قال: «نعم واختصر.»
فقال: «أسألك بالله إن مررت بدار بعض أصحابك ورأيتها خيرا من دارك فما كنت صانعا ؟» يشير إلى ما كان في نفس الرشيد من جعفر من إكبار ما بلغ إليه من الثروة والنفوذ.
ففهم جعفر مراده فقال: «حسبك قد فهمت، فما الرأي؟»
قال: «أرى إذا صرت إلى أمير المؤمنين وسألك عن تأخرك، فقل إنك كنت في القصر الذي بنيته لمولانا المأمون، واجعل أنك بنيته له.»
فأعجبه رأيه وأقام بالقصر بقية ذلك اليوم ثم ذهب إلى قصر الخلد ودخل على الرشيد. وكان الجواسيس قد نقلوا إليه خبر بناء هذا القصر، ولم يكن في قصور الخلفاء مثله، فقال له: «من أين أتيت وما الذي أخرك إلى الآن؟»
قال: «كنت في القصر الذي بنيته لمولاي المأمون شرقي دجلة.»
فقال الرشيد: «أللمأمون بنيته؟»
قال: «نعم يا أمير المؤمنين؛ لأنه ليلة ولادته جعل في حجري قبل أن يجعل في حجرك، واستخدمني أبي له فدعاني ذلك إلى أن اتخذت له بالجانب الشرقي قصرا لما بلغني من طيب هوائه ليصح مزاجه ويقوى ذهنه ويصفو.»
فلما سمع الرشيد قوله سري عنه وأسفر وجهه ووقع عنده موقع القبول وقال: «والله لا يسكنه أحد سواك، ولا أتمم ما يعوزه من الفرش إلا من خزائننا.» وزال من نفس الرشيد ما كان يخامره.
فلما أوقع الرشيد بالبرامكة سنة 187ه واستباح قصورهم وأموالهم، انتقل القصر إلى المأمون بن الرشيد، وهو ولي عهد المسلمين بعد الأمين، فأحبه المأمون وهو يومئذ في ريعان الشباب، وصار أحب الأمكنة وأشهاها لديه، وأخذ في توسيعه من جهة البرية، فأضاف إليه قطعة من الأرض جعلها ميدانا لركض الخيل والحلبة في أيام السباق واللعب بالكرة والصولجان، وبنى في جوانب القصر حظائر حبس فيها أصناف الوحوش من السباع وغيرها، وفتح له بابا شرقيا يشرف على البرية، وأجرى فيه نهرا ساقه من نهر المعلى، وابتنى قريبا منه منازل لخاصته وأصحابه وسمي القصر من ذلك الحين «القصر المأموني»، وعرفت تلك الجهة بجهة المأمونية، وصار فيها بعد ذلك طريق اشتهر بهذا الاسم في بغداد.
ناپیژندل شوی مخ