An-Nasiha bil-Tahdheer min Takhreeb "Ibn Abdul Mannan" li-Kutub al-A'immah ar-Rajeehah wa Tadh'ifihi li-Mi'at al-Ahadith as-Saheehah
النصيحة بالتحذير من تخريب «ابن عبد المنان» لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة
خپرندوی
دار ابن عفان للنشر والتوزيع
د ایډیشن شمېره
الثانية
د چاپ کال
١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م
د خپرونکي ځای
الجيزة - جمهورية مصر العربية
ژانرونه
النصيحة
بالتحذير من تخريب (ابن عبد المنان) لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة
بقلم
محمد ناصر الدين الألباني
دار ابن عفان
للنشر والتوزيع
1 / 1
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الثانية
١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م
دار ابن عفان
للنشر والتوزيع
الجيزة - ت: ٣٢٥٥٨٢٠ - ص. ب: ٨ بين السرايات
هاتف محمول: ٠١٠١٥٨٣٦٢٦
جمهورية مصر العربية
E.mail: ebnaffan@hotmail.com
1 / 2
النَّصِيحَة
بالتحذير مِن تخريب (ابن عَبد المنان) لكتب الأئمّة الرّجَيحَة
وتضعيفه لمئَات الأحاديث الصَّحِيحة
1 / 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 4
مُقَدِّمة
إِنَّ الحمدَ لله؛ نحمدُهُ ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسِنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يضلل فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إِله إلا الله - وحده لا شريكَ له -. وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
أمّا بعد:
فبين يَدَيكَ - أيها القارئُ الكريم - كتابي "النّصيحة ... "؛ وهو بحوثٌ علميَّةٌ نقديَّةٌ حديثيةٌ؛ مبنيّةٌ على القواعد الصحيحة، ومُؤسَّسةٌ على الأُصول الصَّريحة؛ سَيْرًَا على ما خَلَّفَهُ أئمّةُ الإسلام - حُفَّاظُ السُّنَّةِ الأعلام - لِمَن بَعْدَهم مِن أَتباعهم؛ السائرين - بحقِّ - على مَنْهَجِهم، والسَّالكينَ - بصدقٍ - دَرْبَهم وطريقَهم.
وأصلُ هذه البُحُوثِ ردودٌ على (غُمْرٍ) من أَغمار الشباب (١)؛ تصدّى لِمَا
_________
(١) وهو المدعوُّ (حسّان عبد المنّان)!
ولقد تحقّق عندي أنّه صارَ ينشرُ كتبَهُ - أخيرًا - بعد انكشاف حقيقته، وافتضاح أمره - تحت أسم (أبو صهيب الكرمي)! ! إمعانًا في التمويه والتلبيس! وإغراقًا في التضليل والدليس! ! بل إنّه - بَعْدُ - نَشَرَ كُتُبًا فيها مقدّماتُهُ، وعليها تعليقاتُهُ: دونما أيِّ اسمٍ أو كُنية! ! ولكي يقفَ القارئُ على صُوَرٍ مِن (تخريبه) لِكُتُب أهل العلمِ - غير ما في كتابا هذا -: فلينظر صنيعَهُ في "صحيح البخاري" الذي أخرجه في مجلّد واحد! ليرى سوءَ صنيعهِ، وفسادَ عملهِ، وما وقع فيه من سَقْطٍ، وتصحيفٍ، وتحريفٍ، واضطرابٍ ...
بل إنّني أظن - بعد خِبْرَتي يه، ومعرفتي له - أنَّ (بعضَ) ذلك مقصودٌ منه، فهو =
1 / 5
لا يُحْسِن، و(فَسْلٍ) من جَهَلةِ المُتعالمين؛ تطاول برأْسهِ بين الكُبَراءِ - وعليهم -؛ فحقّق (!) كُتُبًا! وخرّج (!) أحاديثَ! وسوّد تعليقاتٍ! وتكلّم - بجرأة بالِغَةٍ - فيما لا قِبَلَ له به من دقائق علم المصطلح، وأُصول الجرح والتعديل! ! !
فجاءَ منه فسادٌ كبيرٌ عريض، وَصَدَرَ عنه قولٌ كثيرٌ مريض؛ لا يعلمُ حقيقةَ مُنتهاه إلا ربُّه ومولاه - جلّ في عُلاه -.
ولقد كنتُ رَدَدْتُ عليه - قَبْلُ - في مواضعَ متعدّدةٍ من كُتُبي - وبخاصّة "سلسلة الأحاديث الصحيحة"- لمناسباتٍ تَعْرِضُ؛ كشفتُ فيها جهلَه، وَأَبَنْتُ بها عن حقيقتهِ؛ حيث ظهر لي - بكُلِّ وضوحٍ - أنّه للسُّنَّة (هدّام)، ومُتَعَدٍّ على الحق هجّام.
