[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
إلهنا هب لنا من عطائك ما يكون سببا لرضاك، وافتح لنا من نفحات جودك ما يوصلنا الى خشيتك وتقواك، واجعلنا ممن حفظه علمك المحيط عما يزيل قلوبنا عن هواك. وصل اللهم على أكرم أصفيائك وأحب أحبائك، وأقرب الخلق لديك من أهل أرضك وسمائك، محمد المخصوص بمحامد ومواهب عطائك، وآله الذين شرفتهم على الكل وأخدمتهم سائر الأملاك (1)، صلاة دائمة بدوام بقاك مقربة الى هداك، واجعلنا اللهم بهم من المزلفين إليك يوم نلقاك.
وبعد، فان اتباع الطاعة بالطاعة دليل على قبول الطاعة، كما جاء في الحديث (2) البالغ حد الإشاعة، فكان ذلك من المواهب السنية، والعطايا الإلهية، والمنح
مخ ۳۳
الربانية، والنفحات القدسية.
ولما وفق الله الكريم بلطفه العميم لإتمام كتاب (غوالي اللآلي الحديثة على مذهب الإمامية) أحببت أن اتبعه برسالة في الأحكام الفقهية والوظائف الدينية جامعة بين الفروع ومآخذها، حاوية لمسائلها دلائلها، معلمة للطالب الراغب بكيفية الاستخراج، ومعرفة له بطريقة الاستنتاج على سبيل الإيجاز والاختصار، خالية عن الإسهاب والإكثار سميتها ب(الأقطاب الفقهية على مذهب الإمامية) ومن الله اسأل التوفيق والسداد، والإرشاد إلى المراد، والأمداد بالاسعاد، انه على ما يشاء قدير.
[1] قطب [في تعريف الفقه وموضوعه ومسائله]
الفقه: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية.
وموضوعه: أفعال المكلفين من حيث الاقتضاء أو التخيير.
ومسائله: مطالبه المثبتة فيه.
ومبادؤه التصورية: معرفة موضوعه، واقسامه وأقسام الأحكام ومتعلقاتها.
والتصديقية: الكتاب، والسنة، والإجماع، وأدلة العقل.
وقد يطلق على علم طريق الآخرة بتحصيل ملكة الإحاطة بدقائق الكون، ودقائق آفات النفس، الموجب لاستيلاء الخوف، المستلزم للاعراض عن الفانيات والإقبال على ما يبقى.
ومجموعه لمصالح العباد، اما لجلب نفع أو دفع ضرر، أما دنيوي أو أخروي.
فالاخروي العبادات، والدنيوي ان لم يفتقر إلى عبارة فأحكام، فإن افتقر: فاما
مخ ۳۴
من طرفين فعقود، أو من طرف فإيقاع. وكلها لحفظ مقاصد خمس: الدين، والنفس، والمال، والنسب، والعقل.
فالأول بالعبادات.
والثاني بالقصاص.
والثالث بالعقود والتمليكات.
والرابع بالنكاح.
والخامس بتحريم المحرمات وحفظها بالحدود والتعزيرات. وحفظ الكل بالقضاء والشهادات. وقد يجتمع الغرضان والثلاثة في واحد. وكل منها اما مقصود بذاته، أو بالتبع، والأول المقاصد، والثاني الوسائل.
والحكم: خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، وينقسم إلى: تكليفي، ووضعي، وليس بينهما منع الجمع، فالأول كالتطوعات، والثاني كالإحداث، والثالث كالصلاة.
ومداركها: الكتاب نصه وظاهره، والسنة نبويها واماميها، متواترها وآحادها على الأقوى. وهي قول وفعل، اما ابتداء أو بيان وتقرير. فالنبوي حجة قطعا، والإمامي محتمل، والإجماع المستحيل خطاؤه بدخول معصوم، والعقل ضرورة واستدلالا مستقلا وغير مستقل، كمفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة على قول.
ومنصوص العلة عند قوم، واتحاد الطريق.
والاستصحاب: هو البناء على الأصل، وقد يعبر عنه بأن اليقين لا يرفع بالشك، ودفع المشقة لطلب اليسير، وتحكيم العادة والصرف مع عدم نص شرعي أو لغوي، ونفي الضرر والحرج.
