امل او يوتوپيا په ارنست بلوخ فلسفه کې

عطیات ابو السعود d. 1450 AH
88

امل او يوتوپيا په ارنست بلوخ فلسفه کې

الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ

ژانرونه

وبذلك يتلاقى العامل الذاتي (كإمكان للتحول الذي لم يتم) مع العامل الموضوعي (كإمكان لم يتم أيضا لتحويل العالم وتغييره) وكل ذلك في إطار الشروط والقوانين التي تعين ذلك الإمكان ومدى قابليته للتحويل أو التحول، دون مبالغة أو تغليب لأحد العاملين المتشابكين على الآخر، حتى لا ينحرف ذلك التشابك أو التلاحم الجدلي ويتمزق ضحية ذاتية مثالية متعالية، أو ضحية موضوعية وضعية جامدة أو ميكانيكية فجة ... وعندئذ يصبح البشر صانعي تاريخهم ومنتجيه الواعين، ويصبح العالم أو الواقع هو عالمهم وواقعهم المتغير والمتحول «يتوسطهم» وغير المغترب عنهم ولا المغتربين عنه. بهذا يتحقق صنع التاريخ أو إنتاجه الواعي، وتظهر مكنوناته وإمكاناته في صورها المختلفة، ويتغير المجتمع والطبيعة من جذورهما، ويظهر الموضوع الذي لم «يتشيأ» في وحدته الحميمة مع الذات التي لم تغترب. هذه الذات العاملة المنتجة التي كانت وسوف تبقى هي «العلة الذاتية» للتحول والتغيير، أي لتحقيق الإمكانات الواقعية في أفق المستقبل الواقعي.

82

أما عن هذا المستقبل الواقعي الذي ينتهي فيه اغتراب تلك الذات العاملة والواعية ويقضي على اغترابها واستغلالها واستعبادها، كما ينتهي كذلك اغتراب العالم والطبيعة الخارجية التي لا تصنعها هذه الذات، وإن كانت تؤثر عليها «وتؤنسنها» بتوسطها، فإن معالمه ستتضح عند الكلام عن «اليوتوبيا الواقعية» التي رسم ماركس ملامحها، وجاء بلوخ فعمق هذه الملامح بحيث أصبحت هي «وطن» الحرية والإخاء البشري الذي يسكنه؛ على حد تعبير جوته في نهاية فاوست: «شعب حر يعيش على أرض حرة.» ويحقق الإمكان الذي يقبل التحقق كما يتحتم أن يتحقق.

والآن ماذا أضافت مقولة الإمكان - التي اتهم بلوخ الفلاسفة بإهمالها طوال التفكير الفلسفي - بطبقاتها أو مستوياتها المتعددة إلى الفكر الفلسفي من ناحية، وما أهميتها في فلسفة بلوخ السياسية من ناحية أخرى؟ يمكن القول بأن الانفتاح الهائل لمقولة الإمكان على المستقبل جعل مهمة التفكير المقولاتي لا تقتصر على المعرفة، وإنما تتدخل بشكل إيجابي في مسيرة العملية الكونية، ولذلك يمكن القول بأنها أنطولوجية وعملية أو سياسية، بقدر ما هي منطقية ومعرفية. ولو وقف بلوخ عند هذا الجانب النظري الأخير لكان متناقضا مع روح فلسفته الثورية ومقاصدها العملية والسياسية. ولذلك يكون من الطبيعي أن يحاول رفع التناقض بين النظرية والتطبيق، وبين الفكر والوجود، لأن العمل والنجاح فيه هما اللذان يتجه إليها في نهاية الأمر أي تفكير صحيح وصادق. ولذلك فإن التفكير يملك الكلمة الأولى في التعبير عن منطق العصر، ولكنه من ناحية المهمة التي ينبغي الالتزام بها لا يملك الكلمة الأخيرة، لأن هذه ملك الفعل والتغيير. بيد أن الفعل أو العمل مستحيل بغير التصور أو المفهوم، وهذا الأخير هو قائد التحول الثوري ورائد الوصول إلى الهدف الصحيح.

