أخبَرَنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا عبد الله الحميدي، قال: أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل بن بشران قال: أخبرنا أبو الحسين بن دينار، قال: أنبأنا أبو طالب عُبيد الله بن أحمد الأنباري، قال: حدثنا يموت بن المزرَّع، عن المبرد، قال: حدثني أحمد بن المعدّل البصري قال: كنت جالسًا عند عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون فجاءه بعض جلسائه فقال: أعجوبة. قال: ما هي؟ قال: خرجتُ إلى حائطي بالغابة فلمّا أن أصحرتُ وبعدتُ عن البيوت، بيوت المدينة، تعرَّض لي رجل فقال: اخلع ثيابك. فقلتُ: وما يدعوني إلى خلع ثيابي؟ قال: أنا أولى بها منك قلت: ومن أين؟ قال: لأني أخوك وأنا عُريان وأنت مكسُوٌّ، قلت: فالمواساة. قال: كلاَّ، قد لبستها بَرْهَة وأنا أريد أن ألبسها كما لبِسْتَها، قلت: فتُعرِّيني وتُبدي عورتي، قال: لا بأس بذلك. قد روينا عن مالك أنه قال: لا بأس للرجل أن يغتسل عُريانًا، قلتُ: فيلقاني الناس فيرون عورتي، قال: لو كان الناس يرونك في هذه الطريق ما عرضتُ لك فيها، فقلتُ: أراك ظريفًا فدَعني حتى أمضي إلى حائطي وأنزع هذه الثياب فأُوجِّه بها إليك، قال: كلاَّ، أردتَ أن توجَّهَ إليَّ أربعة من عبيدك فيحملوني إلى السلطان فيحبسني ويُمزِّق جلدي ويطرح في رجليَّ القيد، قلتُ: كلاَّ، أحلف لك أيمانًا أنِّي أَفِي لك بما وعدتك ولا أسؤك، قال: كلاَّ، إنّا روينا عن مالك، أنَّه قال: لا تُلزَم الأيْمَان التي يُحلَف بها للصوص، قلتُ: فأحلفُ أنِّي لا أحتال في أيماني هذه، قال: هذه يمين مُركَّبة على أيْمان اللُّصوص. قلتُ: فَدَع المناظرة بيننا فوالله لأوَجِّهنَّ إليك هذه الثياب طيِّبة بها نفسي، فأطرق ثم رفع رأسه وقال: تدري فيم فكَّرت؟ قلتُ: لا قال: تصفَّحتُ أمرَ اللُّصوص من عهد رسول الله ﷺ إلى وقتنا هذا فلم أجد لِصًّا أخذ نَسِيئَة، وأكره أن أبتدع في الإسلام بِدعة يكون عليَّ وزرها ووزر من عَمِلَ بها بعدي إلى يوم القيامة، اخلَع ثيابك، قال: فخلعتُها ودفعتُها إليه. فأخذها وانصرف.
حدثني مهلهل بن يموت بن المزرَّع، قال: سمعتُ أبي يموت بن المزرَّع، يقول: سمعتُ خالي عمرو بن بحر الجاحظ، يقول: لمّا قَدِمَ أشعب الطمّاع من المدينة إلى بغداد في أيام المهدي، تلقّاه أصحاب الحديث، لأنه كان ذا إسناد، فقالوا له: حدِّثنا، فقال: خذوا، حدثني سالم بن عبد الله، وكان يبغضني في الله، قال: خصلتان لا تجتمعان في مؤمن، وسكت، فقالوا: اذكرهما، فقال: نسيَ سالم إحداهما، ونسيت الأخرى؛ فقالوا: حدثنا عافاك الله بحديث غيره، فقال: خذوا، سمعتُ ظُلمة تقول، وكانت من عجائزنا: إذا أنا متُّ فاحرقوني بالنار، ثم اجمعوا رمادي في صُرَّة، فأتربوا به كُتُب الأحباب فإنهم يجتمعون لا محالة، وآتوا منه الخاتنات ليذرُرْنه على أحراح الصَّبيّات فإنَّهنَّ يلهجنَ بالزُّبِّ ما عشنَ. وقال ابن يسار الكواعب يُضرَب بظُلمة المثل " من المتقارب ":
بُليتُ بورهاءَ زَنَمْرَدَةٍ ... تَكادُ تُقَطِّرُهَا الغُلمة
تَنِمُّ وتَعْضَهُ جاراتها ... وأقْوَدُ بالليلِ من ظُلمة
فمن كلِّ ساعٍ لها ركلةٌ ... ومن كلِّ جارٍ لَها لطمة
حدثني يموت بن المزرَّع قال: كان بالشام معلم رقيع طينة مشهور بشتم الصبيان " فذهبنا إليه نلومه " فقال: اقعدوا حتى تسمعوا فإن كنت معذورًا وإلاّ فلوموا، قال: فقعدنا، فقرأ عليه صبيٌّ منهم: هم الذين يقولون لا تنفقوا إلا من عند رسول الله. فقال: كذبت يا ماصّ سلحه، أتلزم رسول الله ﷺ نفقة لا تجب عليه وهو لا يملك مالًا؟ قال: فضحك " وضحكنا ". ثم قرأ آخر: عليها ملائكة غلاظ شداد يعصون الله ما أمرهم ولا يفعلون ما أمرهم ولا يفعلون ما يؤمرون. فقال: يا ابن الفاعلة هؤلاء أكراد شُهَّاد زور ليسوا ملائكة. قال: فضحك وضحكنا؛ وقلنا: ما نلومك بعد هذا.
أخبرنا أبو المعالي محمد بن يحيى بن علي القرشي، بجامع دمشق، أنا أبو الفرج سهل بن بشر بن أحمد الإسفراييني، أنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن الطفَّال بمصر، أنا أبو محمد الحسن بن رشيق العسكري، أنا أبو بكر يموت بن المزرَّع البصري، ثنا رُفيعة بن سلمة دماذ، عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال:
1 / 17