ولم تلحظ وجومه هذه المرة، ولا صمته، كانا قد عبرا منطقة الصخور، وأحست تحت قدميها الرمل الناعم، فسحبت يدها في خفة، ومضت تركض في الماء.
وأصبحا بعيدين عن الشاطئ، وتلفت فلم ير غيره وغيرها، فاقترب منها وقال وهو يمسك بيديها: أحبك يا فاطمة!
وغمر وجهها الاحمرار وهي تجيبه: إني سعيدة بهذا الحب. - ألا تقولين إنك تحبينني؟ - ألا تصدق غير لساني؟ - أصدق كل شيء تقولينه، وأثق بك، وأحبك.
ومضى الوقت سريعا، مضى لقاء البحر، ومضى اليوم، ومضى أسبوع المصيف؛ ذلك الأسبوع الذي انتزعته انتزاعا من أسلوب حياتها المرير المعتم، إنها وحدها تعلم كم تكلفت في سبيل ذلك من عناء، لقد حرمت أمها المصيف منذ توفي أبوها، وأخذتها وأخاها بأسلوب صارم من الحياة الجادة، منذ توفي أبوهما أصبحا في نظرها كما كانت هي في نظره، جنديا عليه الطاعة والعمل، وله الطعام واللباس، كانت فاطمة في الثالثة عشرة، وكان أخوها في الخامسة عشرة، فلم يدركا أول الأمر سر تلك المعاملة الجادة، لكن عندما التحق أخوها بكلية الهندسة، ونالت هي شهادة البكالوريا، بدت لهما الحقيقة واضحة، إن أمهما لم تقتر حبا في التقتير، ولم تقس عن طبع قاس، لقد كانت تدرك أن معاش زوجها سوف يتناقص عندما يبلغ ابنها سن الرشد، وأن عليها أن تنشئهما قبل أن تقاسمها الدولة جنيهات هذا المعاش، إنهما أدركا الحقيقة في الوقت المناسب، فلم يتوان أخوها أو يتكاسل، ولم تهمل هي أو تقصر، حتى حين تعرفت بسيد في كلية الطب وأحبته، كانت تدرك أن عليها واجبا قبل الحب، يجب أن تتم دراستها لتملأ هي وأخوها ما خلف أبوها من فراغ في حياة أمها، ولقد أدت واجبها إلى اليوم، واحتفظت بحبها أيضا، ذلك هو العام الثالث منذ عرفت سيد، لقد تمنى عليها أن تقضي أياما بالإسكندرية، فلبت ما طلب، وحلت ضيفا على خالتها، ضيفا لمدة أسبوع، نعمت خلاله بأوقات سعيدة على شاطئ البحر وفي رفقة سيد، ثم عادت بعد ذلك إلى القاهرة لتواجه حملة عنيفة تشنها الأسرة عليها، ولكأنه اجتماع مدبر؛ عمها وزوجته وابنتاه، وعمتها وزوجها.
كل هؤلاء قد جاءوا، لا ليمدوا العون للأم المجاهدة التي تفعل ما يفعله الأب والأم معا، ولا ليبذلوا التشجيع للفتى المجد الناجح وللفتاة التي لم ترسب عاما واحدا.
إن الأسرة لم تجتمع لشيء من هذا، جاءت كلها لتصب اللوم على الأم التي تطلق لابنتها العنان، وتدعها تذهب إلى الإسكندرية لتقابل الشبان وتغازلهم، وتسهر الليالي معهم، وتزكم سمعتها الأنوف.
تلك هي ترجمة لقاء العاشقين، وسير ساعة الغروب في قاموس الحقد والحسد!
إن العم بولديه الفاشلين اللذين انقطعا عن التعليم، والعمة بولدها الذي يرسب منذ أعوام في الكفاءة، لا يرضيهما أن تسير ابنة أخيهما هذا السير المعوج، وقد جاءا يطلبان من الأم أن تلزم ابنتها جدران المنزل، وتقذف بالسنوات الأربع التي قضتها في كلية الطب من النافذة!
ويثور الأخ الساذج، ويطلب من شقيقته تفسيرا، وتثور الأم المجروحة، وتطلب من ابنتها أن تدافع عن نفسها.
وتضيق المسالك في وجه فاطمة.
ناپیژندل شوی مخ