مخ ۳۵
[2] قطب [تقسيمات الواجب]
الواجب: ما يذم تاركه لا الى بدل، وقد يطلق على ما لا بد منه وان لم يتعقبه ذم، وينقسم إلى:
عيني: تعلق غرض الشارع بإيقاعه من كل واحد.
وكفائي: وهو ما لم يتعلق غرض الشارع بإيقاعه من مباشر معين.
ومضيق: وهو ما لا يفضل وقته عنه، أو ما لا يسوغ تأخيره عنه.
وموسع: وهو ما قابله.
ومعين: وهو ما لا يقوم غيره مقامه.
ومخير: وهو ما قابله.
والمعين شرع لحكمة تكرره، والكفائي لإبرازه في الوجود ولشبه النفل من حيث سقوطه عن البعض، وقد يسقط به فرض العين، والشروع فيه ملزم لإتمامه.
ومن تلك الجهة جاز الاستئجار عليه في مواضع، بل قد تجوز الأجرة على العيني.
وينقسم الواجب إلى:
كلي على الإطلاق كالمخير.
والى كلي يقال فيه كالموسع وبه كالسبب والإله.
وعليه كالكفاية.
وعنده كالحول في الزكاة.
ومنه كالمخرج منه.
وعنه كالمعول في الفطرة.
مخ ۳۶
ومثله كالمضمون بالمثل والصيد.
واليه كالليل في الصوم.
والمخير يتعلق بالقدر المشترك وهو مفهوم أحدها، وهو يتعلق التخير بالنهي؟
الأقرب المنع. وقد يتعلق بالواجب والندب، وبما يخاف سوء عاقبته، وبين ما لا خوف فيه، ولا يقع بين المباح والحرام.
ومن الواجب فوري يجب فعله في أول أوقات الإمكان ، وغير فوري وهو ما قابله، ومجرد الأمر لا يقتضي الفورية على الأقوى.
[3] قطب السنة والندب والتطوع والمستحب والنفل والفضل والإحسان ألفاظ مترادفة،
الا أن السنة قد تطلق على الواجب في مواضع.
والوضع ينقسم الى: سبب، وشرط، ومانع.
فالسبب: هو الوصف الظاهر المنضبط الذي دل دليل على كونه معرفا لحكم شرعي، بحيث يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم. وقد يتخلف الحكم عنه لمانع أو فوات شرط. وأما وجود الحكم بدونه فمحال.
والشرط: ما يتوقف عليه التأثير، بحيث يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود.
والمانع: ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه الوجود ولا العدم لذاته.
ثم السبب اما معنوي: وهو الوصف المستلزم لحكمة باعثة على شرعية الحكم كالزنا للحد، والملك للانتفاع، واليد والمباشرة والإتلاف للضمان. وطريقة
مخ ۳۷
السببية اما العقل أو الشرع.
أو وقتي كأوقات العبادات من الصلاة والصوم والزكاة والحج.
والعلة لا بد فيها من المناسبة للحكم، سواء كانت باعثة أو معرفة. والسبب أعم، لأنه قد لا نظهر فيه المناسبة.
فالأول: كالنجاسة في وجوب الغسل، وكالزنا في الحد، والقتل للقصاص، والكبيرة في الفسق.
والثاني: كالدلوك للصلاة وسائر أوقات العبادات، والحدث للوضوء والغسل والعدة مع عدم الدخول، والهرولة للسعي ورمي الجمرات، وتقديم الأضعف على الأقوى في ميراث الغرقى على الأقوى.
وقد يكون السبب فعليا كالصيد والالتقاط والوطء للمهر، وقوليا كالعقود والإيقاعات. وقد يتقارب السبب والمسبب زمانا كموجبات الحدود، وقتل الكافر في سلبه في الأصح مطلقا أو مع الشرط. والملك للاصطياد والحيازة والأخذ من المعدن والاحتطاب والاحتشاش والأحياء. وهل يتوقف على النية؟ الأقوى نعم.
وقد يتقدم المسبب كغسل الجمعة يوم الخميس، وغسل الإحرام على الميقات، أما تقدمه عليه لناذره قبله فليس منه، لأن السبب هو النذر. وزكاة الفطرة على هلال العيد على القول بجواز التقديم، الا ان يكون السبب هو الشهر، والزكاة على الحول على قول، وارث الدية مع أن وجوبها بعد الموت.
