فقالت بكل بساطة: إنه زوجي ...!
فتولاني الرعب ولكنه لم يطل أكثر من لحظة واحدة، إذ ابتسمت في حنان وإدراك ورثاء وقلت: ولكنه قبر الضابط ف ... وهو لم يتزوج قط قبل استشهاده!
قالت: وأنا زوجه، وهذا الغلام غلامنا.
وأبرقت العينان المفعمتان ألما بريق الفخار بالصبي، وقد وقف بجانبها وأمسك بيدها ونظر إلى وجهها بعينيه السوداوين الذكيتين.
وعندئذ خطفت بذاكرتي صورة شمسية لطفل صغير أرانيها ف ... في بعض أيامنا الرغيدة، وقال: هذه صورتي في طفولتي.
وتبينت قرابة الشبه بين الصورتين، فنظرت نظرة راعشة ورجف قلبي وتهدج صوتي إذ رحت أقول كأنما أناجي نفسي ولا أخاطب المرأة الواقفة حيالي: ولكن أيكون ذلك؟ ... لقد كان خطيبي، وكان آخر ما قال لي: سأظل وفيا لحبك.
فبدت في عينيها نظرة متوسلة مستصرخة مناشدة وصاحت تقول: أواه! أحق ما أرى ... أأنت إذن م ... يا سيدتي؟
فأطرقت إطراقة صامتة، وحبس الألم لساني فلم أستطع قولا، وفاض فيض الأسى على صدري، فوقفت مروعة مأخوذة لا أريم حراكا ...
واعطيته صفحة وجهي لقبلة الوداع حنانا مني ورحمة.
وجثت على الثرى، وتشبثت بطرف ثوبي وانطلقت تقول: أواه! اغفري له يا سيدتي، واصفحي عنه الصفح الجميل، فقد كان ذلك كله خطئي أنا واللائمة فيه لائمتي، فقد أقام في بيتنا قرابة شهرين قبل أن يدعى إلى خط النار، فأحببناه جميعا وما لبثنا أن أحسسنا أننا نعرف الفتاة التي ما فتئ يتحدث إلينا عنها، وقد شعر كل منا بميل إلى صاحبه، ولكنا حاولنا التباعد، وإمساك هذه العاطفة قبل أن تنمو وتتمادى، فتغلبنا على أمرنا، وما لبث أخواي أن ذهبا إلى الحومة، وجاءت امرأة من القرية فأقامت في البيت معي لنرعى الجنود ونقوم على خدمتهم، وفي يومين متعاقبين وردت ثلاث إشارات برقية تنعي إلينا عشيرتي أجمعين، ووجدني «ف» باكية منتحبة في معزل، فلم يستطع مجاهدة إرادته فتناولني في ذراعيه وضمني إلى صدره، فلم أقاوم ضمته، ولم أتملص من إمساكته، نعم، لم أفعل وإن خطرت لي صورتك الحلوة العذبة الفاتنة التي ظل يحملها فوق صدره ولصق فؤاده.
ناپیژندل شوی مخ