حَدَّثَنَا ابْنُ قَضَاءٍ، ثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، ثنا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَغُلَامٌ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ يَحْدُو، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدًا، سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَقُولُ ﷺ: «اجْعَلْ سَيْرَكَ عَلَى مَهَلٍ، فَإِنَّكَ تَسِيرُ بِالْقَوَارِيرِ» فَكَنَّى عَنْ ذِكْرِ النِّسَاءِ بِالْقَوَارِيرِ، شَبَّهَهُنَّ بِهَا لِرِقَّتِهِنَّ، وَضَعْفِهِنَّ عَنِ الْحَرَكَةِ. وَرُوَيْدٌ: تَصْغِيرُ رَوْدٍ. وَالرَّوْدُ: مَصْدَرُ فِعْلِ الرَّائِدِ، وَهُوَ الْمَبْعُوثُ، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي مَعْنَى الْمُهْلَةِ فِي السَّيْرِ وَالْحَرَكَةِ إِلَّا مُصَّغَرًا مُنَوَّنًا. وَمَعْنَاهُ أَرْوِدْ. وَذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ الْعَيْنِ: أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِهِ تَرْدِيدُ الْوَعِيدِ لَمْ يُنَوَّنْ وَأَنْشَدَ:
[البحر الطويل]
⦗١٢٤⦘
رُوَيْدَ تَصَاهُلْ بِالْعِرَاقِ جِيَادَنَا ... كَأَنَّكَ بِالضَّحَّاكَ قَدْ قَامَ نَادِبُهْ
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، أَعْنِي أَنَّهُ كَنَّى بِالْقَوَارِيرِ عَنْ ذِكْرِ النِّسَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: سُقْهُنَّ كَسَوْقِكَ بِالْقَوَارِيرِ. وَالتَّشْبِيهُ تَشْبِيهَانِ: مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ. فَالْمُطْلَقُ: أَنْ يُسَمَّى بِاسْمِ مَا أَشْبَهَهُ، أَوْ تُجْعَلَ لَهُ فِعْلَهُ بِعَيْنِهِ، كَمَا سُمِّيَتِ النِّسَاءُ قَوَارِيرَ لَأَنَّهُنَّ أَشْبَهْنَهَا بِالرِّقَّةِ وَاللَّطَافَةِ وَضَعْفِ الْبِنْيَةِ. وَالْمُقَيَّدُ: أَنْ يُظْهِرَ حَرْفَ التَّشْبِيهِ فَيَقُولَ: كَالْقَوَارِيرِ، أَوْ مِثْلَ الْقَوَارِيرِ، أَوْ كَأَنَّهُنَّ الْقَوَارِيرُ، وَفِي التَّنْزِيلِ: ﴿جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾، ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحديد: ٢١]، فَجَاءَ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا. وَقَالَ: ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ﴾ [الصافات: ٤٩]، وَ﴿كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ﴾ [الطور: ٢٤]، وَهَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِنَ الْمُقَيَّدِ. وَمَنَ الْمُطْلَقِ قَوْلُهُ: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ [النمل: ٨٨]، فَأَوْجَبَ مُرُورَ السَّحَابِ لِلْجِبَالِ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر السريع]
النَّشْرُ مِسْكٌ وَالْوُجُوهُ دَنَا ... نِيرٌ وَأَطْرَافُ الْأَكُفِّ عَنَمْ
⦗١٢٥⦘
وَاعْتَلَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» بِهَذَا الْمَعْنَى، وَنَصَبَ الْهَاءَ مِنْ قَوْلِهِ: «ذَكَاةُ أُمِّهِ» قَالَ: وَمَعْنَاهُ ذَكَاتُهُ كَذَكَاةِ أُمِّهِ، وَلَوْ تَرَكْتَهَا مَرْفُوعَةً عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ لَصَحَّ الِاعْتِبَارُ
1 / 123