وأما صيغ العقود والإيقاعات فهل يقارن الحكم فيهما آخر جزء للفظ، أو يقع عقيبه ؟ احتمالان.
وقد يتحد السبب والمسبب كالقذف للحد، والكبيرة لازالة العدالة.
وقد يتعدد السبب ويتحد المسبب كموجبات الوضوء المتعددة في إيجاب واحد ان نوى المطلق إجماعا، أو نوى واحدا منها على الأصح.
مخ ۳۸
وهل أسباب الغسل كذلك؟ الأقرب نعم، الا أن فيه رفع الجنابة إذا جامعها غيرها رافع لما عداها، دون العكس على الأقوى.
أما أسباب الأغسال المندوبة إذا انضم إليها واجب ففي دخولها تحته احتمالان، أقربهما العدم. وكذا لا تداخل بينهما لو انفردت على الأصح.
وهل موجبات الإفطار في يوم واحد كذلك؟ الأقوى نعم.
أما مرات وطء الشبهة بالنسبة إلى وجوب مهر واحد فإنها متداخلة قطعا ان اتحدت الشبهة، فإن تعددت فالأقوى عدم التداخل. ووطء المكرهة على الأصل ومرات الزنا لإيجاب حد واحد، وأسباب السرقة في قطع واحد إذا لم يظفر به على الأقوى. وأسباب القذف للواحد وأسباب المحاربة توجب الواحد قطعا.
وكذا الشرب وان تغاير المشروب. وهل تداخل أسباب التعزير؟ الأقوى نعم.
وقد يتعدد السبب ويختلف الحكم، فقد يندرج أحدهما في الآخر، كداخل المسجد إذا صلى فريضة أو راتبة فإنها تجزئ عن التحية على قول.
أما الوضوء المستحب ففي إجزائه عن الواجب اشكال، أقربه ذلك ان نوى رفع الحدث به مع إمكانه. اما ما لا يمكن فيه رفعه فلا يجزي عنه قطعا، اما في صورة العكس فلا إشكال في اجزائه.
وأسباب الحج لا تتداخل، فلا تتأدى حجة الإسلام بنية النذر على الأصح، ولا العكس قطعا. وفي اجزاء تكبيرة الإحرام عنه، وعن تكبيرة الركوع للمأموم قول للشيخ (1).
أما ما لا يمكن فيه الجمع، كالواحد إذا قتل جماعة دفعة أو على التعاقب، فان فيه خلافا للأصحاب.
وقد يصح اعمال السببين كعم هو خال في الإرث بهما، وكابن عم هو زوج.
مخ ۳۹
وقد تتباين الأسباب فيقدم الأضعف بالأقوى، كأخ هو ابن عم في الإرث بالأخوة خاصة. وقد يتساقط إذا تعارضت، كالحكم بتساقط البينتين عند التعارض على القول به، ولا كذلك الدعاوي.
وقد يتحد السبب دون مسببه ويندرج بعضها في بعض، كاللمس للتعزير المندرج تحت الزنا الموجب للجلد، وكضمان سراية الطرف المندرج في ضمان النفس في باب الدية. وهل القصاص كذلك؟ أقوال.
وقد لا يندرج كالحيض وأخويه في إيجاب الغسل والوضوء، والقتل في إيجاب الفسق، والكفارة والدية والقود وغصب الأموال وكذا إتلافها عدوانا الموجب للضمان والفسق والتعزير، والحدث الأصغر في تحريم الصلاة والطواف ومس المصحف على القول المشهور. والحدث الأكبر لذلك، ولقراءة العزيمة، واللبث في المساجد، والجواز في المسجدين. والصوم والحيض والنفاس لذلك، ولتحريم الوطء والطلاق.
والفرق بين اجزاء السبب واجتماع الأسباب: أن الحكم ان ترتب على كل واحد منها فهي أسباب مجتمعة، وان ترتب على الجميع فهي الأجزاء، وتسمى الأسباب المركبة.
والسبب الفعلي قد يكون منصوبا ابتداء، فلا يحتاج إلى القرينة كما مر، وقد يحتاج إليها، اما حالية أو مقالية. فالأول كتقديم الطعام للضيف، والثاني كإذن الصبي في فتح الباب لدخول الدار.
والفعل قد يكون قلبيا كالنيات لترتب أحكامها عليها.
