ابن حيون :
كنت في صدر شبابي صيادا شابا مليحا، رأس مالي شبكة، وقوام معيشتي سمكة، وكانت تختلف إلى المواضع التي أختلف إليها من النهر للصيد وابتغاء الرزق صبية غسالة حلوة الدلال بارعة الجمال، كأن حديثها السحر الحلال، فانعقدت بيننا ألفة، وكانت لنا مجالس على الماء كأنها أعراس النهر، ولقاءات على الوادي الكبير كأنها أعياد الدهر، أحببت الصبية وأحبتني، وتكلمنا في الزواج وشرعنا نأخذ له أهبته.
أبو القاسم (مقاطعا) :
وبينما أنتما على ذلك طلع عليكما من النهر فلك عليه شارة الملك، يحمل ملكا شابا جميلا، فنظر الصبية فراعه حسنها، وكلمها فأعجبه أدبها، وارتجلت الشعر بين أذنيه فبلغ إعجابه بها الغاية، فتزوجها من يومه فملأت قصوره غبطة وبهجة، وولدت له الشموس والأقمار. هذا حديث الرميكية يا ابن حيون، وهذا خبر زواجها يعلمه كل من في الأندلس ويتناقلونه بالإعجاب، ويتحدثون أن بنت الشعب نزلت قصور الملك من أول يوم نزول الأقمار في هالاتها من عشرين عاما إلى اليوم، قدوة عقائل الأندلس والمثال الأعلى بين أميراته وملكاته.
ابن حيون :
وما كان ذنبي يا أبا القاسم حتى احتقرت حبي واستهانت بخطبتي؟ وكيف تريد مني بعد ذلك أن أكون لصاحبك المعتمد من المخلصين.
أبو القاسم :
هب الأمر كان معكوسا يا ابن حيون، وهب الفلك الذي وقف يومئذ بكما كان لملكة شابة فاتنة الجمال، بيمينها الجاه، وفي شمالها المال، فنظرتك فأحبتك ودعتك لتبني بها وتشاطرها عزة الملك وثراء المال - أتراك كنت تعرض عن الملكة وفاء بعهد الغسالة؟ لا والله يا ابن حيون، ما كنت فاعلا ذلك. وهذا ما فعلت الرميكية: رأت ملكا كبيرا وشبابا نضيرا وفضلا وأدبا غزيرا، فحلت نفسها من ذلك الوداد، وفضلت أصيد على صياد. عرفت يا ابن حيون أن ذنب الرميكية ليس بالعظيم كما توهمت، بقي المعتمد، وأنا لا أجده اقترف إليك ذنبا أو أراد لك ضرا، أنا أقسم لو علم ابن عباد يومئذ بما كان بينكما من الحب وما صرتما إليه من الخطبة ووشك الزواج، لأخذكما في كنفه، وتكفلت لكما نعمته بالزواج ونفقته، وبالبيت وجهازه، وبالضيعة التي تغل عليكما وتبقي بعدكما على الأولاد. (ابن حيون مطرقا)
أبو القاسم :
ابن حيون، ما بالك مطرقا لا تنبس! ما بال عينيك تمتلئان؟ استرح يا أخي للبكاء واسكب دموع الندم.
ناپیژندل شوی مخ