بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله منتهى أمل الآملين. مضاعف عمل العلماء العاملين، الذي رفع منازل الرجال على قدر رواياتهم لعلوم النبي والآل، عليهم أشرف الصلوات من الله الكبير المتعال.
وبعد: فيقول الفقير إلى الله الغني محمد بن الحسن بن علي الحر العاملي المشغري: قد خطر في خاطري وبالي ومر بفكري وخيالي ان أجمع علماء جبل عامل ومؤلفاتهم وباقي علمائنا المتأخرين ومصنفاتهم، إذ لم أجدهم مجموعين في كتاب، وإن وجد بعضهم في كتب الأصحاب. والله الهادي إلى الصواب.
وينقسم الكتاب إلى قسمين، وتنتظم جواهره في سمطين، وسميته (أمل الآمل في علماء جبل عامل)، وان شئت فسمه (تذكرة المتبحرين في العلماء المتأخرين)، وان شئت فسم القسم الأول بالاسم الأول والقسم الثاني بالاسم الثاني.
وقد أتعبت الفكر في جمعه وترتيبه، وبذلت الجهد في تحقيقه وتهذيبه وصرفت النظر نحو تحريره، أنفقت مدة طويلة في تحبيره، تسهيلا للاخذ والتناول، وتقريبا للتحصيل والتداول، وصرحت باسم المؤلفين والمؤلفات وما انقل منه من الإجازات والتصنيفات، لكثرة وقوع الاشتباه في الرموز والإشارات.
ولابد من تقديم مقدمة فيها فوائد اثنتي عشرة تناسب المقصود:
مخ ۳
(الأولى) (في أنه ينبغي معرفة الرجال الذين يروون أحاديث النبي والأئمة) (عليهم السلام)
لا يخفى على المنصف ان أحوال الرواة من كونهم ثقات يؤمن منهم الكذب وكونهم علماء صلحاء زهادا عبادا فضلاء صادقين مؤلفين ونحو ذلك من القرائن الدالة على ثبوت رواياتهم وصحة أحاديثهم، فقد يكون خبر واحد واثنين من هؤلاء مفيدا للعلم، وقد يكون خبر الثلاثة والأربعة تواترا مفيدا للعلم فضلا عما زاد على ذلك العدد.
وهذا أمر وجداني يجزم به العاقل في أخبار الدنيا والدين إذا خلا ذهنه عن شبهة وتقليد، ولا نقول انه كلي، فلا يرد علينا اعتراض.
وقد صرح صاحب المعالم وغيره من المحققين بأن أحوال الرواة من جملة القرائن المفيدة للعلم (1)، وقد ورد في النص المتواتر عنهم عليهم السلام: (ان طلب العلم فريضة على كل مسلم، ألا وان الله يحب بغاة العلم) (2) وقال الصادق عليه السلام: (اعرفوا منازل الرجال منا على قدر رواياتهم عنا) (3).
وكتب صاحب الزمان عليه السلام إلى بعض الشيعة: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله)
مخ ۴
رواه الطبرسي في الاحتجاج والصدوق في إكمال الدين والشيخ في الغيبة وغيرهم (1).
وقال الصادق عليه السلام: (لولا زرارة ونظراؤه لظننت أن أحاديث أبي ستذهب) (2).
وقال عليه السلام: (اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا) (3).
وسئل أبو جعفر عليه السلام عن قوله تعالى: (فلينظر الانسان إلى طعامه) قال: (علمه الذي يأخذه عمن يأخذه) (4).
وقال أبو الحسن عليه السلام: (لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا، فإنك ان تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم) (5).
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم إرحم خلفائي).
قيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال: (الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي ويعلمونها الناس بعدي) - رواه الصدوق في آخر الفقيه (6)
مخ ۵
وروي (هل الدين إلا معرفة الرجال؟) وهذا يحتمل أن يراد به معرفة الأنبياء والأئمة عليهم السلام، ويحتمل العموم بحيث يشمل العلماء.
وجملة الكتاب والسنة والاخبار في ذلك كثيرة جدا.
(الثانية) في أنه يجوز الخوض في أحوال الرجال من الرواة والمصنفين ومدحهم وذمهم، بل يجب، وقد أشرنا إليه سابقا.
