فأما القرآن فقد تكفَّل الله ﷿ بحفظه من التبديل والزيادة والنقصان؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [سورة الحجر الآية: ٩]، فتولى سبحانه حفظه فلم يزل محفوظًا. (١)
وأما الحديث فحفظه موكولٌ بهذه الأمة؛ "لذلك عنيت الأمة الإسلامية بالحديث النبوي، فأوعته حوافظها الفذة، وبذلت من أجله أعظم الجهد، وحاز حديث النبي ﷺ من الوقاية والمحافظة ما لم يكن قط لحديث نبي من الأنبياء، فقد نقل لنا الرواة أقوال الرسول ﷺ في الشؤون كلها العظيمة واليسيرة، بل في الجزئيات التي قد يتوهم أنها ليست موضع اهتمام، فنقلوا تفاصيل أحواله ﷺ في طعامه وشرابه ويقظته ومنامه وقيامه وقعوده، حتى ليدرك من يتتبع كتب السنة أنها ما تركت شيئا صدر عنه ﷺ إلا روته ونقلته". (٢)
ثم وضع المسلمون للرواية قوانين تحقق ضبط الراوي للحديث، وتكلموا في الرجال، وذلك ليتميز المقبول فيعمل به، من غير المقبول، ومن هنا نشأ "علم مصطلح الحديث". (٣)
وتطورت قواعد هذا العلم على مر السنين، فانتقل من كونه قواعد شفوية إلى مسائل ضمن المصنفات إلى كتبٍ مستقلة، إلى نضوج هذا العلم على زمن أبي عمرو ابن الصلاح (ت ٦٤٣ هـ).
فألف كتابه المشهور "علوم الحديث" المعروف بمقدمة ابن الصلاح، فصار هذا الكتاب قطب رحى علم المصطلح، والناس في فلكه يدورون؛ شرحًا واختصارًا ونظمًا ونقدًا.
وممن أدلى بدلوه في هذا، تلميذ ابن الصلاح الإمام القاضي شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الخليل الخُوَيِّي الشافعي (ت ٦٩٣ هـ)، فقد نظم كتاب شيخه في ألفيَّة ليختصره (٤).
ولا تزال الأمة الإسلامية تعتني بحديث النبي ﷺ من جميع جوانبه، إلى زماننا هذا؛ إضافةً وابتكارًا وشرحًا واختصارًا، ويدخل ضمن خدمة الحديث النبوي، إخراج التراث الإسلامي المخطوط القابع في ظلمات الخزائن التراثية تعلوه رمال السنين، لذلك حرصت بعض الجامعات على
_________
(١) الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (ت ٦٧١ هـ)، بيروت، دار الكتب العلمية، ١٤١٣ - ١٩٩٣ (١٠/ ٥)
(٢) منهج النقد في علوم الحديث، للدكتور نور الدين عتر، دمشق: دار الفكر - بيروت: دار الفكر المعاصر، الطبعة الحادية والثلاثون ١٤٣١ - ٢٠١٠ ص ٢٤
(٣) انظر: المصدر نفسه ص ٢٦
(٤) كما أشار الناظم نفسُه في نظمه: وقد نظمتُ لُبّه مختصرا ... لا مُسهب اللفظ ولا مقتصرًا
1 / 2