59

اقوم المسالک

أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك

ژانرونه

ثم في سنة خمس عشرة وخمسمائة وألف انتصر الملك فرنسوا الأول على السويسرة في حرب مرينيان، ثم انكسر في بيكوك سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وألف عند محاربته لجيش إمبراطور ألمانيا شارل الخامس، وكذلك في باويا سنة خمس وعشرين وخمسمائة وألف انتصر عليه وأخذ أسيرا ولم يتيسر للملك المذكورة مدة ملكه إلا المدافعة بقدر الإمكان لقوة الإمبراطور شارل المذكور. وفي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وألف أضاف الملك هنري الثاني إلى المملكة ثلاث عمالات كان كل منها مرءوسا بمطران. وبقرب ذلك العهد نشأت الحروب الأهلية الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت التي بها خربت فرنسا، وفيها هلكت عائلة الوالوي التي كان آخرها الملك هنري الثالث، وذلك من سنة اثنتين وستين وخمسمائة وألف إلى سنة تسع وثمانين وخمسمائة وألف، وبالملك هنري الرابع ابتدئ فرع آخر من العائلة الملكية يسمى بالبربون، وفي أيامه انتهت الحروب الأهلية وذلك من سنة تسع وثمانين وخمسمائة وألف إلى سنة أربع وتسعين وخمسمائة وألف، وبه اندملت جراح فرنسا وتيسرت لها أسباب رفعة الشأن من سنة أربع وتسعين وخمسمائة وألف إلى سنة عشر وستمائة وألف.

وفي دولة لويز الثالث عشر من سنة عشر وستمائة وألف إلى سنة ثلاث وأربعين وستمائة وألف أسس الوزير الكردينال ريشليو الملك الاستبدادي، ومهد طرقه للويز الرابع عشر بعد أن كسر شيعة البروتستانت ومحا آثار تصرفات الأعيان. وهذا الوزير المشار إليه هو الذي رفع أمر فرنسا إلى الأوج في الحروب المسماة بحروب الثلاثين سنة من عام ثمانية عشر وستمائة وألف إلى عام ثمانية وأربعين وستمائة وألف، ونقل إليها الرجحان الذي كان قبل ذلك لدولة النمسة. وبالجملة فقد صارت فرنسا بموجب شروط وستفاليا سنة ثمان وأربعين وستمائة وألف، وشروط بيريني سنة تسع وخمسين وستمائة وألف، أعظم ممالك أوروبا سطوة وطمعت في التسلط عليها في دولة لويز الرابع عشر، فتعصب عليها جميع أهل أوروبا ودافعت عن نفسها ثلاث مرات، وازدادت قوتها في صلح نيم سنة ثمان وسبعين وستمائة وألف. ثم في صلح ريزويك سنة سبع وتسعين وستمائة وألف كان الأمر لا لها ولا عليها، وتأخرت بعد ذلك قليلا في صلح أوترخت سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وألف حين ضعفت من طول الحروب مع إسبانيا الملقبة بحروب وراثة إسبانيا. وفي مدة لويز الخامس عشر من سنة خمس عشرة وسبعمائة وألف إلى سنة أربع وسبعين وسبعمائة وألف حازت فرنسا اللوران والكورسكة، لكن لم يكن لها في ذلك الوقت منهج سياسي تسير عليه؛ أي لم تكن سياستها محصورة يقتدي الخلف فيها بالسلف، فإنها حاربت في فائدة النمسة من سنة ست وخمسين وسبعمائة وألف إلى سنة ثلاث وستين وسبعمائة وألف، وتركت التعرض في انقسام بولونيا من سنة ثمان وستين وسبعمائة وألف إلى سنة أربع وسبعين وسبعمائة وألف، وفوتت الفرصة التي سنحت لها في أخذ الهند من سنة أربعين وسبعمائة وألف إلى سنة ست وخمسين وسبعمائة وألف، وبعد ذلك ضيعت مستعمراتها الخارجية. غير أن أهلها كانوا في ذلك الوقت في مقدمة الأمم بالعلوم والمعارف، وكان لسانهم مستعملا في سائر نواحي أوروبا ومرغوبا في تعلمه.

