لو كنا ندرك أشكال النفوس كما ندرك أشكال الهندسة، لما خالطنا عداء لعقل ضيق إلا بمقدار ما يعادي رياضي زاوية يعوزها خمس درجات أو ست؛ لتكون لها خصائص الزاوية القائمة. ***
آراؤنا في الحب كآرائنا فيما سواه؛ تقوم على عادات سالفة تكاد تمحي ذكراها. في دائرة الأخلاق تجد الأوامر والنواهي التي فقدت علة وجودها، والفروض والواجبات التي لا طائل تحتها، والإلزامات التي بلغت في الفظاعة غاية لا غاية بعدها، لكنها مبجلة محترمة؛ لأنها عريقة في القدم ، تكتنف منشأها الأسرار، لا تنال بجدل، أو اعتراض، أو تمحيص، بل إنك لا تخالفها إلا تعرضت لأشد اللوم والتقريع. إن الآداب الخاصة بعلاقات الجنسين قائمة على هذا المبدأ: متى أخذت المرأة أصبحت ملكا للرجل كجواده وسلاحه، والآن - وقد بطل هذا المبدأ - فلا يزال سببا لبعض الأمور العارية عن المنطق كالزواج مثلا: الزواج عقد بيع امرأة لرجل، يتضمن بنودا لتحديد الملكية، أدخلت منذ أخذ الوهن يطرأ على المالك. ***
في جميع الفنون لا يصور الفنان إلا نفسه: آثاره، أيا كان الثوب الذي يخلعه عليها، معاصرة له بالفكر. ماذا يعجبنا في الكوميديا الإلهية إن لم يكن نفس دانتي الكبيرة؟ ورخام ميكال آنج؟ ماذا يمثل من الخوارق إن لم يكن ميكال آنج بذاته؟ إذا كنت فنانا منحت بدائعك ما فيك من حياة، وإلا فأنت تقتطع ألاعيب كالتي يحبها الأطفال. ***
من الخرق أن يقتل رجل امرأة، والرجال القادرون على هذه المجزرة لا مراء في أنهم لا يطاقون أصلا، لو سلمنا بأنهم ليسوا مصابين بالجنون المطبق، فيجب أن يكونوا قليلي النعمة في عقولهم والليونة في أفهامهم، وأحسب أنهم يظلون ثقلاء قساة حتى في حجر السعادة؛ لأن أنفسهم لا تدرك تلك الفروق الدقيقة الفتانة، التي ما فقدت إلا كان وجه الحب أغبر داعيا إلى السأم. ***
لسنا نألو جهدا في محاولتنا أن ننفذ إلى المستقبل الذي لا ينفذ إليه، ونعمل لذلك بكل قوانا، وبكل ما أوتينا من الوسائل، نحسب أننا سنبلغ إليه بالتأمل حينا، وبالصلاة والوجد حينا. يسأل بعضنا وحي الآلهة، ولا يخاف البعض الآخر إتيان المحرمات، فيسأل عرافي كلدة أو يجرب طوالع بابل. يا للفضول الباطل الكفور! ماذا تجدي معرفة المستقبل ولا مفر من المستقبل؟! ***
لم يقل الأقدمون عن عبث: إن القدرة على اختراق حجب المستقبل شر موهبة ينالها المرء. لو جاز لنا أن نرى ما سيأتي، إذن لما بقي لنا إلا أن نموت، بل لربما سقطنا مصعوقين ألما أو رعبا، المستقبل يجب أن نشتغل به كما يشتغل النساجون، دون أن يروا الطراز الذي يوشون. ***
الحقيقة هي أن البشر لا ينظرون بعيدا إلى الأمام إلا وجلين، ويعتقد كثير منهم أن هذا الاستقصاء ليس باطلا فحسب، بل هو سيئ أيضا، والأقربون إلى الاعتقاد أن من المستطاع الاطلاع على شئون المستقبل هم الأشد خوفا من اكتشافها، لا ريب في أن وراء هذا الخوف دواعي بعيدة الغور، فإن النظم الأخلاقية والدينية أتت بكشوف عن أقدار البشر، وأكثر الناس - سواء اعترفوا أم كتموا أنفسهم - يخشون أن تتحقق هذه الكشوف القدسية فيجدوا باطل آمالهم، لقد ألفوا تصور أشد العادات والأخلاق اختلافا عن عاداتهم وأخلاقهم؛ لأنها عريقة في القدم، وهم يغبطون أنفسهم على تقدم الأخلاق، ولكن لما كان نظامهم الأخلاقي بالجملة قائما على عاداتهم، فهم لا يجرءون على الإقرار بأن النظام الأخلاقي الذي ما فتئ يتبدل بتبدل العادات قبل أن يصل إليهم سوف يتبدل من بعدهم أيضا، وأن رجال المستقبل قد يرون غير رأيهم فيما هو حلال وحرام، يخيفهم الإقرار بأنه ليست لهم إلا فضائل متحولة، وآلهة طاعنة في السن، وتراهم يخالون أنفسهم مخدوعين إذا توقعوا أن تتخذ البشرية حقوقا وواجبات وآلهة غير التي عرفوها، رغم تلك الفروض والحقوق المتقلبة المتبدلة التي عرضها الماضي لأنظارهم، وبالنهاية إنهم يخافون أن يعابوا في أعين معاصريهم إذا أثبتوا تلك «اللاأخلاقية» الشنعاء التي ستكون «أخلاقية» المستقبل، هذه أيضا موانع عن العمل لمعرفة المستقبل. ***
نحن نضع اللانهاية في الحب؛ ليس هذا ذنب النساء. ***
حب الرجال دنيء، لكنه قد يسمو إلى ذرى الآلام، فيوصل إلى الله. ***
إذا أحببت وأحببت، فاصنعي ما ترين أن تصنعي. ***
ناپیژندل شوی مخ