ومن نظر في كتب الرجال - خصوصا كتاب الكشي - وفي سائر كتب الحديث علم أن الأئمة عليهم السلام كانوا يعتنون ويهتمون بمدح الرواة والثقات وتوثيقهم والامر بالأخذ عنهم والعمل برواياتهم، وذم المخالفين لأهل البيت عليهم السلام فقد تجاوز حد التواتر، وورد النهي البليغ المستفيض عن الأئمة عليهم السلام عن تتبع طريقهم وكتبهم ورواياتهم (1)
(الثالثة)
قال الشهيد الثاني الشيخ زين الدين قدس سره في شرح دراية الحديث:
تعرف عدالة الراوي بتنصيص عدلين عليها أو بالاستفاضة، بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل وغيرهم من أهل العلم كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمد ابن يعقوب الكليني وما بعده إلى زماننا هذا، ولا يحتاج أحد من هؤلاء المشهورين إلى تنصيص على تزكيته ولا تنبيه على عدالته، لما اشتهر في كل
مخ ۶
عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم زيادة على العدالة، وانما يتوقف على التزكية غير هؤلاء [من الرواة الذين لم يشتهروا بذلك، ككثير ممن سبق على هؤلاء، وهم طرق الأحاديث المدونة في الكتب غالبا] (1) - انتهى (2) وهو كلام جيد جدا يظهر صدقه بالتتبع.
والجماعة الذين تأخروا عن زمان الشهيد الثاني إلى زماننا هذا أيضا كذلك بل بعضهم أوثق من بعض المتقدمين عليه - فليفهم.
وروي عدة أحاديث في مدح الشيعة الذين يكونون في زمن الغيبة كما يأتي.
(الرابعة)
قال ابن إدريس في آخر السرائر: لا ينبغي لمن استدرك على من سلف أو سبق إلى بعض الأشياء أن يرى لنفسه الفضل عليهم، لانهم إنما زلوا حيث زلوا لأجل انهم كدوا أفكارهم وشغلوا زمانهم في غيره ثم صاروا إلى الشئ الذي زلوا فيه بقلوب قد كلت ونفوس قد سئمت وأوقات ضيقة ومن جاء بعدهم قد استفاد منهم ما استخرجوه ووقف على ما أظهروه من غير كد ولا كلفة، وحصلت له بذلك رياضة واكتسب قوة، فليس بعجب إذا صار إلى حيث زل فيه من تقدم، وهو موفور القوى متسع الزمان لم يلحقه ملل ولا خامره ضجر أن يلحظ ما لم يلحظوه ويتأمل ما لم يتأملوه، ولذلك زاد المتأخرون على المتقدمين، ولهذا كثرت العلوم بكثرة الرجال
مخ ۷
واتصال الزمان وامتداد الآجال، فربما لم يشبع القول في المسألة المتقدم على ما أورده المتأخر، وإن كان بحمد الله بهم نقتدي وعلى أمثلتهم نهتدي - انتهى (1). وهو كلام حسن.
وقال بعض علمائنا المتأخرين: ان كان للمتقدمين علينا فضل بإنشاء العلوم فلنا عليهم فضل بتهذيبها.
ولا يخفى أن فوائد كتب المتأخرين وتحقيقاتها أكثر غالبا ونقل القدماء أوثق غالبا.
وأيضا انه إنما اندرست أكثر كتب المتقدمين لوجود ما يغنى عنها. بل ما هو أنفع منها من كتب المتأخرين.
(الخامسة)
قد كثر القول من الفصحاء والبلغاء والشعراء في تفضيل المتقدمين على المتأخرين وعكسه. ولا يخفى ان مجال القول في ذلك واسع، وكلا القولين حسن في المقامات الخطابية، وأما في مقام الاستدلال والتحقيق فلا بد من القول بأن بين الفريقين عموما وخصوصا من وجه، فلا ينبغي تفضيل أحد الفريقين على الآخر مطلقا، ولقد أحسن بعض الشعراء في ذلك حيث قال:
قل لمن لا يرى المعاصر شيئا * ويرى للأوائل التقديما - ان ذاك القدم كان حديثا * وسيغدو هذا الحديث قديما
- (السادسة)
روى ابن بابويه في أواخر الفقيه وفي كتاب إكمال الدين بإسناده عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال في وصيته لعلي: (يا علي أعجب الناس
مخ ۸
إيمانا وأعظمهم يقينا قوم يكونون في آخر الزمان لم يلحقوا النبي وحجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد على بياض) (1).