مخ ۴۰
[4] قطب الوقت نفسه قد يكون سببا،
كوقت الصلاة مع كونه ظرفا للأداء، ولا تختص السببية بأوله، بل كل جزء منه سبب وظرف، أما تجدد الأيام لإيجاب الصيام فالسبب أول النهار، وليس كل جزء منه سبب، ولهذا لم يجب الصوم على من بلغ أو أسلم في أثناء النهار. ولا كذلك المريض والمسافر، لتحقق السبب فيهما، والمانع منع الحكم دونه فزواله ظهور أثر السبب.
والوقت قد يفضل عن المظروف كالصلاة، وقد لا يفضل كالصوم ووقوف عرفة والمشعر. وقد يعرى عن السببية. ولا يصح عراؤه عن الظرفية كالسنة في قضاء رمضان فإنها ظرف لا سبب، فان السبب هو الفوات، وجميع العمر ظرف للواجبات الموسعة مع أن أسبابها مغايرة له.
وكذا أوقات العدد، وهلال شوال سبب للزكاة، والليلة ونصف يومها ظرف لأدائها. ومتى علق الحكم على سبب متوقع، يختلف الحكم بسبب زمان التعليق وزمان الوقوع، ففي اعتبار أيهما وجهان. ومن ثم اختلف في أن المعتبر بالوصية حالها أو حال الموت، والأقوى الثاني.
ومتى شك في السبب بنى على الأصل، فإن كان هو التحريم وشك في سبب الحل، كما لو تردى الصيد فوجد ميتا، بنى على الحرمة. ومنه الجلد المطروح واللحم، الا مع قرينة صارفة فيهما. وان كان هو الحل وشك في سبب الحرمة، كالطائر المقصوص، والظبي المقرط، بنى على الأصل، إلا مع قوة الامارة كالمثال، فان الظاهر التحريم لقوة السبب.
ولو غلب الظن بتأثير السبب غلب الحرمة، الا أن يبعد فيصير وهما كتوهم
مخ ۴۱
حرمة ما في يد الغير. ولو تساوى الاحتمالان فالأقرب الحكم بالحل، لكن الاجتناب أحوط، إلا في المحصور فيعين.
ولو ندر الحلال في بلدة وعم الحرام تحتم الاجتناب مع المكنة، ومع عدمها يتناول ما تدعو الضرورة إليه لا أزيد.
وقد يصير الشك نفسه سببا في الحكم، كالشك بين التذكية والموت، وبين الأخت والأجنبية، فإنه يكون سببا في التحريم فيهما. وقد لا يكون سببا، كمن شك هل طلق امرأته أم لا. أما لو شك هل زكى ماله أم لا، وهل صلى أم لا، وجب الإتيان به.
وأما الشرط فلا يشتمل على مناسبة ويلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود. وقد يكون لغويا كتعليق الظهار على الدخول، وعرفيا كالسلم لصعود السطح، وشرعيا كالطهارة للصلاة، وعقليا كالحياة للعلم.
وكل معلق على شرط فإنه لا بد فيه من تقديم المعلق عليه، كالظهار على الدخول، فيتوقف وقوعه على وقوع الدخول. وإذا تعددت الشروط وعلق بعضها على بعض يلزم أن يكون اللاحق شرطا في السابق فيقدم عليه. واللغوية أسباب، فيلزم من وجودها الوجود، دون العقلية والشرعية والعرفية، لكنها ملازمة في العدم، ويلزم الاولى التقدم، وهل البواقي كذلك؟ الظاهر المساواة، إذا شأن الشرط ذلك.
ومن التكليف ما لا يقبل التعليق كالإيمان، ومنه ما يقبله كالعتق. وقد يقبل الشرط دون التعليق كالبيع، والصلح، والإجارة، والرهن، وسائر العقود. وقد ينعكس كالصوم والصلاة وسائر العبادات، الا الاعتكاف فإنه يقبلهما.
وأما المانع فهو مانع السبب: وهو كل وصف وجودي ظاهر منضبط يستلزم حكمة يقتضي نقيض حكم السبب مع بقائها، أو مانع الحكم. وهو كل وصف
مخ ۴۲
وجودي يخل وجوده بحكمة السبب.
وهو اما مانع في الابتداء والاستدامة كالرضاع، أو مانع الابتداء خاصة كالعدة.