ثم في مدة لويز السادس عشر انتقمت فرنسا من إنكلترة بإعانة أهل أميركا حرصا على استقلالهم بحكمهم، وذلك من سنة خمس وسبعين وسبعمائة وألف إلى سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة وألف. ثم في سنة تسع وثمانين وسبعمائة وألف وقعت الثورة الفرنساوية التي ساقت الملك لويز السادس عشر إلى مقتله وعوضت الملك بالربوبليك (أي الجمهورية) في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة وألف، وأعطت الأمة الكونستيتوسيون مؤسسا على الحقوق الإنسانية. وقد وضع هذا الانقلاب الفرنساوي مبدأ تاريخ جديد للاجتماع الإنساني، حيث غير حال الناس إلى طور جديد بالانتقال من ربقة العبودية إلى تمام الحرية، كما كانت ثورة إنكلترة مبدأ تاريخ لدولة منظمة.

هذا، وينبغي أن نذكر هنا بعض أسباب هذه الواقعة التي تولدت منها حرية أوروبا، وكيف كان حال الأمة الفرنساوية قبلها، وإلام آلت بعد. فاعلم أن فرنسا لم يكن لها قبل ذلك التاريخ كونستيتوسيون ولا إدارة منظمة، وكانت حالها في السياسة والاقتصاد سيئة جدا بحيث لا يمكن تحملها بوجه، وكانت أرضها منقسمة إلى إيالات بعضها عدو لبعض، والناس متوزعون على طبقات متضادة، وكل الأمور كانت تعتبر جزئياتها لاعتبار شخصيات أفراد الناس، بمعنى أنهم كانوا لا ينظرون في الأمور بما تقتضيه كليات الأحوال، بل يقتصرون على الشخصيات التابعة للأغراض الخصوصية، فمن كانت له حظوة عند الملك أو بعض حاشيته أو حماية ممن لاذ بهم نال بغيته، ومن لا فلا. وكانت الصناعات وقابليات المعارف محجوزة بقيود لا انفكاك لها، والخطط الدينية والمدنية والعسكرية كانت دائما مقصورة على طائفة من الناس، ولم يكن يسوغ للإنسان أن يتعاطى صناعة من الصناعات إلا في حالة مخصوصة وبشروط معتبرة، كدفع المال ونحوه. وبعض المدن كانت لها مزايا خصوصية في التراتيب الداخلية وفي توزيع الأداء ونحوه، وسائر الوظائف كانت مؤبدة تحت يد أفراد من الناس في جميع جهات المملكة، وكان العدد القليل من ذوي الثروة والجاه يقاوم جما غفيرا من الفقراء والمساكين، وثقل الأداء ونحوه كان كله يحمل على طبقة واحدة من الناس وهم الضعفاء منهم، أما الأعيان وأهل الكنيسة فكانوا يملكون ما يقرب من ثلثي أرض فرنسا ولا يؤدون عليه شيئا، والثلث الذي بيد العامة يوظف عليه الأداء للدولة أولا ثم عوائد كثيرة للأعيان ثم العشر للكنيسة، مع ما كانت تتحمله آراضهم من إفساد زروعها من مرور الأعيان بها عند الاصطياد، ومن الصيد نفسه؛ حيث إن الاصطياد كان محجرا على العامة ولو في آراضهم؛ إذ هو من خصائص الأعيان، والأداء على الأقوات إنما كان على العامة، واستخلاص المجابي كان بالقهر من دون أدنى ترتيب، والأعيان إذا امتنعوا من أداء ما يوظف على كسبهم لا يلزمهم بالامتناع شيء بخلاف العامة، فإنهم كانوا يعاملون في أموالهم وأبدانهم معاملة سيئة، فمن لم يعجل بدفع ما يطلب منه فقد عرض ماله للتلف وبدنه للسجن، وما كانوا يرتزقونه بعرق الجبين يدفعونه في مصالح الطبقة العليا من الأعيان، ثم يدافعون عنهم بأنفسهم. وأقل شقاوة من هؤلاء أهل الصناعات، فإنهم لعدم الملك عندهم لا يلزمهم من الأداء ما يلزم غيرهم من أرباب الأملاك، لكنهم لا يحصلون على شيء من المنح التي يستحقونها بتزيينهم للمملكة بنتائج أفكارهم وتحصيلهم لها بذلك ثروة وشهرة بين الممالك.