وفي تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام قال: قال علي بن محمد عليه السلام: (لولا ما يبقى بعد غيبة قائمنا من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب الذين يمسكون قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك السفينة سكانها لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل) (2).
[وروى ابن بابويه في كتاب إكمال الدين عن علي بن عبد الله الوراق عن محمد بن هارون عن عبد الله بن موسى عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن صفوان بن يحيى عن إبراهيم بن أبي زياد عن أبي خالد
مخ ۹
الكابلي (1) عن علي بن الحسين عليه السلام - في حديث طويل في النص على الأئمة عليهم السلام إلى أن قال: ثم تشتد الغيبة (2) بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله بعده (3). يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته والقائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان لان الله أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله بالسيف، أولئك المخلصون حقا وشيعتنا صدقا والدعاة إلى دين الله سرا وجهرا (4).
ورواه الطبرسي في الاحتجاج عن أبي حمزة، ورواه الراوندي في قصص الأنبياء، ورواه الفضل بن شاذان في رسالة الرجعة عن صفوان بن يحيى ببقية السند، ورواه الصدوق أيضا عن جماعة من مشائخه عن أحمد ابن أبي عبد الله الكوفي عن سهل بن زياد عن عبد العظيم الحسني مثله] (5) وفي [هذا المعنى] (6) أحاديث كثيرة متفرقة في أماكنها من كتب الحديث.
ومن هنا مع ما تقدم ويأتي يظهر وجه اهتمامنا بجمع العلماء المتأخرين
مخ ۱۰
عن الشيخ الطوسي [وأحوالهم] (1) ومحاسنهم ومؤلفاتهم حيث إنه من المهمات، والمتقدمون على الشيخ مذكورون في كتب الرجال، وللمتأخرين امتياز من جهات قد عرفت بعضها، وان كان للمتقدمين امتياز من جهات أخر. ومن هذه الأحاديث تظهر صحة ما قاله الشهيد الثاني من تعديل المشهورين من علمائنا المتأخرين كما تقدم.
(السابعة)
قد عزمنا على تقديم ذكر علماء جبل عامل على باقي علمائنا المتأخرين لوجوه:
(أحدها) قضاء حق الوطن، لما روي (حب الوطن من الايمان) وروي (من إيمان الرجل حبه لقومه).
(وثانيها) أنها داخله في الأرض المقدسة أو متصلة بها، كما يظهر من الاخبار ومن أقوال أكثر المفسرين في قوله تعالى: (ادخلوا الأرض المقدسة) (2).
روى العياشي في تفسيره عن داود الرقي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث: ان الله قال: (ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) يعني الشام (3).
وروى الحميري في قرب الاسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام قال قلنا له: ان أهل مصر يزعمون أن بلادهم مقدسة... إلى أن قال: فقال: لا، لعمري ما ذاك كذلك، وما غضب الله على بني إسرائيل إلا أدخلهم مصر، ولا رضى عنهم
مخ ۱۱
إلا أخرجهم منها [إلى غيرها] (1)، ولقد أوحى الله إلى موسى عليه السلام ان يخرج عظام يوسف منها (2) - الحديث (3).
[وروى الصدوق في الفقيه قال: قال الصادق عليه السلام: إن الله أوحى إلى موسى بن عمران عليه السلام ان أخرج عظام يوسف من مصر] (4) إلى أن قال: فلما أخرجه طلع القمر فحمله إلى الشام، فلذلك تحمل أهل الكتاب موتاهم إلى الشام (5).
ويظهر من هذين الحديثين (6) أيضا ان الأرض المقدسة الشام.
وروى الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن يزيد (7) الكناسي عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: أوحى الله إلى موسى (8) ان احمل عظام يوسف من مصر قبل أن تخرج منها إلى الأرض المقدسة بالشام (9).
وقال الطبرسي في مجمع البيان في تفسير الأرض المقدسة: هي بيت المقدس عن ابن عباس والسدي وابن زيد، وقيل هي دمشق وفلسطين
مخ ۱۲
وبعض الأردن عن الزجاج والفراء، وقيل هي الشام عن قتادة. وقيل هي ارض الطور وما حوله عن مجاهد - انتهى (1).
