على هذه اللغة قول الفرزدق (١).
يا خليلىّ اسقيانى ... أربعا بعد اثنتين
من شراب كدم الجو ... ف يحرّ الكليتين
واصرفا الكأس عن الجا ... هل يحيى بن حصين
لا يذوق اليوم كأسا ... أو يفدّى بالأبين
وعلى هذا المذهب ثنّاه المتنبي فى قوله (٢):
تسلّ بفكر فى أبيك فإنّما ... بكيت فكان الضّحك بعد قريب
فوزن أباها وأبيك: فعاها وفعيك، وحذفا منهما النّونين للإضافة.
والثانى: أن يكون المراد بقوله «أباها» واحدا، على لغة من قال: هذا أبا، ورأيت أبا، ومررت بأبا، فأبدل من الواو التى هى لام الفعل ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، إذا الأصل فيه: أبو كقلم، فجاء به على حدّ عصا، ويدلّ على أنه فى الأصل فعل مفتوح العين جمعه على آباء، فجاء على حدّ جبل وأجبال، وهذه اللغة رواها أبو العباس ثعلب.
والثالث: أن يكون معنى قوله: «من أباها» من كان لها أبا، فأباها على هذا فعل كقولك: رآها، من قولهم: أبوت ثلاثة: أى كنت أبا لثلاثة.
ورووا أن أعرابيّا وقف على قوم فسألهم فقال: إنى أبوت عشرة، وأخوت عشرة، وأنا اليوم وحيد، فرحم الله من أمر بمير أو دعا بخير.
وقوله: «تزهى» من الزّهو، الذى هو الكبر، لا يستعملونه إلا مضموم الأول
(١) لم أجد هذه الأبيات فى ديوان الفرزدق المطبوع، وهى له فى الموضع المذكور من اللسان.
(٢) ديوانه ١/ ٥٤.