فهو يتعدّى على الأحاديث الصحيحة بالظَّنِّ والجهلِ والإفسادِ والتخريب؛ بما يُوافقُ هواه، ويلتقي ما يراه - بدعوى التحقيق والتخريج! - ...
ولقد رأيتُ له - منذ مدّةٍ - تحقيقًا - بل تَخْريبًا - لكتاب "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" للإمام ابن قَيِّم الجوزيّة، تلميذ شيخ الإسلام ابن تيميّة
_________
= - أحيانًا - يُسقِطُ التابعيَّ الذي بين الصحابي والراوي عنه! ليظهر الحديثُ - بذلك - أنه منقطعُ
السند! !
كما أنّه يُسقِطُ - أحيانًا - بعضَ الكلماتِ من متنٍ ما، ويزيد كلماتٍ أُخرى في متن آخر؛ ممّا يؤدّي إلى إيقاع فساد في معنى الأحاديثِ، واضطراب في دلالتها! ! فإفسادُهُ مُنَوعٌّ: روايةً ودرايةً! !
وَمَعَ هذا كُلِّه؛ فهو يدَّعي التحقيقَ (ويستدركُ على المُحقّقين!)؛ علمًا بأنّ مثلَ هذه الأخطاء - بل الخطايا! - لم تقعْ في أيٍّ من مطبوعات "البُخاري" أو غيرهِ! ! فيُقالُ له: ليس هذا بعشِّك فادْرُجي ...
وللوقوفِ على نماذجَ ممّا ذكرتُ يُراجع ما كَتَبَهُ صاحبُنا الأخ علي الحلبي - في ذلك -
في مجلّة (الأصالة- العدد: ٢٠/ ص ٤٧ - ٥١).
و﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ ...
1 / 6
- رحمهما الله تعالى -؛ ظهر فيه - بجلاءٍ بَيِّنٍ - جهلُهُ الواضح، وتعالُمُه الفاضح؛ فرأيتُ أداءً لواجب النَّصيحةِ، وحِرْصًا على مكانة العلم، ومُحافظةً على السُّنَّة النبوية: أنْ أُفردَ بهِ هذا الكتاب؛ ردًّا على جهالاتِه، وكشفًا لسوءِ حالاتِه ... ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾.
وإنّي لأعلمُ أنَّ بعضًا من إخواننا دُعاة السُّنَّةِ - أو الحريصين عليها - (قد) يقولون في أنفسهم: أليس في هذا الردِّ إشهارٌ لهذا الجاهل، وتعريفٌ بهذا (الهدَّام)؟ ! !
فأقولُ: فكان مَاذَا؟ ! أَلَيْسَ واجبًا كشفُ جهلِ الجاهل للتحذير منه؟ ! أليس هذا - نفسُهُ - طريقَ عُلماءِ الإسلام - منذ قديم الزمان - لنقضِ كُلِّ منحرفٍ هَجّام، ونقدِ كُلِّ متطاولٍ هَدّام؟ !
ثم، أليس السكوتُ عن مثلِهِ سبيلًا يُغَرَّرُ بهِ العامّةُ والدَّهْماء، والهَمَجُ الرَّعَاع؟ ! فَلْيَكُن - إذًا - ما كان؛ فالنّصيحةُ أُسُّ الدين، وكشفُ المُبْطِلِ صيانةٌ للحقِّ المُبين؛ ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ...﴾؛ ولو بعد حِين ...
وما حالُ سَلَفِ هذا (الهدّام) - ذاك (السَّقَّاف) - وما آلَ إليهِ - والحمدُ لله - عن عارفي الحقِّ ودُعاتهِ ببعيدٍ ...
وختامًا؛ فلو كان عند هذا (الهَدّام) شيءٌ من الإنصاف: لكانَ منه - ولو قليلًا - تطبيقٌ وامتثالٌ لِمَا قاله بعضُ كبار أهل العلمِ - نصحًا وتوجيهًا -: "لا ينبغي لرجلٍ أن يرى نفسَه أهلًا لشيءٍ؛ حتّى يَسأل مَن كان أعلمَ منه (١) "!
ولكن؛ هيهات، هيهات؛ فالغُرورُ قتّالٌ، وحُبُّ الظهور يقصمُ الظهور ... وَمعَ هذا كُلِّه؛ فإنِّي أسألُ الله - سُبحانه - له الهدايةَ إلى الحقِّ، والرجوعَ
_________
(١) "صفة الفتوى والمفتي والمستفتي" (ص ٨) لابن حمدان - بتحقيقي.
1 / 7
الصوابِ، والاستقامةَ على نهج السّنّةِ وأهلِها ... وَبَعْدُ:
فإنّ هذا الكتاب قد مضى عليه - اليومَ - مخطوطًا - أكثرُ من خمس سنوات؛ ولقد رأيتُ - بعدَ مُشاورةٍ مع بعض إخواننا مِن طلاّب العلم - لُزومَ نشرهِ على الناس؛ إحقاقًا للحقِّ، ونُصرةً لِحُمَاتِهِ، وردًّا للباطلِ، وكَبْتًا لِدُعاتِهِ.