وقد عرفت ان الموافق لتفسير الأئمة عليهم السلام انها الشام.
[وقد ذكر بعض المحققين أن عاملة اسم أحد أولاد سبأ وانه سكن بهذا الجبل فنسب إليه. والله أعلم] (2).
(وثالثها) أن تشيعهم أقدم من تشيع غيرهم. فقد روي أنه لما مات رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن من شيعة علي عليه السلام إلا أربعة مخلصون. سلمان، والمقداد، وأبو ذر، وعمار (3) ثم يتبعهم جماعة قليلون اثني عشر، وكانوا يزيدون ويكثرون بالتدريج حتى بلغوا ألفا وأكثر ثم في زمن عثمان لما اخرج أبا ذر إلى الشام بقي أياما فتشيع جماعة كثيرة ثم أخرجه معاوية إلى القرى فوقع في جبل عامل فتشيعوا من ذلك اليوم، ثم لما قتل عثمان وخرج أمير المؤمنين عليه السلام من المدينة إلى البصرة ومنها إلى الكوفة تشيع أكثر أهلها ومن حولها. ولما تفرقت عماله وشيعته كان كل من دخل منهم بلادا تشيع كثير من أهل تلك البلاد بسببه. ثم لما خرج الرضا عليه السلام إلى خراسان تشيع كثير من أهلها. وذلك مذكور في التواريخ والأحاديث.
فظهر انه لم يسبق أهل جبل عامل إلى التشيع إلا جماعة محصورون من أهل المدينة. وقد كان أيضا في مكة والطائف واليمن والعراق والعجم شيعة قليلون، وكان أكثر الشيعة في ذلك الوقت أهل جبل عامل.
مخ ۱۳
(ورابعها) إنها بلاد مباركة، كما يظهر من قوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) (1) وتلك البلاد متصلة ببلاد بيت المقدس.
(وخامسها) ما ورد في الروايات المعتبرة عنهم عليهم السلام: ان إبراهيم عليه السلام لما دعا ربه بقوله: (ربنا اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات) (2) أمر الله جبرئيل فاقتطع قطعة من الأردن (3) - هي كورة من الشام - فطاف بها حول البيت سبعا فسميت الطائف.
ثم وضعها في مكانها المعروف الآن، فكانت الغلات (4) والثمرات تجلب منها إلى مكة وما حولها إلى الآن (5).
مخ ۱۴
هذا ملخص ما روي في هذا المعنى، فهذه مزية واضحة وشرف ظاهر (وسادسها) كثرة من خرج من جبل عامل من العلماء والفضلاء والصلحاء وأرباب الكمال، وستعرف جملة منهم مع أني لم أطلع على الجميع ولا على مؤلفاتهم كلها، ولا يكاد يوجد من أهل بلاد أخرى من علماء الإمامية أكثر منهم ولا أحسن تأليفا وتصنيفا، ولقد أكثر مدحهم والثناء عليهم القاضي نور الله في مجالس المؤمنين، وذكر انه ما من قرية هناك إلا وقد خرج منها جماعة من علماء الإمامية وفقهائهم - انتهى (1).
[وقد سمعت من بعض مشايخنا انه اجتمع في جنازة في قرية من قرى جبل عامل سبعون مجتهدا في عصر الشهيد وما قاربه، وستعرف إنشاء الله ان عدد علمائهم يقارب خمس عدد علماء المتأخرين، وكذا مؤلفاتهم بالنسبة إلى مؤلفات الباقين، مع أن بلادهم بالنسبة إلى باقي البلدان أقل من عشر العشر - أعني جزء من مائة جزء من البلدان - فظهر ما قلناه] (2).
