قلت بحنان: لست أرى فيه بأسا مطلقا إذا كنت ترين أنه ينبغي أن أكون بجانبك، ولكن أتحسبين في الحق أن مكاني الساعة هنا ...
وترددت ولم أزد.
وكأنما أدركت غرضي، فقالت: أريد أن تبقى، ولكن إذن ... واختنق صوتها بانتحابة مجهشة وشدت من فرط تشنجها على يدي شدة لم أكن أستطيع أن أجتذب منها لو أنني أردت الانصراف.
وجاء الطبيب والممرضة إلى سريرها، لها الله من مسكينة! لقد كانت تعرف أي عذاب هي معانيته بعد قليل، فقد أحست وقعه من قبل وجربت ألمه، ولكن ذلك لم يمنعها من معاودته بدافع الحب لي والعمل لإرضائي.
ومضى أسبوع لم يأذن لي الطبيب في رؤيتها قائلا إنها تتعلق من الحياة بخيط واه، وإن من الخطر عليها أن ترى أحدا وأن تراني أنا خاصة، فمضى علي ذلك الأسبوع في عذاب لم أكن أتوقعه، وما أحسب أنني واجد مثله فيما بقي من الأجل.
وقد عرفت أثر الصلاة في النفس فرحت أصلي لله من أجل نجاتها ودعوته أن يقدرني على أن أكون خليقا بذلك الحب، جديرا بتلك المرأة؛ لأنني وجدتني أحبها، وأدركت أنها هي عندي العالم بأسره، وأنها إذا ماتت كنت أنا الملوم ولن أعيش بعدها أبدا، وعجبت لنفسي كيف كنت أعمى البصيرة من قبل أحاول إقناع ضميري بأنني لم أشعر يوما من نحوها بحب، وأتجاهل ذلك الحب الرائع العجيب الذي وهبتنيه من ذات نفسها.
وكأنما استجاب الله لدعائي، فأخذت تبل من علتها، وجاءني الطبيب ذات يوم يقول: اليوم لك أن تدخل عليها، فطفر قلبي فرحا عندما مشيت إلى سريرها على أطراف القدمين، وجثوت بجانب فراشها وطوقتها بذراعي هي والوليد، وكان يصرخ غير حافل بشيء، ورحت أبكي وأنتحب وهي لا تشعر بقربي، ثم ما لبثت أن التفتت إلي فقالت في عجب: ما لك تبكي يا عزيزي؟ وأخذت تلاعب شعري بيدها الخلية.
فانثنيت أقول: إنني لسعيد بك أيتها الأم الصغيرة، وراغد الحياة بشفائك وعودك إلي أنعم بك آخر الدهر، وأنا فرح جذلان بهذا الوليد الذي جاءني ليدلني على أني كنت بالأمس أحمق! أواه يا غالية، أيتاح لي أن أجعلك سعيدة مثلي اليوم! ويحي! هل لي أن أسألك صفحا عني وعودا إلى حبي؟ وماذا أستطيع أن أفعل تكفيرا عما أسأت إليك من قبل؟
قالت بصوت مغمغم وعين وسنانة: ما كففت عن حبك قط، وما كنت مستطيعة أن أكف عنه، فإذا أردت أن تسعدني فقليلا من حب ...
وأمسكت فلم تتم كأنما من خوف.
ناپیژندل شوی مخ