يوم الأحد تم إقالة شيخ العرب اللواء «عبد الحليم موسى» وزير الداخلية من منصبه بسبب الوساطة التي حاولها بين الدولة والجماعات الإسلامية المتطرفة، وتم تعيين اللواء «حسن الألفي » وزيرا للداخلية؛ مما يشير إلى رفض الدولة سياسة الوساطة والمهادنة مع التطرف والعنف المسلح، ففشلت وساطة الوزير مع الجماعات، كما فشلت وساطة رئيس الجامعة مع «أبو زيد» من قبل. يوم الثلاثاء بجريدة «الأهرام»، كتب «فهمي هويدي» «حذار من النار»، انتقد خروج موضوع ترقية «نصر أبو زيد» خارج إطار الجامعة، «وخارج اللجان العلمية، والمداولات أو التقارير التي يفترض أن تحاط بقدر من السرية». و«في مسلك غير مسبوق في الأوساط العلمية المصرية أقحم الرأي العام»، وقال: «نقرر بوضوح أن العبث بالنصوص الشرعية المتمثلة في القرآن والسنة على وجه التحديد ينبغي أن يظل بمنأى عن الذين يتذرعون بحرية التعبير أو البحث، ويروجون لدعاوى تستهدف تعطيل النصوص وإجهاضها باسم تاريخية النص أو نسبية الأحكام الشرعية أو غير ذلك من مداخل العدوان على عقيدة المجتمع وضميره.» وصدرت «مجلة أدب ونقد» في عدد مايو ملف عنوان «تكفير عالم، قضية د. نصر أبو زيد والإرهاب الفكري في الجامعة»، متضمنا حوارا لي أجراه محمد حسين، نشر بعنوان «فهم النص بالحياة لا فهم الحياة بالنص». وكتب «الشيخ الغزالي» معتمدا على ما كتب «مصطفى محمود»، منتقدا «أبو زيد»، وأسماه الكويفر في جريدة «الشعب» في الرابع من مايو.
5
استكمالا لمناقشة قضية المرأة كبعد مفقود في الخطاب الديني، نشرت في شهر مايو بمجلة «أدب ونقد» دراسة بعنوان «المرأة في المجتمع، جراح اللغة وجراح الهوية»، حاولت العودة فيها إلى بنية اللغة العربية ذاتها في التعامل مع المرأة؛ فهي تفرق بين الاسم العربي والاسم غير العربي الأعجمي بعلامة النون الصوتية التي تلحق نهاية الأسماء العربية عند النطق، وهذا لا يحدث مع الأسماء الأعجمية. وكلمة العجم ذاتها تعطي العرب ولغتهم مكانة التفوق وما سواها بمثابة العجماوات التي لا تفصح ولا تنطق. هناك تحيز آخر ينبع منه التفرقة بين الاسم المذكر والمؤنث، فتساوي اللغة بين الاسم المؤنث والاسم الأعجمي؛ فبالإضافة إلى تمييزه عن الاسم المذكر بتاء التأنيث يمنع التنوين عن الاسم العلم المؤنث؛ فاللغة في بنيتها تمارس نوعا من التفرقة الطائفية، ليس ضد غير العرب فقط بل ضد الأنثى كذلك. وهذه النظرة لها امتدادها من اللغة إلى الخطاب المعاصر السائد؛ فتعامل المرأة معاملة الأقليات من خلال الإصرار على حاجتها للدخول تحت حماية ونفوذ الرجل. فالمذكر هو الأصل الفاعل، والمؤنث فرع ولا فاعلية له؛ فإذا كان ضمن جمع من النساء رجل واحد يشار إلى الجمع بصيغة المذكر دون المؤنث. واللغة العربية من اللغات التي ليس بها أسماء محايدة، ليست مذكرا ولا مؤنثا، كما الشأن في بعض اللغات.
وقد جاءت لغة شعراء الصعاليك ولغة القرآن تخرج عن هذه التقاليد اللغوية، فخاطب القرآن النساء مباشرة كما خاطب الرجال. ولنفهم القرآن يجب أن ننظر لما كان قبله لمعرفة مدى التغيير الذي أدخله على استعمال بنية اللغة، فجرح الهوية الذي تعرضت له الذات العربية الرجولية من الهزائم والتراجعات، وإحساسها بالعار والخجل، فلم تجد دواءها حتى الآن إلا باللجوء إلى الماضي، إلى الهوية الأصلية، إلى الرجولة. وحدث التشرذم بعيدا عن الوحدة، واستيقظت الطائفية بديلا عن القومية، وحل الانتماء للدين محل الانتماء للوطن؛ فأفرخ الثلاثة الإرهاب والعنف على جميع المستويات، المسلم ضد المسيحي والمسيحي ضد المسلم، والسني ضد الشيعي والعكس، والرجل ضد المرأة لتقمع في دارها، تخدم الزوج وتكنس البيت وتربي الأولاد منعا لوجع الدماغ.
