امالي ابي طالب ع
أمالي أبي طالب ع
ژانرونه
إني أحذركم الدنيا، فإنها غرارة لا تعدو إذا هي تناهت إلى أمنيتها، ما قال الله عز وجل: {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا}[الكهف:45]، مع أن كل من نال منها حبرة أعقبته عبرة، ولم يلق من سرائها بطنا إلا منحته من ضرائها ظهرا، غرارة غرور ما فيها، لا خير في شيء من زادها إلا التقوى، من قلل منها استكثر مما يؤمنه، ومن استكثر منها لم تدم له ولم يدم لها، كم واثق بها ومطمئن إليها قد خدعته، وذي تيه(1) منها قد اكبته لليدين والفم، سلطانها دول، وصفوها كدر، وحيها بعرض موت، وآمنها بعرض خوف، وملكها مسلوب، وجارها محزون، ومن وراء ذلك سكرة الموت وزفرته، وهول المطلع، والوقوف بين يديي الحكم العدل، {فهناك تبلوا كل نفس ما أسلفت، وردوا إلى الله مولاهم الحق، وضل عنهم ما كانوا يفترون}، {فيجزي الذين أساؤا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى}، ألستم ترون وتعلمون أنكم في منازل من كان قبلكم، كانوا أطول منكم أعمارا، وأشهر منكم آثارا، وأكثر منكم جنودا، وأشد منكم عمودا، تعبدوا للدنيا أي تعبد، ونزلوا بها أي نزول، وآثروها أي إيثار، فهل بلغكم أن الدنيا سمحت لهم؟ بل أهلكتهم بالخطوب، ودهمتهم بالقوارع، وهل صحبتهم إلا بالتعسف؟ وهل أعقبتهم إلا النار؟ أفهذه تؤثرون، أو فيها ترغبون، والله تبارك وتعالى يقول: { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون}، بئست الدار لمن لم يتهمها، ولم يكن فيها على وجل، اعلموا وأنتم تعلمون أنكم لا بد تاركوها، إنها كما قال عز وجل: لعب ولهو {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد}.
فاعتبروا بمن قد رأيتم من أخوانكم صاروا في التراب رميما، لا يرجى نفعهم، ولا يخشى ضرهم، وهم كمن لم يكن، وكما قال الله عز وجل: {فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا}، استبدلوا بظهر الأرض بطنا، وبالأنس غربة، وبالأهل وحدة، غير أن قد ضعنوا بأعمالهم إلى الحياة الدائمة، أو الشقوة اللازمة، فيا لها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة، أو أن تؤديه أيامه إلى شقاوة.
جعلنا الله وإياكم ممن لا تبطره نعمة، ولا تعظم به عن طاعة غاية، ولا تحل به شقوة، فإنه لطيف لما يشاء بيده الخير، وهو على كل شيء قدير صلى الله على رسول الله، وعلى جميع أهل بيته الطاهرين، وعلى أنبيائه أجمعين، وعلى آله المؤمنين من أهل بيته الطاهرين الأخيار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا(1).
أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد البغدادي، قال: حدثنا عبدالعزيز بن إسحاق بن جعفر الزيدي، قال: حدثني محمد بن الحسن، قال: حدثنا أحمد بن عمر، قال: حدثنا محمد بن كثير الكوفي، عن أبي خالد عمرو ابن خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه،
عن جده عليه السلام، قال: خطب علي عليه السلام الناس، قال في خطبته:
مخ ۲۱۴