وجزى الله خيرًا كُلَّ مَن كان له يَدٌ في إخراج هذا الكتابِ؛ وبخاصّةٍ ناشِرَهُ (دار ابن عفّان/ القاهرة)، داعِيًا الله - سُبحانَه - لهم بمزيدٍ من التوفيقِ.
فالحمدُ لله على نَعْمائِه، وأسألُهُ - سُبحانَه - المزيدَ من عَطائِه. وسُبحانك اللهمَّ وبحمدك، أشهدُ أنْ لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
عمان
١٨/ محرّم/ ١٤٢٠ هـ
وكتب
محمد ناصر الدين الألباني
أبو عبد الرحمن
1 / 8
مَدْخلٌ
النَّاظِر في تَسْويدات هذا الجاهل (الهَدَّام) يلحظُ قضايا كلِّيةً جامعةً؛ ينكشفُ له - بها - (منهجُهُ) الّذي هو في حقيقتهِ ومآلهِ: لا منهج؛ إلاّ الجهلُ! والهَدْمُ والتطاوُلُ بغير علمٍ! !
* فأوّل هذه القضايا الكلية: أنّ تخريجاته - بل تخريباته - في الغالب مختصرةٌ لا تروي؛ وذلك لأنها على ثلاثة أقسام: الأول: ما يَعْزوهُ للشيخين أو أحدهما، فإنَّه لا يلزمُ أَنَّهُ صحيح عنْدَه، فَإِنَّهُ معروفٌ بأَنَّه لا يُقيمُ وَزْنًا لهما ولا لغيرهما من عَشَرات الحفاظ؛ إذا خالفوا رأيه! فَكَم من حديثٍ صحيحٍ أخرَجاهُ وصَحَّحاه، ضَعَّفَه هو من عنده بجهلٍ بالغٍ في هذا التخريج، وفي تعليقه على طبعَتِه لِكِتابِ "رياضِ الصَّالِحين"! - وبِخاصةٍ فيما ذَيَّلَهُ عليهِ - أمثلةٌ عِدّةٌ، وقد بينت شيئًا منها في آخرِ المُجَلَّدِ الثَّاني من "الصَّحيحَة" الطَّبْعَةِ الجديدة، فانظر مثلًا: الاستدراك (٦).
فإِذا أَطلق العزو إِليْهِما أو إلى أحَدِهِما، فليسَ يَعني بالضَروةِ أنَّهُ صَحيح عنده، فينبغي أَنْ لا يُغتَرَّ به، وقدْ رأَيْته في تعليقه على "مجموعة رسائلِ الشيخ محمد نَسيب الرفاعي ﵀" (ص ١٢٥) قد عزا حديثًا لمُسْلم مقيَّدًا بقوله: "بإِسنادٍ قوي"! وهذا يُلْزِمُهُ أن يُبَيِّن للقراء ما هو الأصل عنده فيما رواه الشيخان أو أحدهما!
الثاني: ما يعزوه لغيرهما من أصحاب "السُّنن" و"المسانيد" وغيرها، فهو
1 / 9
يسكت عنها، ونادرًا ما يُصَرِّح بصِحَّةِ شيءٍ منها أو تحسينها، وأحيانًا يتقَصَّد تعميَةَ صحَّتها؛ إِما بكتمان بيان من صَحَّحها من الأئمة أو الحفّاظ - وقد يكونون ممَّن خرَّجوا الحديث -، وإما بقوله: "رجاله ثقات"، وهذا ليس نصًّا في التصحيح - كما هو معروف عند العلماء -.
الثالث: ما يُضَعِّفه منها؛ فهنا يختلف أسلوبه من الاختصار المُخِلِّ، إلى البَسْطِ المُضِرِّ، فتجدُهُ يصولُ ويجولُ (!)، ويَتَوَسَّع في الكلام على طرق الحديثا، والطعن في الرّواة، ويطيل النّفَس في ذلك جدًا - في عدَّةِ صفحات، وبالحرف الصغير! - متظاهرًا بأَنَّهُ بحَّاثٌ محقِّق، وهو في أكثر الأحيان يكون مُبطلًا ومتجنِّيًا على العلم، ومضعِّفًا لحديث رسول الله ﷺ بغير حُجَّةٍ، ومخالفًا لجَمَاهير الحُفَّاظ والأَئِمَّةِ المتَقَدِّمين، والعلماء المحقِّقين، حتى ليَغلب على الظَّن أنَّه ما قام بالتَّخريج على هذه الصورة - المختصرة من جهة، والمبسوطة من جهة أخرى! - إلا لهدم السُّنَّةِ، وتضعيف أحاديثها، وبخاصَّةٍ ما كان منها في الحضِّ على التَّمسك بالسُّنّة، وما كان عليه السلف الصالح ﵃.
