فقلت: نعم، لنسمع الأسطوانة الجديدة ...
فما زاد جوابه على ضحكة صارخة دلتني على أنه شمل «الزمان» برضاه ...
دكان الضيعة
من رأى الخوري يتمشى مستعجلا ظن أنه يقيس سطح قبوه ... زكى غيظه وحنقه لون سمرته فصار باذنجانيا، يتحدث ويشير كأنه يماشي شخصا، يسيره شعوره الداخلي فتارة يبطئ وطورا يسرع، ومن رآه تحت أذيال تلك العتمة الرمادية الهابطة على الضيعة رويدا رويدا خال أن أحد عمالقة التوراة قد نشر.
وقبل أن يلف الليل القرية بشملته السوداء مر بطرس على الطريق الملازق بيت الخوري، فطار عقل الكاهن حين وقع نظره عليه، فبصق من حيث لا يشعر، وعلت همهمته وحث مطيتيه كأنه رائح إلى دفن ويخاف أن تفوته الصلاة وما يليها ... ثم انفجر يقول: دكان بطرس خرب الضيعة، كنا بألف خير قبل هذا الدكان، عود الناس على الشرب ولعب الورق، فهجروا الحقول، الكروم وبساتين الزيتون والتين أكلها الشوك والعليق، الأرض كلها بور، قندول وبلان، كانت الضيعة تبيع من كل الأصناف، فصرنا لا زرع ولا ضرع .
حنا طنوس كان يطبخ قنطار تين ويبيع قنطارين وأكثر، واليوم اشتهى أولاده قشرة التين، ومن أين يأتي التين؟! الأرض إن أطعمتها تطعمك، وإذا دينتها توفيك القرش عشرين، ولكن الذي كان يدينها راح، وترك أولاده غارقين في دكان بطرس، لا شغل ولا عمل، شغلهم القمار وشرب بيرة وعرق.
وأخذ يفتش عن أسماء المشروبات الحديثة فما دار على لسانه اسم واحد من أسمائها، فانتفض وأشار بيده إشارة غضب وقال: مشروبات غريبة ما لها دين ولا مذهب، ما عاد يعجبهم النبيذ والعرق، ولكن الشرب هين عند القمار ... يا عضرا نجينا، تدرجوا من لعب المنقلة والداما والطاولة إلى لعب الورق، ومن لعب الورق إلى القمار، متى كان الإنسان يبيع الطنجرة؟ جرجس بن حنا طنوس باع الطنجرة حتى يقامر، يا خراب الضيعة!
ضيعتك تخرب قدام عينك، يا خوري يوسف، وأنت واقف قبالها مثل الخيال؟! لا لا لا لا، وبخ وأنب ولا يهيننك أحد كما قال بولس الرسول.
يعلم الله أنا ما قصرنا، ولكن على من تقرأ زبورك يا داود؟ ناس مثل الحيطان، إذا لم نسكر دكان بطرس راحت الضيعة، وعلى الشرف والطهارة ألف سلام.
بنات ونسوان، شباب ورجال في دكان بطرس الملعون، يقابلهم بضحكته الشيطانية، يتدحرج بينهم مثل البرميل، كرشه قاعد قدامه كأنه في الشهر التاسع. لعنة الله على هاتيك السحنة الملعونة! المنافق يعمل حاله مثل المهرج ويضحك على ذقون الناس، والناس حمير لا ينقصهم إلا الذنب. كان أفقر واحد في الضيعة فصارت الليرات معه مثل التراب، تعجبك ضحكته عندما يزوي هاتيك العين الحولاء ... الشيطان بذاته.
ناپیژندل شوی مخ