فصادقت أم يوسف على كلامها، وقصت عليهن قصة القديسة هندية التي كان ملك الجان يأتيها ليلا في شكل تيس من المعزى، فتركب عليه وتذهب به إلى بلاد الصين، وتعود منها بالحرير تدفعه إلى الخواجه جاماتي، وتذهب وترجع في ليلة واحدة من غير أن يشعر بها أحد، قالت: وقد اغتنى الخواجه جاماتي من الحرير الذي جلبته له من بلاد الصين، وها داره أمامنا على قمة سبنيه ولولا ذلك ما استطاع رجل فلاح أن يبني دارا مثل دور الأمراء.
فقالت الأميرة سلمى: سمعت أبي يقول إن الجاماتي كان يدين الأمراء، ويستد الحرير منهم بثمن بخس، ثم يبيعه لتجار الإفرنج بثمن غال وهذا سبب غناه.
فقالت لها أمها: من أين عرف أبوك ذلك والجاماتي نفسه يقول إن الحرير يأتيه من الصين؟!
فقالت الأميرة صفا: الحق مع سلمى، وأنا سمعت أن ميخائيل طوبيا صار أغنى من قارون من مشتراه الحرير من الأمراء والفلاحين بثمن بخس، وبيعه لتجار الإفرنج في مرسيليا.
فقالت أم يوسف: أنا لم أسمع أن ميخائيل طوبيا استخدم الجن مثل الجاماتي، ولكن لا أحد ينكر السحر واستخدام اللعين - خزاه الله. ثم قصت قصة رجل أراد آخر أن يقتله غيلة، فأتى أحد السحرة، وكتب له كتابة سحرية على قطعة من الشحم، ومضى وعلقها في مغارة عميقة، فجعلت الكتابة السحرية تذيب الشحم رويدا وريدا، وكلما ذاب منه شيء نحل جسم الرجل، حتى كاد يموت سلا وعجز الأطباء عن شفائه، وأخيرا استشاروا له أحد السحرة، فعرف بسحره أمر الشحمة، ففتشوا عنها حتى وجدوها ونزعوا الكتابة عنها، فسلم الرجل من الموت ثم شفي، ولولا ذلك لمات لا محالة.
فقالت سلمى: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يستعين الولاة بالسحر على التخلص من أعدائهم بدل المخاطرة بأنفسهم ورجالهم؟! أنا لا أصدق شيئا من ذلك.
فقالت أم يوسف: هاك قصة جرت للمرحوم أبي يوسف بالقرب من المكان الذي نحن فيه الآن، كان ذات ليلة راجعا من بيروت، وكان القمر بدرا، فلما وصل إلى الوروار سمع غناء وزغردة، فظن أن على الطريق أناسا آتين بعروس، ثم لما قرب من المطحنة علا الصوت كثيرا، وأتاه أربعة أولاد وهم يصفقون ويغنون ويقولون: يا أبا يوسف يا أبا يوسف، تعال انظر العروس. فسار معهم رغما عنه، حتى إذا وصل إلى قرب الماء رأى عروسا مجلوة وحولها جمهور غفير من الرجال والنساء، وهم بالحلى والحلل فقبضوا عليه وقالوا له: هلم نكتب الكتاب. فصلب يده على وجهه، فانشقت الأرض وابتلعت العروس وكل الذين كانوا معها. ولما قالت أم يوسف ذلك ارتجفت مفاصل الأميرة هند والأميرة صفا، وأما سلمى فقالت: إني معلمي قص علي قصة من هذا القبيل، وهي أنه كان سائرا مرة في طريق لم يسر فيه من قبل، فوصل إلى بئر سمع صوتا خارجا منها، فأطل وإذا في قعر البئر نساء يستقين ماء، فلم يشك أنهن من الجن، فأسرع العدو، ولما أتم غرضه من المكان الذي كان ذاهبا إليه خاف أن يعود في الطريق الذي ذهب فيه، فعاد في طريق آخر يمر من تحت البئر، وكان هناك درج يوصل إلى أسفل البئر والنساء ينزلن به ويستقين من الماء، فلو لم يمر في ذلك الطريق لاعتقد أنه رأى نساء الجن في البئر.
فقالت لها أمها: لا يمكننا إلا التصديق بوجود الجن، وأبوك يصدق بوجودهم والمطران أيضا، وكل واحد يصدق بوجودهم، وهم الذين رجموا بيت خالك بالحجارة، فقد فتشنا عن الراجمين كل مكان ولم نر أحدا. وقالت الأميرة صفا: دعونا من هذا الحديث، فقد صرت أخاف من خيالي ولا يمكنني أن أنام وحدي الليلة.
وقصت أم يوسف عليهن قصصا أخرى مضحكة فأطربتهن بعد أن خوفتهن بقصص السحر والجن، فمضى النهار ومالت الشمس إلى المغيب وهن لا يشعرن، ولما مر الأمير أحمد والتفت إليهن، ثم غض طرفه نظرت أم يوسف إلى الأميرة صفا، ثم نظرت كلتاهما إلى الأميرة سلمى فرأتاها قد احمرت وأطرقت إلى الأرض، فتغامزتا ولم تقولا شيئا، وكان العبيد قد أتوهن بالخيل فركبن وعدن إلى بيوتهن.
ودخلت الأميرة هند غرفة ابنتها في المساء، وقالت لها: أين كان أحمد يا ترى؟ الظاهر أنه لم ينظرنا، ألم تغيري فكرك من جهته؟ تقول خالتك إن عمه وأولاد عمه يحسبونه رئيس العائلة وركنها.
ناپیژندل شوی مخ