبلة، وهو يتساءل في حيرة: لماذا لم يلوح في الأفق مجال للنجاة من مصير مؤسف لا يرغب فيه إنسان؟ والسبب الرئيسي هو أننا لم نهيئ عقولنا لوسائلنا الفنية، وما زلنا نسمح لأنفسنا بطرق للتفكير والإحساس كانت تتلاءم مع عصر أشد بساطة في وسائله الفنية. فإن أردنا أن نحيا حياة سعيدة بالوسائل الفنية الحديثة - ويمكن للوسائل الفنية الحديثة أن ترفعنا إلى مستوى من السعادة أعلى بكثير مما كان في الإمكان سابقا - إن أردنا ذلك فلا مناص لنا من نبذ بعض الآراء والاستعاضة عنها بغيرها، فنستعيض بالمساواة عن حب السيطرة، ونستعيض بالعدالة عن حب الانتصار، ونستعيض بالذكاء عن الأعمال الوحشية، ونستعيض بالتعاون عن المنافسة. ويجب أن نتعلم النظر إلى الجنس البشري كأسرة واحدة، وننمي مصالحنا المشتركة باستخدام مصادر الثروة الطبيعية استخداما ذكيا، ونسير مجتمعين نحو الرفاهية، لا منفردين نحو الموت والدمار. إن التغير العقلي المطلوب شاق عسير، ولا يتم بين عشية وضحاها، ولكن إذا أدرك المربون الحاجة إليه، وإذا نشأ الصغار كمواطنين في هذا العالم، لا كمواطنين في عالم من المقاتلين الذين يعيشون على النهب والسلب، وهو عالم انقضى عهده وفات، أمكن تحقيق التغير المنشود خلال جيل واحد، وأمكن أن نأمل في إنقاذ جانب على الأقل من الجنس البشري من الهلاك العالمي الذي يهددنا به السعي وراء تحقيق آراء بائدة.
4 (1-4) الصراع بين الغرب والعالم السوفيتي
هناك أسباب قوية تدفعنا إلى الخوف من أن تمر الحضارة الغربية - إن لم يكن العالم بأسره - في المستقبل القريب، على الأرجح، بفترة من الآلام والأحزان والمصائب، فترة قد ننسى فيها الأشياء التي نحاول الاحتفاظ بها وسط المرارة والفقر والفوضى، إذا نحن لم نحرص على تذكر هذه الأشياء. فإن أردنا أن ننجو من هذا العهد المظلم بنفوس سليمة، فلا بد لنا من أن نتحلى بالشجاعة والأمل والإيمان الذي لا يتزعزع. وجدير بنا قبل أن يدهمنا الخطر أن نستجمع أفكارنا، ونبعث آمالنا، وأن نبث في قلوبنا إيمانا قويا ثابتا في مثلنا العليا.
هناك صورتان عن الحياة البشرية مختلفتان جد الاختلاف تتصارعان في سبيل السيطرة على العالم. ففي الغرب نرى عظمة الإنسان في الحياة الفردية، فالمجتمع العظيم عندنا مجتمع يتألف من أفراد، سعداء، متحررين، خلاقين، بمقدار ما يستطيع الإنسان ذلك. ونحن لا نعتقد أن الأفراد يجب أن يتشابهوا، إنما نحن نتصور المجتمع كالفرقة «الجوقة» الموسيقية التي يلعب فيها كل عازف دورا مختلفا ويضرب على آلة مختلفة، ولكن التعاون يحدث من الوعي بغرض مشترك. إننا نعتقد أن لكل فرد الحق في الاعتزاز بنفسه بالقدر المناسب، ويجب أن يكون له ضميره الشخصي وأهدافه الشخصية، التي يملك الحرية في إنمائها، اللهم إلا إذا ثبت أنها تلحق الأذى بالآخرين. ونحن نعلق أهمية كبرى على تخفيف الآلام والفقر، وعلى زيادة المعرفة وإنتاج الفن والجمال. والدولة عندنا سبب من أسباب الراحة، وليست شيئا معبودا.