والمهم في النهاية أن النظر في تفاعل مستمر مع العمل، وأن العلية هنا متبادلة وليست من طرف واحد. فالعمل أو التطبيق العملي مرتبط بالنزوع الموضوعي الكامن في الوجود الواقعي، والنزوع الموضوعي يمكن معرفته عن طريق دراسة التطور التدريجي لإمكانات ذلك الوجود. ومن ثم يكون العمل أو التطبيق العملي هادفا باستمرار، كما يكون العمل أو الفعل متطابقا مع النزوع المدروس بدقة وعناية لتمييزه عن أي نزوع كان أو غير ناضج. وهكذا نجد أن نجاح العمل لا يتوقف فحسب على التحديد الفكري أو المقولاتي، وإنما يعتمد كذلك على إمكان التحقيق العملي لإحداث التغيير الحقيقي. وكل هذا مترتب بالضرورة على كون الماهية الكامنة في الوجود الفعلي لم تصبح واقعا حقيقيا بعد، وأنها تظل في حاجة إلى التحديد الفكري والمعرفي بقدر حاجتها إلى التحقيق العملي والواقعي. إنها الماهية التي تتطلب باستمرار الظهور والتحديد بصورة تقترب من الكمال بقدر الإمكان، كما تنتبه على الدوام إلى الإمكانات الواقعية والموضوعية التي تنزع إلى التحقق وتدعو الإرادة والعقل إلى تحقيقها في الواقع بعد تحديدها في المفهوم والتصور. ولا بد هنا من تدخل العامل الذاتي في إطار العملية التاريخية ووفق خطة اقتصادية واجتماعية محددة لإبراز الممكن العيني إلى حيز التحقيق.

ثالثا: أنطولوجيا المادة

يقود الحديث عن مقولة الإمكان، وهي أهم مقولات أنطولوجيا ال «ليس-بعد»، إلى مشكلة هامة في فلسفة بلوخ، ألا وهي مشكلة المادة. لقد كانت المادة هي مبدأ الشر والباطل والمظهر الخداع في فلسفات سابقة مثل الأفلاطونية والأفلاطونية المحدثة والغنوصية؛ إذ كانت هي ذلك الجزء من الوجود الذي ينبغي تجاوزه، وكان العالم المادي في فلسفات أخرى هو عالم اللاحرية والحتمية والتبعية، وكلما نسب إلى العالم المادي قدر من الواقعية كانت النتيجة هي ثنائية المادة والروح، وكلما سلبت المادة من واقعيتها وأصبحت مجرد مظهر خداع كانت النتيجة هي الواحدية الروحية. وفي الحالين كان ينظر للعالم الطبيعي نظرة احتقار، وكأن ماهية الوجود لا مكان لها إلا في عالم آخر مختلف تماما عن العالم الطبيعي المادي. لذلك لم يكن تاريخ الخلاص تاريخا للعالم، بل كان هروبا من العالم ومن الواقع العيني داخل العالم فكان - كما هو الحال عند أوغسطين - نوعا من الفرار من «المدينة الأرضية» إلى «مدينة الله». وبالمثل كانت كل اليوتوبيات الدينية روحانية، ولو أمكن أن نجعل مضمونها جزءا من العالم نفسه بحيث يكون هو أفضل شكل ممكن للمجتمع البشري يقضي فيه على الظلم والحاجة، عندئذ يصبح التفكير اليوتوبي تفكيرا واقعيا، ويكون السؤال عن الشروط المادية اللازمة لقيام «مملكة الحرية» التي هي القصد والهدف البعيد لفلسفة بلوخ اليوتوبية. (1) مفهوم المادة عند بلوخ

تتركز الفكرة المحورية لبلوخ عن المادة في أنها الرحم الخصب الذي تتولد عنه كل الأشكال الممكنة، وتخرج منه دائما مختلف أنواع الواقع المتجدد. ويبدأ بلوخ بتعريف المادة بمحاولة الاقتراب منها عن طريق التعرف السلبي، أي بتجريدها من المفاهيم غير الجدلية. فليست المادة كتلة ميتة، تحرك بالضغط والدفع وتبقى هي هي بلا تغيير. وحتى إذا فهمت علاقتها الصرورية بالحركة، فليست هي المادة التي ترجع دائما إلى نفس الصور والأشكال القديمة التي خرجت منها؛ إذ لا يصدق هذا إلا على المادية الآلية التي رفع عصر التنوير من شأنها، وتصور أن مفهومه عنها مفهوم ثوري، ثم أصبحت بعد ذلك هي المادية الساذجة أو المادية الشعبية. وليست هي المادية التي ينظر إليها المثاليون ورجال الدين نظرة التعالي والازدراء، ويسلبونها حق الميلاد الذي أعطى لها منذ الفلاسفة قبل سقراط وأرسطو و«اليسار» الأرسطي من ابن سينا وابن رشد إلى عصر النهضة، حتى أصبحت هي الطبيعة الطابعة عند جوردانو برونو ثم اسبينوزا من بعده، ومنذ أن تغنى بها الشاعر الروماني لوكريتس (من حوالي 96 إلى حوالي 55ق.م.) في مطلع قصيدته «الأبيقورية» عن «طبيعة الأشياء».

أنت يا من ترفعين الكائنات إلى ضوء النهار،

يا من تجودين بكل بهجة وتنعمين بكل رقة ولطف،

ناپیژندل شوی مخ