وهو في هذا - كُلِّه - إمّا متَّبعٌ لهواه، أو مقَلِّدٌ لأَمثالِه من أهل الأَهواءِ الَّذينَ لا يتبعون أصولَ العُلَماءِ وقَواعِدَهم الحديثيَّة والفِقهِيَّة، كما كنت أظنّ به هذا في أوَّل اطِّلاعي على بعض تخريجاته، ثم عند مناقشتي إياه في داري - في رمضان سنة (١٤١٢) - تضعيفَه لحديث العِرْباض بن سارِيَةَ - المرفوع -: "عليكم بسُنّتي وسُنّة الخُلفاء ... "، مع كثرة طرُقه، وتصحيح الجَمِّ الغفير من الحفَّاظ والعلماء - له -.
ثم تأَكَّدت من ذلك بعد أن وقفت على تضعيفات أخرى كثيرة - له -
1 / 10
لأحاديثَ صحيحةٍ بطرق ملتوية غير عليية، وبآراء شخصيَّة هزيلة، لا يعجز عنها كلّ مثقف ثقافة عامّة، جاهل بهذا العلم، مغرور! !
* أمّا ثاني قضاياه؛ فإنّه - مع قِلَّةِ في يُصَحِّح أو يحسِّن - فهو يُجمِل الكلام ولا يُفَصِّلُ ولا يبيِّن سبب ذلك؛ بلِ يقول: "صحيح"، أو: "حسن"، ثم يمشي! وعلى القراء أن يُسَلِّموا له تسليمًا، لأنَّه (حَذَامِ)!
ولا يخفى أن بيان الحقِّ في ذلك يكون إمّا بالنَّقلِ عن العلماء - إذا كان ليس منهم - كما هو واقِعُهُ -، أو بِبَيانه هو - إذا كان أَهلًا لذلك - كما يدَّعي هذا المغرورُ بنفسهِ لنفسه -.
وآكد ما ينبغي بيانه إذا حسَّنه ولم يُصحِّحهُ؛ لأنَّ التَّحسين يعني أن في بعض رواتِه ضعفًا، فينبغي الكَشفُ عنه، وعن سبب الضَّعف، حتّى يكون القارئ على بصيرةٍ من أمره.
وأوجب من ذلك كلّه بيان ما إذا كان صحيحًا لغيره، أو حسنًا لغيره، وهذا يستوجب من الباحِث - إِذا كان عالمًا حقًا ومخلصًا صدقًا - أن يتتبَّع الطرق والشواهد التي ترفع الحديث إلى درجة الصحَّهِ إذا كثرت، أو الحسن إِذا قلّت، وكلّ هذا مما لا يعرِّجُ عليه الرَّجل!
ولا أجدُ لذلك وجهًا إلاّ أحد أمرين:
أحدهما: أنَّه لا يتبنى - حقيقةً - ما عليه العلماء في علم المصطلح من تقسيم الحديث الثابت إلى قسمين: صحيح وحسن، أي: لذاته، ثم تقسيمهما إلى صحيح وحسن - لغيره -.
والآخر: أنَّه يتبنى ذلك، ولكنّه لا يستطيع القيام به، أو لا يريد القيام به، لأنَّه تخصَّص في تضعيفِ الأحاديحا الصحيحة بأوهى الحُجَجِ، ولا يهتمُّ
1 / 11
لتقوية الأحاديث الضعيفة بالمتابعات والشواهد، التي من ثمارها الحديث الصحيح لغيره والحسن لغيره عند العلماء، - كما سبق -.
وهذا الأخير هو الذي تدُلّ عليه بعض تخريجاته، أي: أَنَّهُ لا يريد تتبّع الأحاديث الصحيحة أو الحسنة لغيرها - كما ذكرت -. يضاف إلى ذلك؛ أن تحقيق ذلك يتطلّب بحثًا وجهدًا مُضْنِيًا في كثير من الأحاديث، كيف وهو يضِنُّ ويبخل أحيانًا بأن يصرِّح بصحَّةِ إِسناد بعض الأحاديث التي لا تُوافِقُ هواه، ويكتفي فيها بقوله: "رجال إِسناده ثقات"! وحقُّهُ أن يقول: "إسناده صحيح، رجاله ثقات ".
أمّا التقسيم الأول: صحيح وحسن، فهو يستعمله في بعض الأحاديث، على قلَّةٍ - كما تقدَّم -، وبدون بيان، لكنَّه يشَكِّكُ في بعضها أحيانًا بقرنه ذلك بقوله: "إن شاء الله تعالى"! - كما سترى -؛ فلا تدري أذلك منه تحقيقًا أم تعليقًا؟ ! وهذا الآخر هو الأظهر! !
ويعود سبب عدم بيانه لما ذكرنا - من التصحيح والتحسين - فيما تبيّن لي من تتبُّعي لتخريجاته -؛ أن لا يكشف عن منهجه في ذلك، وأنَّه لو فعل لكان (كالباحث عن حتفه بظِلْفِهِ) كما يقال ...
