انوار نبي
أنوار النبي(ص) أسرارها و أنواعها
ژانرونه
والفقراء الصادقين وسائر الأولياء والصالحين من الكرامات المستفيضات، الصادرات عن العيان والمشاهدات، ما طبق الآفاق، وملأ جميع البلاد، وعجزت الدفاتر عن اليسير منه في الحصر والتعداد، وأما كثرة ظهور الكرامات واشتهارها بعد زمن الصحابة وزيادتها على ما كان في زمانهم فالجواب عن ذلك ما أجاب به الإمام أحمد لما قيل له: يا أبا عبد الله، إن الصحابة لم يرو عنهم مثلما قد روي عن الأولياء والصالحين، فكيف هذا؟! فقال: أولئك كان إيمانهم قويا، فما احتاجوا إلى زيادة شيء يتقوون به، وغيرهم كان إيمانهم ضعيفا لم يبلغوا إيمان أولئك، فقووا بإظهار الكرامات.
وكذلك قال الشيخ شهاب الدين السهروردي: وخرق العادة إنما يكاشف به لموضع ضعف يقين المكاشف رحمة من الله تعالى على عباده العباد، وثوابا معجلا لهم، وفوق هؤلاء قوم ارتفعت الحجب من قلوبهم، وباشر بواطنهم نور اليقين، وصدق المعرفة، فلا حاجة لهم إلى مدد من المخرقات، ورؤية القدر والآيات، ولهذا ما نقل عن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كثير من ذلك إلا القليل، ونقل عن المتأخرين من المشايخ والصادقين أكثر؛ لأن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لبركة صحبة النبي (صلى الله عليه وسلم) ومجاورة نزول الوحي وتردد الملائكة وهبوطها تنورت بواطنهم، وعاينوا الآخرة، وزهدوا في الدنيا وتزكت نفوسهم، وانخلعت عاداتهم، وانصقلت مرايا قلوبهم، فاستغنوا بما أعطوا من رؤية الكرامة، واستماع أنوار القدرة.
قال اليافعي: وأيضا فهذه الكرامات من الكشف وغيره أنوار، والأنوار إنما يظهر حسن بهائها في الظلمة، فأما الصحابة (رضوان الله عليهم أجمعين) فكلهم أنوار ليس فيهم ظلمة؛ لتوهج ضياء شمس النبوة عليهم، وكمال محاسنهم، ثم أن الشمس إذا غربت تظهر الظلمة عقيب غروبها ولا تظهر إلا الكواكب الكبار، فكلما تغرب عن الأفق تكثر الظلمة، فتظهر سائر الكواكب إلى أن يظهر فجر الوعيد، وأيضا الصحابة كانوا أهل حق، وسنة، وطاعة، وعدل، ومعروف، ثم ظهر بعدهم عكس ذلك من الباطل والبدع، والمعاصي، والظلم، والمنكر، فبث الله تعالى في سائر البلدان رجالا قلدهم سيوفا ماضيات تقطع أعناق المنكرين عليهم.
مخ ۱۸۵