160

وتبسمت هذه المرة صادقا.

وأخذ قلبي يدق في ضعف، وسألت نفسي هل أتماسك إذا قابلتها؟ أم أرتبك ويلتصق لساني بحلقي كما فعلت من قبل مرارا.

وأخذت منيرة تصف لنا الأصناف التي أعدتها للشاي، ودخلت أمي معها في مناقشة عميقة لم أفهم منها شيئا؛ لأنها كانت على مقادير الزبد والسكر والدقيق والبيض التي صنعت منها كعكاتها وأطباقها، ومنيرة تزعم دائما أنها في هذه الميادين لا تبارى.

ولما فرغنا من الطعام عدت إلى غرفتي وكانت الساعة الثالثة والربع، فما تزال ساعتان إلا ربعا بيننا وبين زيارة منى.

الفصل الواحد والعشرون

كانت الدقائق تمر بطيئة وأنا في غرفتي كأن عقاربها مسمرة، وكلما سمعت صوتا أو خبطة خيل إلي أنه باب سيارة منى، فأذهب إلى النافذة مسرعا حانق القلب فلا أرى شيئا، وأعود بالخيبة مرة بعد أخرى بغير أن يمنعني الإخفاق من العودة إلى التجربة، ولما ضاق صدري من ذلك خرجت من الغرفة لعلي أقطع الوقت بالحديث أو الحركة، فرأيت أمي تصلي العصر وهي في العادة تبطئ في الصلاة حتى يخيل إلي أحيانا أنها لا تريد أن تفرغ منها، فذهبت أبحث عن منيرة ولكني لم أجدها، فصعدت إلى السطح لعل الهواء الطلق والنور واتساع الفضاء تدخل الهدوء إلى نفسي، وكانت السماء صافية والحقول خضراء واسعة تترامى من وراء البيت إلى مدى البصر، واسترعى نظري وجود مجموعة من قصاري الزهر موزعة فوق السور ومنثورة في الأركان، وفي الركن الأقصى المطل على الحقول بعض مقاعد صغيرة من فوقها أغطية حريرية ومن تحتها قطعة نظيفة من الكليم، وطبلية مستديرة في الوسط عليها غطاء أبيض كأنها مائدة، فصار الركن كأنه مجلس أنيق في حديقة معلقة، وتبسمت مرتاحا لأن منيرة استطاعت بذوقها ولباقتها أن تحل مشكلة غرفة الاستقبال التي كنت أحمل هم الجلوس فيها، وأخذت أسير في السطح حينا وأنظر إلى ما حول البيت حينا، وكان الانتظار في الجو المفتوح أرفق بي، وحلت الساعة الخامسة آخر الأمر وجعلت أرهف سمعي انتظارا، ولكني لم أسمع حسا إلى أن صارت الساعة الخامسة والنصف ثم السادسة حتى بدأت أشك في حقيقة الزيارة الموعودة.

ثم سمعت ضحكة منيرة وهي صاعدة على السلم تتحدث في مرح، فقمت مسرعا ووثب قلبي ليستقبل منى، ولكني ما كدت أصل إلى أول السلم حتى وقفت مترددا وبدأ الارتباك يستولى علي، فتباعدت سائرا إلى الناحية الأخرى من السطح وانتظرت هناك، وظهرت منى صاعدة فأسرعت إليها محاولا أن أظهر هادئا، ورأيت على وجهها بسمة صغيرة تشبه ابتسام الدهشة، فمددت إليها يدي الاثنتين قائلا: «أهلا وسهلا ومرحبا.» ونظرت في عينيها لحظة قصيرة كأني أنظر إلى بحر عميق صاف.

وقالت منيرة: أنت هنا؟ وبغير إذني؟

ولكني كنت منصرفا إلى منى أقول لها: أي فرصة سعيدة!

وكان صوتي متهدجا ولكن الاضطراب الذي كان يغمرني وأنا وحدي لم يبق له أثر؛ فإن السفينة الضالة في المحيط وجدت آخر الأمر مرفأها.

ناپیژندل شوی مخ