كان يقول: «البروفيسور سام، وصغاره الثلاثة.» هكذا كان يشير إلى أحفاده الذين كانوا يشبهون أباهم في ذكائه وفي ثقته المحببة بذاته ... ميله البريء المفعم بالحيوية للاستعراض والتباهي. التحقوا بمدرسة خاصة تميل إلى تطبيق النظام التعليمي القديم، وبدءوا في دراسة التفاضل والتكامل في الصف الخامس. أحيانا ما يسهب أبي في وصفهم مشبها إياهم: «بالكلاب الذين تدربوا على الطاعة. وبيجي ...»
ولكن إذا قلت: «هل تفترض أنها تدربت على الطاعة هي الأخرى؟» كان يكف عن العبث. أتخيل أنه عندما كان بصحبة سام وبيجي، كان يتكلم عني بالأسلوب ذاته، وأنه لمح إلى تقلباتي المزاجية كما لمح إلى جديتهم الزائدة، وأنه ألقى نكاتا عني، ولم يخف دهشته (أو تظاهر بأنه لم يخفها) من أن الناس يدفعون لقاء قراءة ما أكتبه. كان عليه أن يفعل ذلك كي لا يبدو أبدا متباهيا بي، لكنه كان يضع حدا لنفسه كلما أحس أن مزاحه أوشك أن يتجاوز الحد. وبالطبع عثرت لاحقا في البيت على أشياء لي احتفظ بها - بضع مجلات، وقصاصات، وأشياء لم أعبأ بها قط.
والآن، أبحر بأفكاره من عائلة بيجي إلي. سألني: «هل اتصلت بك جوديث؟» «ليس بعد.» «حسنا، لم يمض وقت طويل. هل كانا يعتزمان النوم في الشاحنة؟» «نعم.» «أعتقد أنها آمنة بالقدر الكافي، إذا توقفا في الأماكن المناسبة.» كنت أعرف أنه سيسهب في كلامه هذا، وكنت أعرف أن إسهابه سيميل إلى الهزل. «أعتقد أنهما سيضعان لافتة في منتصف الطريق، شأنهما شأن المستكشفين الأوائل، أليس كذلك؟»
ابتسمت لكنني لم أجبه. «أفهم من ذلك أنك ليس لديك اعتراضات؟»
قلت: «نعم.» «هذا ما آمنت به أنا أيضا؛ ألا أتدخل في شئون أبنائي. حاولت ألا أقول أي شيء. لم أقل شيئا قط عندما هجرت ريتشارد.» «ماذا تعني أنك لم تقل شيئا؟ أتعني أنك لم تنتقدني؟» «لم يكن الأمر يخصني.» «لا.» «لكن هذا لا يعني أنني كنت راضيا عن هذه الخطوة.»
أصابتني الدهشة، لا لما قاله وحسب، ولكن لإحساسه بأن لديه الحق، حتى في هذه اللحظات، أن يقوله. اضطررت أن أتطلع من النافذة على السيارات المارة حتى أتمالك نفسي.
أضاف قائلا: «أردت أن تعرفي شعوري وحسب.»
منذ فترة طويلة ، قال لي بأسلوبه الرقيق: «أمر عجيب. عندما رأيت ريتشارد لأول مرة ذكرني بما كان أبي يقوله. كان يقول لو كان ذلك الرجل يتمتع بنصف ما يزعم من ذكاء، لكان أذكى مرتين مما هو في واقع الأمر.»
التفت لأذكره بذلك، لكنني وجدت نفسي أتطلع إلى الخط المتعرج على شاشة مراقبة أداء القلب. لم يكن ثمة خطب ما، لم يكن هناك أي اختلاف مثلا في صوت الصفير والنقاط المرسومة. ولكن مجرد وجوده هناك. رأى أبي أين نظرت، فقال: «ميزة غير عادلة.» فقلت: «إنها كذلك. سأضطر إلى أن أوصل جسدي ببعض الأجهزة أنا أيضا.» ضحكنا ثم قبلته بشكل رسمي، وغادرت المكان. حدثت نفسي أنه على الأقل لم يسألني عن نيكولا. •••
لم أذهب إلى المستشفى ظهر اليوم التالي لأن أبي كان سيخضع لبعض الفحوصات استعدادا للعملية الجراحية. كان من المقرر أن أزوره مساء. وجدت نفسي أتجول بين محلات الملابس في شارع بلور وأقيس بعض الثياب. وفجأة طغى علي انشغالي بالموضة وبمظهري الخارجي وغمرني كصداع قاتل. أخذت أتطلع إلى النساء في الشارع والملابس في المحلات في محاولة اكتشاف ما الجديد الذي يمكن أن يطرأ على مظهري وما يمكنني شراؤه. كنت أدرك سبب هذا الهوس المفاجئ، لكنني وجدت صعوبة في التغلب عليه. قال لي بعض الناس إنهم، عندما يكونون في انتظار أنباء متعلقة بحياة أو موت عزيز لديهم، يقفون أمام الثلاجة المفتوحة على مصراعيها ليأكلوا أي شيء أمامهم - بطاطس مسلوقة باردة، أو صلصة حارة، أو علب الكريمة المخفوقة - أو لا يكفون عن حل الكلمات المتقاطعة. في تلك اللحظات، ينصب الانتباه على شيء ما - شيء يشتت التفكير عن الحدث الأصلي - فينشغل الإنسان به تماما، ويمسي جديا للغاية. ظللت أقلب في الملابس المرتبة على الرفوف، وأرتديها داخل غرف تبديل الملابس الحارة الصغيرة أمام المرايا القاسية. كنت أتصبب عرقا؛ ولمرة أو مرتين أحسست أنني على وشك الإغماء. ولما خرجت إلى الشارع مجددا، جال بخاطري أنني يجب أن أرحل عن شارع بلور، وقررت أن أزور المتحف.
ناپیژندل شوی مخ