وبدت كأنما تستعيد الماضي، وعلت شفتيها ابتسامة يخالطها الأسى، وقالت: مسكين! لقد ذكرت الآن، تعرف؟ لقد كان سيء الحظ صاحبك هذا، لو كانت رسالته وقعت في يدي لما حدث شيء من ذلك، لكن ما ذنبي أنا؟! تصور موقفي لو قلت لهم إنني أعرفه؟!
قلت: وماذا كنت فاعلة لو أنك تسلمت رسالته ؟ - لا شيء طبعا، إن لدي سلة مهملات واسعة لمثل هذه الرسائل ... إن الخطأ الذي تقع فيه فتاة هو أن تستعمل قلبها لحفظ رسائل الحب بدلا من إلقائها في سلة المهملات.
قسوة مني؟! ما ذنبي؟! إنه حب من طرف واحد، كيف أتقيد به أنا؟!
وقلت وأنا أتنهد: صحيح، لا تتقيدي به ولا بغيره، لقد كانوا كثيرين، هؤلاء المغرمين!
وفهمت ما أعنيه، فقالت على الفور: أنت مثلا، كنت واحدا منهم، لكنك تصرفت بعقل؛ فلم تزد على النظرات الذليلة المستعطفة والكرفتات الزاهية، التي كانت تتدلى على صدرك وكأنها تصيح لفرط احمرارها قائلة: «أنا هنا»، فلما أهملتك اختصرت الطريق، وحولت نظراتك صوب «...»
وقاطعتها مستدركا: صوب سنية؟ أتعرفين أين هي الآن؟! - سمعت أنها تزوجت. - إنها في منزلي ... أم، ولها ولدان! - ولهذا خلعت كرفتاتك الزاهية ... لا داعي طبعا للفت الأنظار.
هل تعرف أنني أيضا تزوجت ... و... وطلقت زوجي بعد شهرين؟ - طلقته؟! - أي نعم، بعد شهرين كدت أختنق فيهما ... - كان رديئا إلى هذا الحد؟! - أنا التي كنت رديئة؛ لم أعرف كيف أعامله ... - قاسية كعادتك؟! - بالعكس، ضعيفة للمرة الأولى، والأخيرة.
ومضت تقص علي قصتها ... إنها تزوجته لأنها اعتقدت أنها تحبه وأنه يحبها. كان رقيقا معها قبل الزواج، لا يفعل شيئا دون أن يستشيرها، بل لا يفكر بالمرة في عمل أي شيء. كانا يخرجان للنزهة ويسيران صامتين، لو سارا ساعات ما كان يفتح فمه بكلمة ولا اقتراح. كان يفرض عليها دائما أن تسود الموقف، وأن تتصرف ... هي التي تسأل إلى أين يذهبان، وهي التي تجيب، وهي التي تنادي السيارة، وهي تقترح اسم السينما، وعندما تزوجا اكتشفت الرجل بكل معايبه، قاس ومستبد ومتغطرس ... كل صفاته الأولى انقلبت إلى نقيضها؛ بدلا من الاستماع لها أصبح يرغمها على أن تنصت له، بدلا من أن تلقي أوامرها، أصبح هو الذي صدر الأوامر، بل أصبح لا يطيق أن تقترح شيئا ... قالت إنهما خلال الشهر الثالث لم يتفقا على شيء، إلا الطلاق، وقد تم!
وقلت لها بعد أن أتمت حديثها: لكن، ألا يجوز أنه على صواب؟ إنه أوسع منك تجربة ودراية.
وأجابت غاضبة: ولم يكون أوسع تجربة؟ هل تعلم أكثر مما تعلمت؟ - لا، ولكنه رجل. - آه، عدنا للأفكار السخيفة، أتعرف أننا لن نتقدم حتى لا يعود هناك فارق بين الرجل والمرأة؟ - أكثر مما ترين الآن ... - بل أكثر مما تتصور. لقد كان كل الخلاف بيني وبين زوجي أنه كان يريد أن يغلب إرادته دائما.
ناپیژندل شوی مخ