وَلْنُقَرِّبْ ذلك للقراء بمثال: ما صَحَّحَه من الأحاديث أو حسَّنه، لو أنَّه بيَّن السبب للزمه تصحيح أو تحسين أحاديث ضعَّفها هو! فقد تقدَّم أن الحديث الحسن إنما نزل من مرتبة الصِّحَّةِ؛ لأن في بعض رواته ضعفًا، فلو أنَه بيَّن الرّاوي الذي يرميه بالضعف للزمه أن يُحَسِّنَ أحاديثه الأخرى، فهو من أجل ذلك يكتم ولا يبيِّن، ولا سيَّما وهو في كثير من الأحاديث التي يضعِّفها لا يزيد في بيان سبب الضعف على قوله: "فيه فلان وفيه ضعف" - وقد لا
1 / 12
يُسَمِّيه! -، فقوله: "فيه ضعف" - وهذا إذا كان يعني ما يقول - يساوي قول القائل: "وإِسناده حسن؛ لأن فلانًا فيه ضعف"، فلو أنَّه سَمّى الراوي الذي حسّن حديثه لانفضح، وتبيَّن أنَّه لا يلتزم القواعد العلميّة الحديثيّة، وهذا عندي يقين؛ ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾!
وكذلك يقال إذا بيّن أن الحديثَ صحيح لغيره، أو حسن لغيره، فإِنَّه يُلْزَمُ بتصحيح أو تحسين كثير من الأحاديث التي ضعَّفها بعد أن ساق طرقها الكثيرة، وأقرب مثال على ذلك حديث العِرباض، ومع ذلك؛ فإِنَّه لمٍ يتوَرَّع من تضعيفه - كما لمشرى في ردّي عليه رقم (٢) -، وتجد تحته مثالا آخر؛ وهو تضعيفه لحديثْ "اقتدوا باللَّذين بعدي ... "، مع أنَّه خَرَّجَهُ من أربعة طرق، وقد قَوّاه جمع، فلم يلتفت إلى ذلك كلّه! الأمر الذي يُشعر الباحثَ أنَّه لا يعتَدّ بقاعدة تقوية الحديث بكثرة الطرق المعتبرة عند العلماء كافّةً - ومنهم شيخ الإسلام ابن تيميّة ﵀؛ وله بحث عظيم في تأييدها وشرحها، نقلته في رسالتي في "الرّد على ابن حزم في إباحته لآلات الطرب وعلى مقلديه" (١) - ومنهم (الهدّام) هذا، كما سترى تحت الحديث (٧٩) -.
ولذلك لا تكاد تجد له حديثًا يقوّيه اعتمادًا على هذه القاعدةِ، ومثله في هذا بعض الناشئين الجهلة، ولعلَّ منهم مؤلف رسالة: "بذل الجهد في تحقيق حديثي السوق والزهد"؛ فإنَّه ضعّف حديث السوق - وقد خرّجه من سبعة طرق، وأكثرها ليس فيها متّهم -، وقد رددت عليه في بعضِها مِمّا حسن إسناده الحافظ في "الصحيحة" (٣١٣٩).
* وأمّا ثالثُ فواقِرِ هذا (الهدَّام): فإنَّهُ حين يتتبَّعُ طُردا الحديث الذي خطَّط لتضعيفه، ويُخَرِّجها - عازيًا إلى المصادر بأرقام أجزائها وصفحاتها -:
_________
(١) وهي مطبوعةٌ - بحمد الله وتوفيقهِ -.
1 / 13
يتظاهرُ أن ذلك من كدِّه واستخراجِه منها! وإِنَّما هو - حقيقةً - ممن تقدَّمه من المُخَرِّجين من السابقين أو اللاحقين، وقد يضيف شيئًا جديدًا - مصدرًا، أو رَقْمًا - سترًا لسرقته، ولكن الأمر كما قيل: "من أسَرَّ سريرةً أَلبَسَهُ الله رداءها"، وكما قال الشاعر:
ومهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ ... وإنْ خالها تخفى على الناسِ تُعلمِ
وأَكثرُ تخاريجه المُطَوَّلة من هذا القَبيل - في هذا الكتاب وغيره -، ثم هو يسلِّط عليها آراءه الخاصّة في نقدها، مخالفًا في ذلك قواعد أهل الحديث والعلم - كما تقدَّمَت الإشارة إلى ذلك -، وترى تفصيل ذلك فيما يأْتي.
وإِن مما يؤكِّد ما ذكرت أمرينِ:
أَحدهما: أَنَّه من النادر جدًا أن يستدرك على من أشرنا إليه من المخرِّجين طريقًا أو متابعًا أو شاهدًا لم يذكروه، لأنَّ ذلك ينافي تخطيط (الهدَّام) المذكورِ! بل قد يكتم بعض ما ذكروا من الطرق، وبخاصَّةٍ إذا كانت من تخريج الألباني، وبصورةٍ أخصَّ ما كان منها معزوًّا لبعض المخطوطات التي لم ترها عينه، والأمثلة أمامك.