تقدم المحامي «محمد صميدة عبد الصمد»، وهو مستشار سابق بمجلس الدولة، ومجموعة من المحامين «عبد الفتاح عبد السلام الشاهد، وأحمد عبد الفتاح أحمد، وهشام مصطفى حمزة، وأسامة السيد بيومي، وعبد المطلب محمد أحمد، والمرسي المرسي الحميدي»، من مكتب «محمد صميدة عبد الصمد»، ثلاثة وثلاثين بشارع جامعة الدول العربية بالمهندسين بالجيزة مقرا لهم، برفع دعوى حسبة للتفريق بين د. نصر أبو زيد وزوجته د. ابتهال يونس، بدعوى أنه خارج عن الإسلام ولا يجوز زواجه من مسلمة أو غير مسلمة، إلى محكمة الجيزة الابتدائية، دائرة الأحوال الشخصية، يوم الإثنين السابع عشر من مايو ثلاثة وتسعين.
كتبت دراسة نشرت ضمن كتاب عن المرأة بعنوان «هاجر»، نشرته دار «سينا» للنشر سنة ثلاث وتسعين عن «المرأة والأحوال الشخصية نموذج الخطاب التشريعي التونسي »، تناولت فيه النقاط الخلافية التي يناقشها التيار الديني المعاصر ضد بنود قانون الأحوال الشخصية الخاصة بالمرأة في القانون التونسي؛ إلى أي مدى بعد القانون عن اجتهادات فقهاء المسلمين في مجال الشريعة؟ فعند تناول النواحي النصية والفقهية والمنطقية، بصرف النظر عن نوايا المشرع التونسي وعن مقاصده، هل كانت علمانية أو إسلامية؛ فمثلا مسألة منع تعدد الزوجات، النص القرآني
فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم . فالخطاب الديني يركز على القسم الأول من الآية، ويتغاضى عن نكاح ملكة اليمين؛ لأن هذا الجزء الثاني كاشف عن هجرة الواقع والمجتمع لنظام الإماء؛ مما يشير إلى ارتباط النص بنظام كان قائما وانتهى، وأن العدد أربعة كان نوعا من التضييق لفوضى امتلاك المرأة في المجتمع العربي قبل الإسلام. وبوضع هذا النص خلال نصوص القرآن الأخرى التي تناولت الموضوع، نجد أن القرآن كان يقيد ممارسات كانت متاحة، ويتجه للحد منها وتقييدها بقوله
فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة . ودعوته للعدل، وتصريحه بعدم قدرة الإنسان على العدل ولو حرص، في قوله
ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم . وتوصيف مسألة تعدد الزوجات بأنها من المباحات، حسب التقسيم الفقهي القديم لأصناف أحكام الشريعة من واجب يقابله محظور، ومندوب يقابله مكروه، وبينهم المباح، يجعلنا نحتاج إلى إعادة النظر في هذه التقسيمات التقليدية؛ فالتغيير الذي يتجه إليه القرآن من تقييد للممارسة لا يجعلها في نطاق المباحات. وناقشت مسألة الطلاق وحق المرأة في أن تطلق نفسها، وحضانة الأطفال والتبني والميراث، والمغالطة في وسم نظام «بورقيبة» أنه علماني، بالربط بين تصرفاته الشخصية الصبيانية وبعض آرائه، والربط الميكانيكي بين العلمانية والإلحاد.
كتبت مقالا نشر في مجلة «العربي» الكويتية بمايو ثلاثة وتسعين عن «ابن رشد» (520ه/1126م-595ه/1198م)، «التأويل والتعددية»، قرأت فيها كتابه «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال»؛ فابن رشد هو عقلنا المهاجر من الثقافة العربية الإسلامية، ونحن في حاجة إلى أن نستقبله بروح جديدة ووعي مغاير لذلك الوعي الذي تسبب في تهميشه ثم طرده من ثقافتنا؛ فالباحثون الذين اهتموا بابن رشد اهتموا في الغالب بثمار فكره دون أن يهتموا بالشجر الذي أنتجها؛ فلم يهتموا بآليات تفكيره. وابن رشد يذهب إلى أن حاجتنا إلى الشريعة لا تقل عن احتياجنا للحكمة ولا تزيد؛ لأنهما نهجان متمايزان في المعرفة تحتاج إليهما البشرية لتعدد طبائع الناس في اكتساب المعرفة؛ فمن الناس من يكتسب المعرفة بالأقاويل البرهانية اليقينية، وأقاويل الفلسفة، والتفكير النظري التجريدي؛ ومن الناس من يكتفي بالأقاويل الجدلية التي يكتسب بها المعرفة، وهي معرفة ظنية؛ وفريق ثالث لا يقبل أقاويل البرهان ولا أقاويل الجدل، ولا يتسع طبعه إلا للأقاويل الخطابية، وهي معرفة تمثيلية؛ ولذلك راعت الشرائع السماوية اختلاف طبائع البشر.
ناپیژندل شوی مخ