129

اقزام جبابره

أقزام جبابرة

ژانرونه

وظل هذا الفكر يروح ويجيء حتى قلقت في إحدى ليالي كانون وقلق زوجها معها فقالت له: ناوية أن أنذره لمار ساسين، فما رأيك؟ الأحسن أن نمسك الحبل على الطرفين. - الرأي رأيك، اعملي مثلما يلهمك ربك.

وفي الغد فصلت لوسيا لفهدها ثوب راهب، ونذرته للقديس ساسين، وأرخت شعره على أن تقصه في تمام السنة الرابعة يوم عيد القديس ساسين ، وفي مقامه، وتزن ثقل الشعر ذهبا.

وبعد سنتين وبضعة أشهر كانت أم فهد وزوجها في الطريق إلى حاقل، ومعهما خروف يقوده زوجها، وخرج من القمح المدقوق على ظهر الدابة التي تركبها الأم والصبي، وما أطلوا على «حاقل» حتى رأوا الرءوس تموج في ساحة كنيسة القديس ساسين كسنابل الحصاد، موسم يقصده المؤمنون من أماكن بعيده، وفود وفود معها نزور وقرابين، شمع وبخور، زيت ونقود.

وبعد أن زاروا الكنيسة واستراحوا ذبحوا الكبش، وأوقدت النار تحت الهريسة التي نذرتها أم فهد فطورا للمعيدين.

تلك كانت أول مرة شهدت فيها لوسيا عظمة عيد مار ساسين، إنها لم تحضر إلا عيد قريتها، وعيد قريتها ليس من فحول الأعياد؛ لأن القدماء لم يحسنوا اختيار قديس من أصحاب العجائب الكثيرة، والمعجزات الكبيرة. قديسهم وسط؛ ولذلك كان عيده بين بين.

وقفت أم فهد كالمشدوهة تسمع وترى: رقص ودبكة، أغاني عتابا وميجانا، شباب تسامى للعلى وكهول، فتحت سوق عكاظ بين القوالة، واحتدم القول حتى أدى أخيرا إلى «الجفاء» الذي يسميه الشعر الرسمي هجاء، ولولا العقلاء علق الشر.

هوذا ضيعة كبيرة جاءت جرد العصا، فحسب العقال للعاقبة حسابا. كانت أم فهد مكروبة ولا تدري لماذا، أما أبوه فكان يمشي كالراقص، يحيي هذا، ويصافح هذاك، يعرف الكثيرين من الزائرين فهنئوه بالسلامة، ودعاهم إلى أكل الهريسة على سلامة المحروس، فوعدوه خيرا.

وكان الصبي يسأل أمه أسئلة ساذجة فتجيبه وهي كالساهية، ترتاع كلما اشتد الصخب وتتأهب للرجوع ثم تتذكر أنها ناذرة، وغدا موعد قص شعر الصبي ووضع النذر على المذبح.

وتلاحى شباب قريتين فحجز العقال بينهم وصالحوهم، فعادوا إلى مجالسهم يشربون ويأكلون ويسمرون، وانقضت الليلة على سلامة وعافية.

وفي الغد كانت أم فهد في الهيكل راكعة قدام المذبح، فجز الكاهن شعر فهد، ووزنت الأم ثقله ذهبا، وقعدت بين النساء تصلي صلاة الشكر متضرعة إلى مار ساسين حارس ولدها. أما أبوه فكان بين الرجال، يحدث هذا، ويتندر على ذاك، وزوجته تصرف على أسنانها متألمة من استهتاره، تنظر إليه نظرة تبكيت وكأنها تقول له كلما وقعت عينها على عينه: سماع كلام الله يا رجل، احترم صاحب المقام الذي حفظ لك ابنك. بيد أنها كانت تتعزى إذ ترى أكثر المصلين مثله.

ناپیژندل شوی مخ