والآخر: أَنَّه قد يقع في نفس الخطإ الذي كنت وقعت أنا فيه - قديمًا - سواءً ما كان منه حديثيًّا أو مطبعيًّا - "ركونًا منه إلى السرقةِ، أو التقليد، وتماشيًا مع الهدم الذي نذر نفسه له.
والأمثلة في ذلك كثيرة، ويحضرني الآن مثالان:
أ - حديث: "إن كنت تحبني فأَعِدَّ للفقر تِجفافًا ... "؛ فقد كنت قديمًا ضَعَّفته في مُقَدِّمَة تخريجي لأحاديث "رياض الصالحين" (ص: هـ طبعة
1 / 14
المكتب الإِسلامي الأولى سنة (١٣٩٩ هـ) (١)، وأَحَلْتُ في بيانه على "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (١٦٨١) - وقد طُبع في مكتبة المعارف سنة (١٤٠٨) -، فوجدها (الهدَّام) لقمة سائغة، فتلقّفها، ولخّص كلامي فيه في سطرين - فقط -، وأودع ذلك في "ضعيفته" التي جعلها في آخر طبعته لى "الرياض "! متفاخرًا بقوله: "وافقني على تضعيفه الشيخ شعيب"، ودون أن يقول: وسبقنا إلى ذلك الشيخ ناصر! فهل يقول: ولَخّصته من كتاب الشيخ ناصر؟ !
ولكني أحمد الله - تعالى - وأشكره على أن هداني ووفّقني للرجوع عن خَطإِي، وذلك بعد أن يسَّر لي الوقوفَ على بعض الشواهد الصحيحة له، فبادرت، فخرّجته، وأودعته في المجلّد السادس من "الصحيحة" برقم (٢٨٢٧)، وهو مطبوعٌ - بحمد الله تعالى -.
ب- حديث: "اللهم اكْفِني بحلالك عن حرامك ... " الحديث، كنت قد خرّجته في "الصحيحة" برقم (٢٦٦) وعزوته للترمذي والحاكم وأحمد (١/ ١٥٣)، فأَخذها لقمة جاهزة - أيضًا -، ويشاء الله - تعالى - أن يفضحه ويكشف سِتْرَه، وسرقته، فقدَّر - سبحانه - علي أن أُخطئ في عزوي إياه
_________
(١) وأما طبعة المكتب سنة (١٤١٢ هـ) فهي غير شرعية؛ إذ قد عبث الناشر بتخريجي المشار إليه آنفًا، وزوَّر تعليقات باسم "تحقيق جماعة من العلماء"؛ وهو كذب وزور، وإنَّما هو شخص جاهل وحاقد، زَوَّر ذلك لترويج كتابه، كما فعل (الهدَّام) في طبعتهِ لـ"الرياض" باسمهِ الأصيل؛ ترويجًا له ومضاربةً منه لطبعة اليكتب الإسلامي الأولى، مع أن الواقع الذي عبّر عنه (الهدَّام) نفسه في بعض تعليقاته عليه أنَّه "مختصره"! ولذلك ترى تاريخ طبعته عين تاريخ طبعة المكتب (١٤١٢)؛ فلا يُدرى أيهما السابق إلى المضاربة؟ !
ثم إن من عجائب الزمان أن يتفقا على محاربة السنّة" وذلك بتكليف الأوّل لـ (الهدَّامِ) أن يعلّق على "مجموعة رسائل الشيخ نسيب الرفاعي ﵀ "، فعاث في تعليقه فسادًا، وأنكر قول مالك: "الاستواء معلوم ... " إِلخ، وغير ذلك من جناياته على السنة، ومع ذلك طبعه صاحب المكتب الإِسلامي، وهدم ما كان بناه في كثيرٍ من مطبوعاته، فسبحان مقلِّب القلوب!
1 / 15
لأحمد، والصواب (عبد الله بن أحمد) ...
وهذا قُلٌّ من جُلّ من سرقاته وتشبّعه بما لم يُعْطَ، يعرف ذلك كل من له مشاركة في هذا العلم، ومعرفة بطريقة تخريجه للأحاديث - وبخاصَةٍ في "ضعيفته"-.
ومن جنايته على هذا الحديث، وخيانته للعلم، أنَّه ضَعَّفَهُ بادِّعاء أنَّ راويَه (عبد الرحمن بن إسحاق) هو (الواسطي) - المجمع على ضعفه -، والواقع أنَّه (القرشي) - كما وقع في رواية (عبد الله بن أحمد)؛ خلافًا لرواية التِّرمذي فليس فيها هذه النِّسبةُ -، فظنَّ بعض شراحه أنَّه (الواسطي)، وبيَّنت سبب ذلك في "الصحيحة"؛ فتجاهل (الهدَّام) ذلك كلَّه - مشاكسةً ومعاندةً للحق -، كما تجاهل تحسين التِّرمذي للحديث، وتصحيح الحاكم والذهبي إيَّاه.
