قلت في ضعف وتخاذل: نعم، وما كان بي من أولئك الأدنياء غير ألم الاشمئزاز ساد مشاعري وذهب لحظة ببعض قوتي.
وسكت هنيهة ثم عدت بدافع غريب تولاني أقول: فهل ترينني أشبه أولئك السفلة في شيء، وهل في وجهي ما في وجوههم، وعليه من السمات سماتهم؟
فانثنت تجيب في شيء من الاحتجاج، والغضب الحلو البديع: كلا! ما أنت منهم ولا هم منك في قليل ولا كثير، ولا يخفى هذا على من به مسكة من العقل، وعين تنظر وتتبين، وأكبر ظني أنك عن خطأ وجهل بهم ركبت مركبهم، واحتواك عن غير بصيرة مجلسهم، ولقد كان هذا الخطأ من حظي، وبفضل هذا الجهل بهم كانت نجاتي من شرهم.
قلت: لم أركب مركبهم عن جهل، ولا كانت رفقتي لهم عن غير بصيرة.
ورحت أقص عليها قصتي، ووجدت في الاعتراف راحة، وشعرت من مكاشفتها بتاريخ الماضي بسرور لا يوصف.
فلما سمعت قصتي، هزت رأسها في إطراقة المعتبر المتأثر، وأنشأت تقول: لقد أحسنت صنعا بهذا الفراق الذي آذنتهم به، واليوم أنت مستطيع أن تبدأ الحياة من جديد متناسيا ما كان من ماضيك كأن لم يغن بالأمس.
وسكتت لحظة ثم عادت تقول: وخير ما تفعله الساعة أن تجيء معي إلى البيت لنتناول الطعام ونقضي ساعة من الزمن تفكر وتقطع فيما أنت معتزم من أمر مستقبلك.
وقبل أن أجيب، تناولت ذراعي واجتذبتني إلى الطريق سائرة بي صوب دارها. •••
وكنت قبل ذلك العهد لم أخبر النساء ولم يكن لي بهن شأن، ولكني في تلك اللحظة لم أستطع أن أمنع نفسي النظر إلى هذه الحواء الصغيرة، وتأمل وجهها المليح، على رغم أنها لم تكن تعدو شأن الطفلات الغريرات.
وقدرت أنها في الربيع الثامن عشر، ورأيت لها شعرا أسود جثلا أثيثا كثير الأمواج، وعينين سوداوين تنمان عن فرط إحساس، شفافتي الزجاجة، ملتمعتي النظرات، وأنفا دقيقا حسن التركيب، وفما حارا لم يخلق لغير القبل.
ناپیژندل شوی مخ