ومانع الحكم ليس كمانع السبب، لأن مانع الحكم السببية حاصلة معه في نفس الأمر، فمتى زال أثر السبب. وأما مانع السبب فإنه يرفع التأثير، ويتفرع على ذلك فروع كثيرة.
[5] قطب متعلق الحكم مقصدان: نفس المصلحة أو المفسدة في نفسه، ووسيلة هي الطريق المفضي إلى أحدهما،
وحكمها حكمه في الأحكام الخمسة، ويتفاوت في الفضيلة بحسب تفاوت المقاصد فيها.
ومنها ما منع منه إجماعا كحفر الآبار في الطرق، وطرح المعاثير فيها، وإلقاء السم في المياه، وسبب المستحق إذا كان سببا لما لا يستحق منه، وبيع العنب للخمر، والخشب للصنم، وكل معين على محرم.
ومنها ما لم يمنع منه إجماعا كغرس العنب، وعمل السلاح وان خشي منهما ما يؤدي الى المحرم.
ومنها ما اختلف فيه كبيع العنب على عامل الخمر، وبيع الخشب على صانع (1) الصنم، والبيع بشرط الإقراض أو تأجيل الحال، وبيع الغلام ليخبر بالزائد، وشراء المبيع نسيئة عند حلول الأجل بنقيصة.
مخ ۴۳
ويضمن الصناع ما في أيديهم. ومنع القضاء بالعلم، وكل ما هو وسيلة إلى شيء متى عدم عدمت الوسيلة.
وربما توسل بالمباح الى المحرم كالطعماوات (1) للظلمة. وقد تحرم بتحريم المتوسل اليه كالقصر للعاصي بسفره، أما المعاصي المقارنة لأسباب الرخص فلا تحرمها إجماعا، لأن العصيان مقارن لا سبب. وقد تفيد ملك العين كعقود المعاوضات، وقد تخلو عن العوض كعقود العطايا، وقد تخلو عنهما كالمواريث، والملك لمنفعة بعقد معاوضة كالإجارة وبغيرها كالعمرى، وبغير عقد كإرث المنفعة.
وأسباب التسلط على ملك الغير: اما قهرا كالشفعة، والمقاصة للمماطل، والرجوع في العين للمفلس، وبيع الحاكم على الغريم الممتنع، والفسخ بالخيار على الأصح.
وقد لا يكون قهرا، أو يكون لمصلحة المتصرف كالعارية، ولمصلحة المالك كالوكالة والوصاية والوديعة، أو للمصلحتين كالشركة والقراض.
وأسباب الحجر توجب عكس ذلك، لاقتضائها منع تسلط المالك مع بقاء الملك.
وقد تكون الوسيلة لحفظ المقاصد الخمسة، فالقصاص لحفظ النفس، والجهاد لحفظ الدين، وتحريم الزنا لحفظ النسب، وتحريم الغصب لحفظ المال، وتحريم المسكر لحفظ العقل، وقد تقوى لجلب المصلحة كالقضاء.
مخ ۴۴
[6] قطب البناء على الأصل متعين،
فيبني عليه في نفي التشريع حتى يقوم الدليل وهو البراءة الأصلية، ويبتني على عموم العام حتى يرد المخصص، وعلى حكم المنصوص حتى يرد الناسخ، بل كل حكم يثبت شرعا بوجود سببه حتى يحصل الرافع.
وهل يتوقف على البحث عن المخصص والناسخ؟ الأقوى ذلك. وكذا حكم الإجماع حتى يقوم ما يخرج عنه من الدلالة، كالمتيمم إذا شرع في الصلاة ثم وجد الماء لا ينقضها، للإجماع السابق على صحة الصلاة قبله، فيبني عليه حتى يقوم دليل يخرجه عنه، وله نظائر.
وقد يتعارض الأصلان، كأصالة بقاء العبد الغائب في صحة عتقه عن الكفارة ووجوب فطرته مع الشك فيه، وأصالة شغل الذمة في الأول وفراغها في الثاني حتى يتحقق المزيل في الأول والمثبت في الثاني، ففي ترجيح أيهما احتمالان، ونظائره كثيرة.