ثم رأَيت نسبة (القرشي) قد وقعت في رواية البيهقي- أيضًا- في "الدعوات الكبير" (١٣٤/ ١٧٧)، كما رأيت إقرار الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (١/ ٣٢٤) التِّرمذي على تحسينه، والحاكم على تصحيحه.
وقد شرحت الرَّد عليه وعلى من سبقه إلى هذا التضعيفِ والتوهّم - كالشيخ شعيب وتلامذته - في الاستدراك (٨) في ذيل المجلّد الأوّل من "الصحيحة" (ص ٩٢٧ - ٩٣٢).
* أمّا ملحظُنا الرابعُ؛ فإنَّ الرجل لا يحمل العِلْمَ ولا يدريه، ولا أدَلَّ على ذلك من عزوه بعض الأحاديث إلى غير مصادرها من الأمهات المعروفة، وقد يكون في "الصحيحين" أو أحدهما، بل قد يعتمد في العزو على بعض المتأخرين؛ كصاحب "كنز العمال" والأمثلة كثيرة، تأتي، فانظُر مثالين برقم (١٨)، وانظر (رقم ٢١ و٣٢ و، و٥٦ و٥٨ و٥٩).
1 / 16
* وأمّا خامسُ طامّاتهِ؛ فإنّه يتبنى بعض الأقوال التي يظن هو أنَّها (قاعدة) - أو يتظاهر بذلك -؛ لأنَّها تساعده في المخالفة لسبيل المؤمنين، وتضعيف الأحاديث الصحيحة، وهي في الواقع تُنافي القاعدة الحقيقيَّة التي عليها استقر قول العلماء، وجرى العمل بها، وهي: الاكتفاء بالمعاصرة في إثبات الاتصال من غير المدلّس:
قال الرجل في رسالته "الحوار" (ص ٦٦):
"وقاعدة جمهور المتقدمين من النقَّاد أن الرّواية تقتضي الاتصال وتدلُّ عليه، إِذا ثبت اللقاء بين المعنعِن والمعنعَن عنه، ولو مرَّة واحدة، وكان الرّاوي بريئًا من تهمة التدليس، وهذا هو الذي عليه رأي الحذَّاق كابن المديني، والإمام البخاري، وأكثر الأئمة".
والرَّد عليه من وجوه:
الأول: قوله: "قاعدة"، و"أكثر الأئمة"! من مبالغاته وتدليساته التي لا تنفكُّ عنه - أو لا ينفكُّ هو عنها -! فليس هناك (قاعدة) بالمعنى المعروف، وإنما هو (رأي) - كما قال أخيرًا - لبعض من ذكر، خولف فيه - كما يأتي -، ومن أكثر الأئمة، - خلافًا لزعمه! -، فقد استقر رأي جماهيرهم - كما سيأتي في نص الإمام النووي - على ما قدّمت من الاكتفاءِ بالمعاصَرةِ بالشرط المذكور.
وكانت الأقوال قبل الاستقرار أربعة:
١ - المعاصرة.
٢ - اللقاء.
٣ - السماع.
٤ - طول الصحبة.
1 / 17
وهي مذكورةٌ في كتب المصطلح، وبخاصة الشروح منها، وقد بَسط الكلامَ عليها الحافظُ السيوطيُّ في "تدريب الراوي" (١/ ٢١٦)، فمن شاء التفصيل رجع إليه.
ولكنْ؛ لا بُدّ من ذكر نص الإمام النووي؛ لأهميّتهِ وكثرة فائدته؛ ليكون القرَّاء على بيّنة من الأمر: قال ﵀ في "التقريب" (١/ ٢١٤ - ٢١٥ - بشرح "التدريب")، وأصلِهِ "إرشاد طلاب الحقائق" (١/ ١٨٥ - ١٨٦):
"الإسناد المعنعن - وهو فلان عن فلان -، قيل: إِنه مرسل؛ والصحيح الذي عليه العمل - وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول -: أنَّه متصل بشرط أن لايكون المعنعِن مدلِّسًا، وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضًا.
وفي اشتراط ثبوت اللقاء وطول الصحبة ومعرفته بالرواية عنه خلاف؛ منهم من لم يشترط شيئًا من ذلك - وهو مذهب مسلم بن الحجاج؛ وادّعى الإجماع فيه -".
وفي هذا النصِّ من الإمام النووي ما يُشعر أنَّه كان هناك اختلاف شديد بين العلماء في شرط الاتصال بين الراويين، ثم استقرَّ رأيهم وعملهم على الاكتفاء بالمعاصرة، وأنَّه شرط أساس، وأنَّ ما سوى ذلك شرط كمال، فإِن وجد فالحمد لله، وإلاّ ففي (المعاصرة) بشرطها خيرٌ وبركةٌ؛ وعلى هذا أصحاب "الصحاح" و"السنن" وغيرهم.