وكانت الأعيان تتولى الأحكام في بعض إيالات المملكة الراجعة لهم، وأما الإيالات التي لم يكن بينها وبين الخطة الملكية واسطة فكانت الخطط بها تباع وتشترى. وكان فصل الأحكام في الكل بطيئا، وفي الغالب يترجح في الحكم جانب من وفر العطية، وكثيرا ما يتراضى الخصمان على ترك المخاصمة بالمرة أخذا بالأصلح لهما لكثرة المصاريف، وفي نوازل الجنايات كانت العامة تعامل بالغلظة والفظاظة بخلاف غيرهم، حيث كانت رسوم الحرية الشخصية عند حكامهم منهوكة، بحيث لا يراقبون في الإنسان إلا ولا ذمة، ثم المطابع كانت تحت نظر رقباء من جانب الدولة بحيث لا يرخصون لأحد في طبع ما لا يستحسن عندهم. وبالجملة لم يكن للعامة حق عندهم ولا حرمة، كما لم يكن للسلطة الملكية حد تقف عنده ولا نهاية، فأحوال فرنسا في ذلك الوقت كانت مرتبكة بدون تقييد ولا تنظيم، ولم تكن المملكة محمية من الأجانب كما ينبغي، ودخلتها الخيانة بواسطة صاحبات لويز الخامس عشر، وأشرف نظامها على الاختلال من ضعف وزراء لويز السادس عشر، وبعد ذلك ضيعت شرفها بترك إعانة هولاند وبولاند، حيث كانت حليفة لتينك الدولتين ولم تدافع الأجانب عند استيلائهم عليهما. ولمثل هذه الأسباب قامت الأمة الفرنساوية على الدولة ورجالها، وكانت ثورة أبدلت الكيفية القديمة المختلة الإدارة بكيفية منظمة لائقة بالشرف الإنساني، وعوضت الاستبداد بالقوانين القابضة لأيدي الحكام عن تجاوز الحدود والتفضيل بين الناس بالتسوية بينهم في الحقوق، فتسرحت الصناعات مما كان يعوقها وحميت الفلاحة من تسلط الأعيان ومن أداء العشر للكنائس، وكفت عن الأملاك موانع التحبيس واتحدت أحوال المملكة وتصرفاتها، وهذه الثورة كانت علامة للحرية وأيقظت لها جفون سائر الأمم وأنتجت مصالح جمة مظنة للدوام والاستمرار، واستبدلت إفراط القتل الواقع فيها بمنافع لا تحصى.

وقد استقر حكم الدولة الجمهورية بفرنسا في الحادي والعشرين من أشتمبر سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة وألف، واستمر ذلك إلى الثامن عشر من ماية سنة أربع وثمانمائة وألف، ففيها ارتقى نابوليون الأول على تخت السلطنة من وظيفة قنصل أول للربوبليك، وهو الذي طوع أوروبا الغربية لفرنسا مدة سنين، لكنه ضيع خيار عسكره في حروب إسبانيا والروسية سنة اثنتي عشرة وثمانمائة وألف، ثم أزيل عن كرسيه في سنة أربع عشرة وثمانمائة وألف، وحينئذ رجعت عائلة البوربون إلى الملك ورجعت فرنسا إلى حدودها القديمة قبل الثورة، فأعطى الملك لويز الثامن عشر الكونستيتوسيون للأمة وجعل لهم نوابا يناضلون عنهم، وهم أهل القمرة.

وفي سنة خمس عشرة وثمانمائة وألف ظهر نابوليون مرة أخرى لكن بحرب واترلو تعين زوال الإمبراطورية الأولى بالكلية، ورجع لويز الثامن عشر إلى فرنسا ثانيا، ودام الملك في عقب الفرع الأول من عائلة البوربون إلى سنة ثلاثين وثمانمائة وألف، ثم سقط هذا الفرع في أثناء ثورة لعدم ميل قلوبهم للدولة القانونية، وعوض عنه في الملك الفرع الثاني من تلك العائلة وهو عائلة أورليان. وفي الرابع والعشرين من فراير سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف وقعت ثورة على حين غفلة رجعت بها الدولة الجمهورية، ثم في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة وألف رجعت الإمبراطورية وارتقى على تخت السلطنة لويز نابوليون باختيار سبعة ملايين وثمانمائة وأربعة وعشرين ألفا ومائة وتسعة وثمانين من العامة ضد مائتين وثلاثة وخمسين ألفا ومائة وخمسة وأربعين منهم، ولقب نفسه بالثالث؛ لأن نابوليون الأول كان تنازل عن الملك لابنه الصغير الملقب بنابوليون الثاني بعد حرب واترلو وقبله أهل القمرتين إلا أنه لم يتم له أمر كما تقدم. (2) في ذكر أسماء ملوك فرنسا وتاريخ ولايتهم وانتهائها

من سنة

إلى سنة

أسماء الملوك ونسبهم

ناپیژندل شوی مخ