وقد يتعارض الأصل والظاهر، كغسالة الحمام وثياب مدمن الخمر وطين الطريق، وله فروع كثيرة. وفي ترجيح أيهما وجهان، أقربهما مراعاة القوة والضعف في أيهما، الا أنه خص بالإجماع على ترجيح الأصل في دعوى البيع أو الشراء أو الدين أو الغصب من البالغ غاية العدالة والورع إذا لم يكن مخصوصا وان كان المدعى عليه معلوما بالتغلب والظلم، والترجيح الظاهر إجماعا في باب الشهادات مع العدالة بظاهر صدقها مع أصالة براءة ذمة المشهود عليه.
مخ ۴۵
ويكتفي بالنية في تقييده المطلق، وتخصيص العام، وتعيين المعين، وارادة بعض معاني المشترك، وأراه المجاز الصارف عن الحقيقة.
أما العقود والإيقاعات فلا تكفي النية فيها بدون الألفاظ.
ونية الخاص من العام لا تخصصه على الأقوى، فلو حلف لاكلمت إنسانا ونوى زيدا عمه وغيره، الا أن العموم بالقصد الأول والخصوص بالقصد الثاني، الا أن ينوي إخراج من عداه.
[7] قطب كون المشقة سببا في اليسر جاءت له الرخص الشرعية كلها كالتقية،
وشرع التيمم عند الخوف.
وقد تعم الرخصة كالقعود في النافلة، واباحة الحرام عند المخمصة. وقد تخص كرخص السفر والمرض، وقد تقترن بالفدية كإباحة محظورات الإحرام مع الفدية.
ويكون مع عدم البدل كقصر الصلاة، ومع البدل كقصر الصوم وأكل مال الغير مع خوف الهلاك.
وقد يجب كتناول الحرام عند خوف العطب، والخمر لإساغة اللقمة بشرطه.
وقد يستحب كنظر المخطوبة.
وقد يباح كالقصر في مواضع التخيير، والإبراد في الظهر على الأصح.
والمشقة الموجبة لليسر هي التي تنفك العبادة عنها غالبا كما مر، أما ما لا تنفك
مخ ۴۶
عنها كالصوم في شدة الحر، والوضوء والغسل في السبرات (1) وان اشتد البرد مع انتفاء الضرر، لابتناء التكليف على المشقة.
وكذا ما كان منه على وجه العقوبة كالحدود، وليست مضبوطة بالعجز الكلي بل بالضيق والحرج. ولهذا أبيح الفطر في السفر ولا كثير مشقة فيه ولا عجز (2).
والتخفيف واقع في العقود- كالعبادات- (3) كبيع الجذاذ يابسة، وبيع الرمان والبطيخ وما يؤدي اختباره الى فساده بدونه. وبيع الأعيان الغائبة بوصفها، وبيع الصبرة برؤية ظاهرها.
ولم يقع التخفيف في بيع الملاقيح والمضامين، وما يشتمل على الضرر، وغير المقدور على تسليمه.
وشرعية خيار المجلس من بابه، وكذا خيار الحيوان وخيار الشرط. وشرعية المزارعة والمساقاة والإجارة، وفروعه كثيرة، وتجويز الاجتهاد في الأحكام من بابه، والاكتفاء بالظن للحاكم في تعديل الشهود.
وقد تقام الحاجة مقام الضرورة في التيسير، كنظر الأجنبية للمعاملة، والطبيب للمعالجة، ونظر الختان للعورة ولمسها، ونظرها لتحمل الشهادة في الزنا والولادة، ونظر الثدي لشهادة الرضاع وأمثاله.
[8] قطب نفي الضرر سبب لشرعية الحكم، كصلح الكفار عند العجز عن المقاومة،
مخ ۴۷
وشرعية الشفعة والتغليظ على الغاصب، وقطع يد السارق في ربع دينار مع أن ثمنها خمسمائة.
وإذا تقابل كلمة واحدة وجب ارتكاب أخفهما، كالإكراه على غصب الأموال أو إتلاف نفسه، وكالإكراه على قتل الغير والا قتله، ففي الأول ترجيح الغصب، وفي الثاني ترجيح قتله.
وقد يقع التخيير إذا تساويا، كأخذ أحد مالي رجلين، إلا في الأجنبي فيقدم الأجنبي. أما إلقاء بعض ركبان السفينة عند هيجان البحر فلا تخيير فيه قطعا، أما المال والحيوان فيلقى إجماعا.