(وسابعها) ما وجدته بخط بعض علمائنا ونقل انه وجده بخط الشهيد الأول نقلا من خط ابن بابويه عن الصادق عليه السلام انه سئل كيف يكون حال الناس في حال قيام القائم عليه السلام وفي حال غيبته ومن
مخ ۱۵
أولياؤه وشيعته من المصابين منهم (1) المتمثلين أمر أئمتهم والمقتفين لآثارهم والآخذين بأقوالهم؟ قال عليه السلام: بلدة بالشام. قيل: يا بن رسول الله ان أعمال الشام متسعة؟ قال: بلدة بأعمال الشقيف أوتون وبيوت وربوع تعرف بسواحل البحار وأوطئة الجبال. قيل يا بن رسول الله هؤلاء شيعتكم؟ قال عليه السلام: هؤلاء شيعتنا حقا، وهم أنصارنا وإخواننا والمواسون لغريبنا والحافظون لسرنا، واللينة قلوبهم لنا والقاسية قلوبهم على أعدائنا، وهم كسكان السفينة في حال غيبتنا، تمحل البلاد دون بلادهم، ولا يصابون بالصواعق، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويعرفون حقوق الله ويساوون بين إخوانهم، أولئك المرحومون المغفور لحيهم وميتهم وذكرهم وأنثاهم، ولأسودهم وأبيضهم وحرهم وعبدهم وان فيهم رجالا ينتظرون، والله يحب المنتظرين.
فهذا الحديث - وان لم أجده في كتاب معتمد - لكنه لم يتضمن حكما شرعيا، وهو مؤيد للوجوه السابقة، وهي مؤيدة له وقرائن على ثبوت مضمونه. ولا يخفى أن المغفور لهم كلهم هم أصحاب الصفات المذكورة منهم، وهم بعضهم أو أكثرهم، وان المدح والذم من الخطابات (2) يحسن فيها المبالغة والبناء على الأغلب، وله نظائر كثيرة.
(وثامنها) كثرة من دفن فيها من الأنبياء والأوصياء والعلماء والصلحاء فإنهم لا يعدون ولا يحصون.
مخ ۱۶
(الثامنة)
إعلم أنني تتبعت أحوال علمائنا المتأخرين جهدي بعد ما كانت أسماؤهم وأحوالهم ومؤلفاتهم متفرقة متشتة في كتبهم وإجازاتهم وغيرها، وسمعت كثيرا منها من أفواه مشايخنا ومعاصرينا، فقد جمعت - بحمد الله - من أحوالهم ومؤلفاتهم ما لم يجتمع في كتاب، وسهلت الاطلاع على أحوالهم لمن أراده، وأنا اعتذر إليهم من التقصير في أداء حقوقهم، وسيأتي جملة من الكتب التي نقلت منها.
(التاسعة)
قد تواترت الأحاديث عنهم عليهم السلام بوجوب العمل بأخبار الثقات وبوجوب العمل بأحاديث كتب الامامية المعتمدة، وقد ذكرت جملة من تلك الأحاديث الشريفة في كتاب تفصيل وسائل الشيعة في أوائل كتاب القضاء (1)، والعلماء الذين أذكرهم هنا أكثرهم - أعني المشهورين - من جملة الثقات كما عرفت، وأكثر كتبهم من الكتب المعتمدة، لكن كتبهم المؤلفة في الحديث قليلة كما ترى، وان كانت أكثرها مشتملة على أحاديث كثيرة مثل كتب الاستدلال وغيرها.
وينبغي أن يعلم أن ما تضمنت تلك الكتب من أحاديث الأئمة عليهم السلام معتمد إلا أن يظهر انه مروي من طرق العامة أو الصوفية، فإن أكثر تلك الأحاديث أوردوها لغرض آخر، مثل الاستدلال على من يعتقدها بها أو نحو ذلك، والأحاديث التي يروونها عن النبي صلى الله عليه وآله
مخ ۱۷
في كتب الاستدلال والأصولين (1) أكثرها من طرق العامة أو الصوفية استدلوا بها على من يعتقد صحتها، فينبغي التوقف فيها ليظهر لها مؤيدات وموافقات من الأحاديث المعتمدة. لكن جميع ما أشرنا إليه من الأحاديث لابد ان يوجد لها من كلام الأئمة عليهم السلام في الكتب المعتمدة مؤيدات أو معارضات، فلا بد من العرض عليها أو الرجوع إليها بكثرة التتبع للكتب المعتمدة المشتملة على آثار الأئمة عليهم السلام لوجوب طلب العلم وتحصيله منهم والعمل به كما أشرنا إليه. وللأحاديث الكثيرة الدالة على عرض الحديث عند الشك في صحته على الكتاب والسنة.
