165

فبادرت بحمل الصينية عنها وقامت منى أيضا معنا وجعل كل منا يعمل من جهته على تحويل الأكوام المكدسة فوق الصينية إلى شيء يشبه مائدة منتظمة: الفناجين وأطباق الحلوى والفطائر والشطائر التي كانت متراكمة بعضها فوق بعض.

وأخذت منيرة ومنى تتعاونان في الخدمة، وقدمت منى إلي فنجاني، فتمنيت لو وقف الزمن إلى الأبد وأنا أنظر إلى عينيها الباسمتين.

وقلت لها بصوت هامس بالفرنسية، بالكلمة التي حفظتها عنها: ألف شكر.

وتذكرت الورقة التي ما زلت أحتفظ بها في قرآني الصغير.

واستأذنت أمي لتنزل استعدادا للإفطار؛ لأنها كانت صائمة في يوم نصف شعبان، وذهبت منيرة معها لتعد لها إفطارها وحملت نصيبها من الوليمة في طبق كبير.

فجاءت منى بفنجانها ووقفت قريبا مني متجهة إلى الحقول، وأحسست قلبي يخفق في عنف وكدت أهمس لها قائلا: «أتعلمين أني أحبك كما لا يستطيع أحد أن يحب؟»

ولكني سمعت نفسي أناديها بصوت متهدج: منى!

وبعد أن نطقت باسمها ارتبكت ولم أعرف ماذا أقول لها بعد هذا.

وشعرت أنها انكمشت قليلا وهي تنظر نحوي.

وكان وجهي يتقد في ارتباكي ولكن نظراتها الصريحة الصافية كانت تتنفس بالسلام والثقة، وكان وجهها الخالي من كل زينة مصطنعة يشبه طلعة الفجر في بواكير الصيف، فامتزج ما في قلبي من الحب العميق الغامر بشعور آخر من الاحترام والرحمة القوية الغامرة، وصار أبعد شيء مني أن أقول لها كلمة تسبب لها حرجا، ولم يبق عندي أثر من الارتباك عندما قلت لها: عندي سؤال سخيف فأرجو عفوك، ولك أن تمتنعي عن الإجابة.

ناپیژندل شوی مخ