سائط هذا العلم. ثم خرجوا من جزيرتهم وفتحوا قسما لا يستهان به من المعمورة، وظهروا على امم كانت قد بلغت درجه عالية من الحضارة، واهتمت بالنجوم اهتمام علماء مضاربين لا اهتمام شعراء متبدّين.
فتمتّنت حينئذ العلاقات بينهم وبين العجم، ونشأ من اختلاط العناصر المختلفة تطوّر عام ظهرت نتائجه فى جميع ميادين الحياة وأصناف المعارف، فضلا عن نشوء العلوم المرتكزة على القرآن، منها الحديث والنحو والفقه والتأريخ، حتى مبادئ علم الهيئة لحاجة المسلمين إلى الصوم والصلاة. غير أن أقوى حافز لتقدم معارفهم بالفلك والهيئة جاءهم من الخارج. وذلك أن بعيد فتح السند ادخل إلى العراق، فى أواسط القرن الثانى للهجرة، الكتابان المعروفان عند العرب بالسندهند وأرجبهد، فنقلا إلى العربية ببعض التصرف، وانتشر مضمونهما فى الدوائر المثقفة الراغبة فى العلوم رغبة صحيحة. وفى الوقت نفسه، أو بعده بقليل، عرف العرب الأزياج الفارسية، وبصفة خاصة كتبا يونانية منها «المجسطى» لبطولموس (المعروف ببطلميوس) الذى نقله إلى العربية الحجاج بن يوسف بن مطر سنة ٢١٢ للهجرة.
لسنا بحاجة إلى الإطالة فى ذكر جميع الكتب اليونانية والهندية التى عرّبت فى القرون الوسطى، بل كفى بما قلنا إشارة إلى هذا العامل القوى الذى حمل المسلمين- ومنهم عرب وعجم- على البحث عن علم الهيئة. ولسنا بحاجة أيضا إلى ذكر جميع الفلكيين الذين اشتهرت أسماؤهم فى هذا الفرع من العلوم وأكسبوا الامة العربية فخرا خالدا
المقدمة / 3