وإذا تقابلت المصلحة والمفسدة، فإن كانت أغلب رجحت كاستيفاء الحدود، وان غلبت المصلحة رجحت كالصلاة مع النجاسة، وفي الدار المغصوبة. ومتى ترتب على العقد مفسدة ترتبا قريبا منع منه، كبيع المصحف والمسلم من الكافر وله نظائر.
وحكم العادة عمل به كثيرا، إذ عادة الشرع رد الناس فيما لم يرد فيه نص الى عرفهم وعاداتهم، كالمكيال والميزان والعدد.
ورجحت العادة على التمييز في قول قوي، وفي كثرة الأفعال المبطلة للصلاة وتباعد المأموم، وعلو الامام، وكيفية القبض، ومعنى الحرز، وفتح الباب، وقبول الهدية وان كان المخبر صبيا أو فاسقا.
والاستحمام، وجواز الصلاة لشاهد الحال، واستعمال الأنهار والآبار والعيون المملوكة في الشرب والاستعمال، واباحة المتساقط من الزرع والثمار بعد الاعراض، وعطية الأعلى للأدنى في عدم وجود العوض، دون العكس.
وظروف الهدايا، ورد الرقاع في المراسلات، ومهر المثل، وإبقاء الثمرة على الشجرة إلى أوان أخذها، وسقي الدابة المستودعة في غير المنزل، واستعمال
مخ ۴۸
العارية، وإحراز الودائع، واجرة المثل فيمن أمر غيره بعمل له اجرة، وخياطة الرقيع والكرباس، وأكل الضيفان وأمثالها. والاعتبار بعادة خفاء نساء أهل القرى، أما عطلة المدارس في أوقات العادة ففيه اشكال.
ولا فرق بين القولية منها والفعلية، وأدلة شرع الأحكام غير أدلة وقوعها. وأدلة تصرف الحكام محصورة في العلم والشهادة واخبار المخبر عن نفسه، واستمرار اليد في الملك المطلق، واستقرار الاستطراق عاما، ويمين المنكر، واليمين المردودة، والنكول على قول، ووصف اللفظ والاستفاضة.
وتتغير الأحكام بتغير العادات كالنقود، والأوزان، والنفقات، والأوقات، وتقدير العواري، وتقديم المهر وتأخيره على الأصح، وتقديم شيء قبله. أما الشبر والذراع في الكر والمسافة فإنه معتبر بما تقدم ان اختلف على الظاهر.
[9] قطب اللفظ اما دال على الكلي أو على الكل، فاما في الثبوت أو النفي.
فالكلي في الثبوت يكتفي بجزئي منه، وفي النفي لا بد من جميع الجزئيات. والكل في الثبوت يكتفي جزء منه، وفي النفي لا بد من الجميع.
والإقرار بصيغة الجمع يحمل على أقل مراتبه، بخلاف الأمر بالمعرفة.
ويحمل اللفظ على الحقيقة، وهي لغوية وعرفية وشرعية، وكذا المجاز ولا مجاز في الحروف والأسماء جاء فيهما كالماهيات الجعلية وهي حقائق شرعية.
واسم الفاعل معتبر في الطلاق، فلا يجزي غيره على الأصح. وهل يجزي في البيع والصلح والإجارة والنكاح؟ الظاهر لا، وأما في الضمان والوديعة
مخ ۴۹
والعارية والرهن فالظاهر نعم. واسم المفعول كذلك، بل وفي العتق. واسم المصدر في الوديعة والعارية والرهن والوصية كاف.
والماضي من الأفعال نقل في العقود إلى الإنشاء، وكذا في الإيقاعات والاقالات، الا اللعان والشهادة فإنهما بصيغة المستقبل.
وهل يجزي في البيع والنكاح؟ الأصح لا.
وكذا الطلاق والخلع، أما اليمين فيجزئ فيها الماضي والمستقبل. وصيغة الأمر تجري في الوديعة والعارية وسائر العقود الجائزة، إلا في النكاح على الأقوى.
وهل تجري في المزارعة والمساقاة وبذل الخلع؟ قيل: نعم.
ولا يستعمل الصريح في غير بابه بدون القرينة، فيحمل على ما وضع له مع عدمها، كالسلف في البيع. واختلف في إرادة الحوالة من الوكالة، وبالعكس.
