أبو الحسن :
أتذكر يا بني خاتم الزمرد الذي كانت تطوف علينا به في سوق الجوهر، سيدة كهلة من وصائف القصر، وهي تبحث عن توأم للفص وتلتمسه فلا تجده؟
حسون :
نعم يا أبي، وأذكر أنها كانت تنسب الخاتم للأميرة بثينة، وتصف رغبة الأميرة في الحصول على فص يكون في حجمه وصفاء لونه وسلامته من العيب، ليكون لها من الجوهرتين قرط عزيز المثال.
أبو الحسن :
فاعلم إذن يا بني أنني كنت منذ حين في سوق الجوهر، فما راعني إلا رجل قوي من قواد المغاربة قد جعل يطوف على التجار يعرض عليهم حلية، فأخذتها عيني فإذا هي خاتم الأميرة بفصه، فتريثت إلى أن كف المساومون وكان آخر ثمن بذل في الخاتم ثلاث مائة دينار، وكان التجار يقولون للرجل لو جئتنا بصنو هذا الحجر لنقدناك فيها الألف أو زدنا. وهنا أومأت إلى الرجل أن يتبعني فتبعني، فانتبذت به ناحية وقلت له: أنا آخذ الخاتم بالثلاث مئة وأزيدك عليها مئة، إن أنت أصدقتني الخبر عن مصدره وكيف وصل إليك ومن أي المعادن التقطته؟ فانبسط الرجل وتهلل وقال: هذه الحلية يا سيدي لجارية من قصر ابن عباد وقعت لي سبية يوم هجومنا على إشبيلية، فنقلتها إلى داري فلم أجد عليها غير هذه الحلية، وكانت في يدها فأخذتها، وأما الجارية فلم أجدها مغنما بل مغرما فإنها سقيمة مستسلمة للأحزان، طعامها قليل، ونومها غرار، ودمعها لا يرقأ حزنا على سادتها. ونحن لا نحب من النساء إلا القويات الصحيحات الأبدان، ولا أكتمك يا سيدي أني بأمر الجارية تعب وبودي لو تخلصت منها. فقلت له: خذ الآن الأربع مئة دينار مباركا لك فيها. واعلم أنني طبيب مولع بالمشاهدة والتجريب، كثير الاعتناء بالمريض البائس، فلو مضيت بي إلى بيتك لعلني أنظر الجارية فأعرف علتها وأصف لها دواءها أو أخفف آلامها. فقمنا فمضينا حتى انتهينا إلى داره، وهناك أدخلني على الجارية المريضة فدنوت منها وقلت لها: عوفيت يا جارية ولا خوف عليك إن شاء الله تعالى.
حسون :
والنونة يا أبت؟
أبو الحسن :
رأيتها يا حسون فوجدتها فوق ما كنت تصف لي لطفا وجمالا. والتفت إلى القائد البربري فقلت له: أوتعطيني هذه الصبية أيضا وأنا أتمها لك خمس مائة؟ فتهلل الرجل وارتاح وقال: خذها يا سيدي وأرحني منها وداوها أنت فعساها تصح على يديك، فنقدته المائة الخامسة وحملت الصبية فوق ذراعي وخرجت بها فركبت جوادي وأركبتها خلفي وانطلقت حتى بلغت الدار.
ناپیژندل شوی مخ