(العاشرة)
(في ذكر الكتب التي أنقل منها) إعلم أني نقلت في هذا الكتاب من فهرست الشيخ منتجب الدين علي [بن عبيد الله] (2) بن بابويه (3) في ذكر المتأخرين عن الشيخ الطوسي إلى زمان مؤلفه، ومن كتاب الرجال لابن داود، ومن كتاب الرجال للسيد مصطفى بن الحسين التفرشي، ومن رسالة ابن العودي في أحوال الشهيد الثاني ومشايخه وتلامذته (4)، ومن كتاب الدر المنثور للشيخ علي
مخ ۱۸
ابن محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني، ومن كتاب سلافة العصر للسيد علي بن ميرزا أحمد الموسوي، ومن فهرست الشيخ محمد بن علي بن شهرآشوب [المازندراني] (1) الموسوم بمعالم العلماء، ومن إجازات علمائنا كإجازة الشيخ حسن بن الشهيد الثاني لابن نجم وإجازة والده للشيخ حسين ابن عبد الصمد وإجازة الشهيد محمد بن مكي لابن نجدة وإجازة العلامة الحلي لبني زهرة، ومن كتاب مروج الذهب للمسعودي، وغير ذلك من المواضع التي توجد فيها بعض الفوائد المناسبة من كتب المتأخرين.
وقد نقلت أيضا من تاريخ ابن خلكان من نسخة بخط مؤلفه، ومن يتيمة الدهر للثعالبي، ومن دمية القصر لأبي الحسن الباخرزي، ومن طبقات الأدباء (2) لعبد الرحمن بن محمد الأنباري، وهؤلاء الأربعة من العامة، لكن مدحهم لعلماء الامامية بعيد عن التهمة.
وقد نقلت أيضا من فهرست الشيخ، وكتاب النجاشي، والخلاصة للعلامة قليلا، واقتصرت على المعاصرين للشيخ والمقاربين لزمانه، ولم أذكرهم كلهم لان الغرض الأهم ذكر المتأخرين عنه إلا في أهل جبل عامل.
مخ ۱۹
(الحادية عشرة)
إعلم أني سأذكر في أحوال بعض العلماء انه شاعر أديب، وربما ذكرت بعض أشعارهم المشتملة على المعاني اللطيفة والمطالب المهمة، وذلك أنه نوع كمال في الجملة.
وقد ذكر بعض علماء المعاني والبيان أن العالم إذا كان شاعرا كان أفصح تقريرا وتحريرا، وأحسن فهما لدقائق المعاني، واعلم بنكت الكلام وأشد تحقيقا وتدقيقا من العالم الذي ليس بشاعر، وكذلك المعرفة بالانشاء وتتبع مؤلفات العلماء شاهد بصحة هذا الكلام، فان الأثر دال على المؤثر، وقد روي بطرق معتمدة عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: (إن من الشعر لحكما وان من البيان لسحرا) (1) وعن الصادق عليه السلام:
(إنما سمي البليغ بليغا لأنه يبلغ حاجته بأهون سعيه).
(الثانية عشرة)
لنا طرق متعددة إلى رواية المؤلفات الآتية مذكورة في آخر تفصيل وسائل الشيعة وفي الإجازات وغيرها، ويأتي كثير منها في محله إنشاء الله تعالى.
وأما المعاصرون فإنا نروي عن أكثرهم وكثير يروون عنا، وبعضهم يروون عنا ونروي عنهم، ولا أذكر في أحوال المعاصرين الذين قرأوا عندي انهم قرأوا عندي، ولا في الذين استجازوا مني انهم استجازوا مني
مخ ۲۰
ووصفهم بكونهم معاصرين كاف لأنه يدل على أنهم يروون عنا أو عن بعض مشايخنا، وسأذكر طريقا في آخر الكتاب إلى أكثر علمائنا المشهورين إنشاء الله تعالى.
* * * وحيث تقررت هذه المقدمات فلنشرع في المقصود بالذات، وقد عرفت انه قسمان:
مخ ۲۱
القسم الأول في ذكر ما يحضرني من أسماء علماء جبل عامل ومؤلفاتهم وأحوالهم، وهو مرتب على الحروف مقدما للأول فالأول على النهج المعروف في الأسماء وأسماء الآباء والألقاب والكنى في الأوائل والثواني وهكذا، وان استلزم تأخير المقدم زمانه وتقديم المؤخر، تسهيلا للتناول وتقريبا للتداول.
مخ ۲۳