فالبيع بلفظه بلا بثمن (1) بمعنى الهبة ولفظ البيع يأباه، ولفظ الهبة مع ذكر الثمن بمعنى البيع ولفظ الهبة يأباه. ويتفرع على المسألتين فروع.
أما السلم بلفظ الشراء ففيه تفصيل.
وأما عقد الإجارة بلفظ البيع أو العارية ففي صحته اشكال، وكذا لو قال:
قارضتك والربح لي، أو الربح لك، ففي كونه بضاعة أو قرضا أو البطلان احتمالات.
ولو علق البيع على ما هو واقع فالأقرب الانعقاد، وكذا لو علق الطلاق على وقوعه بها مع العلم بوقوعه، ولا كذلك منكر الوكالة والنكاح مع كذبه فإن التعليق فيهما لا يضر قطعا.
ولو باع العبد من نفسه ففي انعقاده كتابة، أو بيعا منجزا، أو البطلان احتمالات.
ولو رجع بلفظ النكاح أو التزويج فالأقرب الصحة.
مخ ۵۰
وهل يصح حمل اللفظ الواحد على الحقيقة والمجاز معا؟ الأقرب المنع، فلا تدخل الحفدة في الوقف على الأولاد.
وحلف المرتفع عن مباشرة فعل عادة على فعله يحمل على الأمر على الأقوى، فلو باشره بنفسه ففي الحنث اشكال. وهل تطلق الماهيات الجعلية على الفاسدة؟
فيها خلاف. والظاهر لا، إلا في الحج والصوم.
وهل ينعقد الحلف على فعل الفاسد شرعا فيحمل على الصورة؟ إشكال، والأقرب العدم. ولا كذلك الإقرار لزيد لو حمله على اليد أو العارية. والإضافة باللام تقتضي الملك على الأقوى .
وقد تتعارض الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح، ففي اعتبار أيهما خلاف.
ويتفرع تعارض الأفقه الأقرأ الأورع الأتقى في الإمامة، والأعلم والأورع مع التساوي في العدالة في أخذ الفتوى والجماعة في آخر الوقت وفرادى في أوله، والصف الأول وفوات الركعة، وتعجيل الزكاة للأجنبي وتأخيرها للرحم أو الفاضل، والصوم والاشتغال بوظائف علمية أو عملية، والاعتكاف وقضاء حوائج الاخوان، والمشي في الحج والضعف عن العبادة، والجهاد وحق الأبوين، والعبد العفيف والحر الفاسق في الكفارة.
والنص في أسماء العدد لا يقبل المجاز، كإرادة التسعة من العشرة. وإذا لم يدخل المجاز لفظا لا تؤثر نيته فيه فلا يصرف عن موضوعه، فالمطلق ثلاثا لو أراد اثنين لا يقبل منه، أما لو قال: لا أكلت وقال: أردت الخبز سمع.
والصفة قد ترد للتخصيص وللتوضيح، فنفي القدرة عن العبد يحتملها، وعليه يتفرع كونه يملك أم لا.
وتعارض الجملة بين الحال والاستقبال من بابه، فقوله تعالى ولا تأكلوا
مخ ۵۱
مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق (1) يحتملهما. وعليه يتفرع تحريم متروك التسمية وحله، وكذا قوله (عليه السلام): (عارية مضمونة) (2) يحتملهما وعليه يتفرع وجوب الضمان مع الشرط وبدونه.
وكذا قوله تعالى فرهان مقبوضة (3) ومن ثم اختلف في اشتراط الرهن بالقبض وعدمه.
وإذا قال: استوف ديني الذي على فلان، كانت للتوضيح قطعا، فله الاستيفاء من الوارث، ولو قال: لم يستوف من الوارث.
ولو قال: لاكلمت هذا الصبي فصار شيخا، أولا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشا، أولا ركبت دابة هذا العبد فعتق وملك دابة، فإنه يحتملهما. ويتفرع الحنث وعدمه.
ولو اجتمعت الإشارة والإضافة، كهذا عبد زيد، أو هذه جارية زوجة فلان (4) فالحكم ما تقدم.
ولو أوصى لحمل فلانة من زيد فنفاه باللعان، أو ظهر أنه من غيره، فان الاحتمال كما مر. وعليه تتفرع صحة الوصية وبطلانها.
مخ ۵۲