وكان الشاب الذي أمامه طويل القامة يلبس جلبابا من الصوف على زي أهل دمنهور، وعلى رأسه طربوش وفي قدميه حذاء، فاستنتجت أنه لم يكن من عامة الشعب، ولكني لم أر وجهه؛ لأنه كان متجها إلى المكتب، وسمعته يجيب في شيء من الأنفة: أنا علي الحفار؟
فصاح به الجندي: الحفار؟ تشرفنا يا حضرة، يعني حضرتك حفار قبور؟ أو هي صناعة الوالد؟
فقال الشاب في حنق: إذا كنت لا تعرفني فلا داعي لهذا الكلام، سألتني عن اسمي وهذا هو اسمي، وأنا تاجر من أهل البلد.
فقال الجندي: تشرفنا يا أفندم. أقوم لك وأضرب السلام؟ أهكذا تخاطبني وتصيح في وجهي يا قليل الأدب؟ أهكذا تكلم ...؟
فقاطعه الشاب غاضبا: لا تخرج عن حدودك.
فقام الجندي هائجا من مقعده، وخرج من وراء المكتب صائحا: حدودي؟ ما هي حدودي يا ولد؟ أنت قليل الأدب. قليل الأدب ألف مرة وتستحق التأديب.
وأقبل هاجما عليه فضربه على وجهه ضربة شديدة اهتز لها الشاب وثار رافعا يده للإجابة عليها، فأسرعت من ورائه بغير تفكير، وأمسكت بذراعه، فالتفت إلي غاضبا ونزع يده مني.
فقلت له أهدئه: تمهل يا أخي حتى لا يتعلل هذا الرجل بأنك اعتديت عليه، كنت واقفا هنا ورأيت كل شيء وسأشهد بما حدث.
واتجهت إلى الجندي قائلا: بأي حق تعتدي على هذا الشاب؟
وهدأ الشاب نفسه على مضض، ووقف ينظر نحو الجندي في حنق، فضحك الجندي واتجه إلي قائلا: وحضرتك محام؟
ناپیژندل شوی مخ