أما الحكومة الروسية، فلديها صورة أخرى عن أهداف الحياة؛ فالفرد عندها غير ذي أهمية، ويمكن التصرف فيه. والمهم هو الدولة التي ينظر إليها كشيء يكاد يكون مقدسا، ولها رفاهيتها الذاتية، وهي رفاهية لا تنحصر في رفاهية المواطنين. وهذا الرأي الذي استمده ماركس من هيجل يتعارض في أساسه مع الأخلاق المسيحية، التي يؤمن بها في الغرب أحرار الفكر كما يؤمن بها المسيحيون، وليس للكرامة الإنسانية في العالم السوفيتي أية قيمة، وهناك يعد من الحق ومن الملائم أن يكون الناس عبيدا أذلاء، يطأطئون الرءوس أمام أولئك النفر الذين تتجسد فيهم عظمة الدولة، ويكادون يكونون أنصاف آلهة. وحينما يخدع المرء أعز أصدقائه ويكون سببا في الزج به في غياهب الفزع المبهم في معسكر من معسكرات العمل في سيبريا، عقوبة له على زلة من الزلات انزلق فيها في لحظة، وحينما يكون الطالب سببا في الحكم بالإعدام على والديه، نتيجة للتعاليم التي تلقاها من معلمه، وحينما يقدم إلى المحاكمة رجل ذو شجاعة نادرة بعد جهاده في كفاح الرذيلة، ثم يدان، ويضطر إلى أن يقر في ذلة وخنوع أنه كان آثما حينما عارض السلطة «الإلهية» لأصحاب النفوذ، حينما يحدث ذلك، فإن الخداع والاعتراف بالإثم لا يسببان أي إحساس بالعار لمن اقترف الذنب؛ لأنه إنما أن يعمل في خدمة الإله الذي يقدسه.
هذه هي الصورة التي ينبغي لنا أن نكافح ضدها، وهي صورة - في رأيي ورأي أكثر أولئك الذين يقدرون ما يمثله الغرب من عقائد - تسلب الحياة، إن هي سادت، كل ما يكسبها قيمتها، ولا تترك فيها سوى مجموعة مجندة من الحيوانات الذليلة. ولا أستطيع أن أتصور قضية أضخم أو أعمق من هذه نكافح من أجلها. أما إذا أردنا أن نحقق النصر - لا في ميدان القتال وحده، ولكن في قلوب الناس كذلك وفي النظم التي يؤيدونها - فلا بد أن يكون تفكيرنا واضحا فيما نقيم له وزنا، ويتحتم علينا - كما فعل بوثيس - أن نعزز شجاعتنا ضد ما يحيق بنا من أسباب الشدة والضيق.
وإن كانت روسيا لا تقدر الفرد حق قدره، فهناك في الغرب من يبالغ - في غير حق - في انفصال الأفراد كل عن الآخر. إن الذات الفردية ينبغي ألا تنحصر داخل جدران من الجرانيت، بل يجب أن تكون أطرافها شفافة تنم عما تحتها. إنما الخطوة الأولى نحو الحكمة - بل ونحو الأخلاق الكريمة - هي أن نفتح النوافذ للذات على مصاريعها بقدر ما نستطيع. إن أكثر الناس يجدون قليلا من الصعوبة في إدخال أبنائهم في دائرة رغباتهم، وهم يستطيعون ذلك بدرجة أقل مع أصدقائهم، وإزاء وطنهم إن ألم به خطر. وكثير جدا من الناس يحس أن ما يؤذي بلدهم يؤذيهم. عرفت في عام 1940م بعض الفرنسيين الذين يعيشون في أمريكا عيشة رغدة يتألمون لسقوط فرنسا كما يتألمون لو بترت سيقانهم. غير أنه لا يكفي أن نتوسع في دائرة عطفنا حتى تشمل وطننا، ولو أردنا للعالم سلاما وجب علينا أن نتعلم كيف نشمل الجنس البشري بأسره بنفس العطف الذي نحسه اليوم إزاء مواطنينا. وإن أردنا أن نحتفظ بالهدوء والسكينة في الأوقات العصيبة، عاوننا على ذلك كثيرا أن تشتمل المعارف التي تحتويها عقولنا على العصور الماضية والمستقبلة.
قل من الأشياء ما يطهر تصورنا للقيم مثل ما يطهره تأملنا في ارتفاع الإنسان التدريجي من بداياته الغامضة الشاقة إلى عظمته الراهنة. عند ظهور الإنسان في أول أمره ... كان نوعا نادرا من السهل اصطياده؛ إذ لم تكن له سرعة الغزال، ولا خفة القرد، عاجزا عن الدفاع عن نفسه ضد الوحوش الضارية، لا يحميه فراء دافئ من البرد والمطر، يعيش عيشة غير مستقرة على الطعام الذي يجمعه، ليس عنده سلاح أو حيوان أليف، ولا يعرف الزراعة.
ناپیژندل شوی مخ