فصحت: كذاب. أنت تريد أن تجد بابا جديدا للدس، ومع ذلك فاعلم أيضا أن كل هذه المحاولات لا تهمني. اعلم أني سأستمر على طريقتي التي أملاها على ضميري.
فقال وهو يهز رأسه آسفا: لقد نصحتك والسلام يا سيد أفندي، وكان وجهه المبهوت في نظري مضحكا ولا أدري لماذا، فضحكت برغم غيظي مقهقها، ولم أنتظر أن أسمع الكلمة التي رأيته يفتح فمه بها وقلت له في سخرية: سلام عليكم!
وسرت عنه مسرعا، وكان قلبي يفيض سرورا؛ لأني استطعت أن أدخل على قلبه شيئا من الغيظ آخر الأمر.
ولما ذهبت في اليوم التالي إلى المحلج كنت مطمئنا، ولكني كنت أشعر بشيء يشبه الشعور بالإهانة، وكنت متحفزا لأسمع كلمة ولو يسيرة من السيد أحمد جلال تشير إلى طريقتي في الوزن حتى أقول له ما في نفسي صريحا، ولكن السيد أحمد جلال لم يكن في ذلك اليوم أقل تلطفا مما كان في أي يوم آخر، وكانت الجموع التي حولي تتزاحم علي وتصيح بي تستعجلني، وتحريت في ذلك اليوم تحريا شديدا في أن يكون وزني صحيحا، ولم أفق من غمرة عملي إلا في الساعة الواحدة بعد الظهر، فأسرعت خارجا لآكل لقمة، وخطر لي أن أغسل يدي ووجهي أولا كالعادة، وكانت دورة المياه على مقربة من الباب المؤدي إلى بناء آلات الحلاجة، وفيما كنت أجفف وجهي سمعت لغطا بعيدا يشبه صوت العراك في داخل عنبر الآلات، فذهبت لأرى ما هناك فإذا جمع كبير من العمال يضطرب ويموج في داخل العنبر حول مصطفى عجوة، فأسرعت لأعرف السبب ودخلت بين العمال كما يدخل الطفل الغرير في المآزق التي لا يعرف خطرها، واقتربت من مصطفى عجوة لأسأله ما الخبر، وما كاد يراني حتى ثار ثورة شديدة، وجعل يسب العمال ويصرخ فيهم مهددا، ودفع أحدهم بيده في صدره فاتقدت حماسة زملائه، وصاحوا هائجين، ورفع أحدهم يده فلطم بها وجه مصطفى، وأخذ الآخرون يشتمونه ويلعنونه.
وزاد مصطفى هياجا وتهديدا وقال: إنه سيبلغ الأمر إلى السيد أحمد جلال ليخرب بيوتهم.
فما كاد العمال يسمعون ذلك حتى اندفعوا يشتمونه ويشتمون السيد أحمد جلال ثم أخذوا يلكمونه بقبضات أيديهم ويركلونه بأقدامهم حتى كاد يهلك بينهم، وهو مع ذلك لا ينقطع عن السب والتهديد، وتصايحوا يحرض بعضهم بعضا على تدمير المحلج، فصحت بأعلى صوتي قائلا: «اسمع أنت وهو!» والتفت الجميع نحوي ومضت لحظة هدوء قصيرة انتهزتها لكي أخاطبهم قائلا: ما هذا أيها الإخوان؟
وكان فيهم وجوه كثيرة أعرفها فأخذت أخاطبهم بأسمائهم في نغمة عتاب ألين فيها حينا وأعنف حينا، وأقبلوا علي يشكون لي ما أصابهم من مصطفى عجوة.
وصاح مصطفى: أتفتح أذنك لهؤلاء وأنت تسمع شتائمهم.
واندفع غاضبا يشق الزحام خارجا وهو يهددني معهم فشيعه العمال بضحكة عالية ساخرة من ألفاظ السباب المقذع، فقلت لهم: أيليق بكم أيها الإخوان أن تسبوا رجلا غائبا لم يسئ إلى أحد منكم؟ ألا تعرفون عطف السيد أحمد عليكم حتى تجازوه بمثل هذه الشتائم؟
فصاح أحدهم وهو أكبرهم: هو يسلط علينا شيطانه هذا يعذبنا كل يوم، ويذلنا و...
ناپیژندل شوی مخ