وهذا التفصيل هو الذي قال به الحفاظ من بعدهم؛ فهذا الإمام الذهبي يقوِّي مذهب مسلم حين تعرّض لذكر الخلاف بينَه وبين البخاري بقوله في "السير" (١٢/ ٥٧٣): "وقول الإمام البخاري وشيخه علي بن المديني؛ هو الأصوب الأقوى".
1 / 18
فهذا - منه - كالنِّصِّ على مذهب مسلم صواب وقوي، كما لا يخفى. ونحوه قول خاتمة الحفاظ الإمام ابن حجر العسقلاني - رحمه الله تعالى - في "النكت على ابن الصلاح" (١/ ٢٨٩):
"لأنَّا وإن سلّمنا بما ذكره مسلم من الحكم بالاتصال؛ فلا يخفى أنَّ شرط للبخاري أوضح في الاتصال".
ونحوه في كتبه الأخرى، مثل "مقدِّمة الفتح" و"نزهة النظر"، وعلى ذلك كتب التخريج قاطبةً، لايكاد الباحث يجد فيها حافظًا إلاّ مكتفيًا في التصحيح بالمعاصرة؛ كما سترى فيما يأتي من الأحاديث التي صَحَّحُوها، وعاكسهم (الهدَّام) فضعَّفها - بناءً على قاعدته التي ادَّعاها! -.
على أنني كنت وقفت على قولٍ لبعضهم في شروح المصطلح: أنَّ شرط اللقاء عند البخاري إنَّما هو في "صحيحه" فقط، وكنت متوقِّفًا عنه بُرهةً من الزمن؛ حتى رأيت التِّرمذي قد نقل عنه في "سُنَنِه" (١٢٨) تحسينَ سند حديثٍ؛ فيه مَنْ لا يمكن إثبات لقائه للراوي عنه.
تم رأيتُهُ في "العِلَل الكبير" (١/ ١٨٨ - بترتيب القاضي)؛ وفيه قوله: "هو حديثٌ حسنٌ، إلا أنّ إبرأهيم بن محمد بن طلحة هو قديمٌ، ولا أدري: سمع منه عبد الله بن محمد بن عَقِيل، أم لا؟ ! وكان أحمد بن حنبل يقول: هو حديثٌ صحيحٌ".
وفي ظنِّي أنَّه من الممكن أن يجد الباحث فيه أمثلةً أخرى عند التتبُّع، لكثرة الأحاديث التي يذكر فيه عنه تحسينها أو تصحيحها؛ فَقَوِيَ الظنّ. عندي أنَّه شرط كمال عنده، وليس شرط صِحَّةٍ.
وازداد ظنِّي قوَّةً حين رأيت (أبا حاتم الرّازي) في "العلل" يحسِّن إسناد
1 / 19
حديث تابعيٍّ عن صحابي بحجَّةِ أنَّه أدركه ولم يَلْقَهُ، ولذلك لم يُصَحِّحْهُ، فكان هذا منبِّهًا قويًّا على أنَّ إعلاله - هو وأمثاله - لبعض الأحاديثِ لعدم اللقاء؛ إنَّما هو لنفي الصِّحَّةِ، لا الحُسْنِ، فثبت بذلك عندي أن (اللقاء) شرط كمال، في بحثٍ أودعتُهُ في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (٦٥٤٦).
ولهذا؛ فإِني أسأل (الهدَّام): لِمَ تَبنَّيْتَ شرط (اللقاء) كشرط أساس تُضَعِّفُ به الأحاديث؛ لجهلك بتحقُّقِه فيها؟ !
فإِن قال: لأنَّه أحوط وأقوى!
قلنا: هذا قد يُسَلَّم، ولكن ذلك لا ينفي قوَّة شرط (المعاصرة) - كما تقدّم بيانه من نصوص الحفّاظ - هذا أوّلًا -.
وثانيًا: يلزمك أن تتبَنّى - أيضًا - الشرطين الآخرين: (السماع) و(طول الصحبة)، فإِنَّهما - بلا شك - "أحوط وأقوى"! !
أما نحن: فنلتزم هذه الشروط كُلَّها، مع التفريق بين ما هو شرط صِحَّةٍ - وهو (المعاصرة) -، وما سواه - وهو شرطُ كمالٍ -، ممّا قد تفيد ملاحظتها عند التعارض والترجيح.
ومن حُجَّتنا على هذا (الهدَّام) أمران هامّان جدًا:
أحدهما: أن من المتفق عليه بين علماء المسلمين كافّةً لثبوت الحديث
- شرطيّة (المعاصرة وإمكان اللقاء) مع السلامة من التدليس - كما تقدم -؛ فمن
زاد على هذا شرطًا آخر؛ قيل له: ﴿هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
و(الهدَّام) حين تبنّى شرط اللقاء، وضعّف به حديث: "عليكم بسنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين" - الذي اتَّفق العلماء قاطبةً على صحَّته، مع تعدُّد طرقه - ضعَّفها هو كُلّها بأساليبه الملتوية؛ منها زعمه أنَّه لم يتَحقَّق فيه شرط
1 / 20