الصراط في رأي الكيالي والصراط في المنظور القرآني والنبوي
الصراط في رأي الكيالي والصراط في المنظور القرآني والنبوي
ژانرونه
الصراط
في رأي الكيالي
والصراط
في المنظور القرآني والنبوي
بقلم
محمد أيمن تيسير المراياتي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي هدانا صراطًا مستقيمًا، وحبانا دينًا قويمًا، ووهبنا كتابًا كريمًا، وسنَّة طاهرةً مطهرة فصَّلت ما أُجمل في قرآننا. والصلاة والسلام على مَن قال: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ .. (١)» وقوله ﷺ: " أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا (٢) عَلَى أَرِيكَتِهِ"كناية عن البلادة وسوء الفهم الناشئ من الشبع وكثرة الأكل، أو من الحماقة اللازمة للتنعم والغرور بالمال والجاه .. اللهم افتح لنا فتحا مبينًا، واهدنا صراطًا مستقيمًا، وأرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه. وبعد: ذاع منذ فترة وجيزة صيت شخصيات إسلامية جديدة عبر الفضائيات وعبر برامج التواصل الاجتماعي؛ تدَّعي فهمًا جديدًا لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ؛ وذلك من خلال التأويلات والتفسيرات العجيبه للآيات الكونية وغيرها، مدَّعين أنها تستند في مصادرها إلى نصوص من القرآن أو من السنة المطهرة أو من اللغة العربية الفصيحة، ولكن كل ذلك بشكل مريب غريب فيه ليٌّ لأعناق النصوص الشرعية، وتفسيرها بما يتوافق مع أهوائهم ومعتقداتهم وما يصبون إليه من خلال تلك التفسيرات أو التأويلات أو الاستنتاجات، وهم بذلك لا يفرقون بين الوهم واليقين أو بين الوهم والشك أو بين الشك واليقين، فيعطون الأوهام حكم المعلومات ويتعاملون معها على هذا الأساس؛ فيجعلون الأوهام أو الشكوك أو الظنون مقدمات يقينية في زعمهم ويبنون عليها نتائج جازمة حاسمة لا تحتمل غيرها، وربما تأثر العوام بهم لعدم قدرتهم على تمييز الغث من السمين، والتأويل المقبول من المردود. ومن هذه الشخصيات التي كثر الجدل حولها أو حول أفكارها "د. علي منصور كيالي" وهو مهندس معماري اهتمَّ -كما يقول- بدراسة القرآن وفهمه واستنباط بعض حقائقه المغيبة التي لم يسبق إليها أحد غيره .. !! ولسنا هنا بصدد الحديث عن شخصيته ومبلغ علمه أو دراسته أو تخصصه؛ إنما حديثنا عنه سيكون عن بعض الافتراءات التي توصَّل إليها من خلال فهمه السّقيم للغة العربية، ومن ثم القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومن أشهر ما عُرف به "د. الكيالي" تبنِّيه لقضايا شرعية خطيرة صادم بتأويلها النصوص القرآنية والنبوية والتي منها: ١ - إنكار وجود الصراط "جسر جهنم". ٢ - نفيه لعذاب القبر وأنه خرافة لا حقيقة. ٣ - إنكار وجود قوم يأجوج ومأجوج وخروجهم قبيل الساعة. ٤ - زعمه أن الحور العين هم دليل سياحي لأهل الجنة، وليسو بزوجات. ٥ - إنكار تعدد الزوجات. إلى غير ذلك مما يطول ذكره من طاماته، ويعنينا في هذه الورقات بيان الشبهة الأولى التي أثارها، وهي أنه لا وجود للصراط الذي على جسر جهنم، ضاربًا عُرض الحائط آيات في كتاب الله، وأحاديث صحيحة متعددة بلغت مبلغ التواتر المعنوي، وسنأتي على بيان ذلك مفصلًا .. _________ (١) بهذا اللفظ أخرجه الإمام أحمد ٢٨/ ٤١١ بسند صحيح كما قال محقق المسند. (٢) هكذا بالتنوين في مسند الإمام أحمد والدارمي ..
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي هدانا صراطًا مستقيمًا، وحبانا دينًا قويمًا، ووهبنا كتابًا كريمًا، وسنَّة طاهرةً مطهرة فصَّلت ما أُجمل في قرآننا. والصلاة والسلام على مَن قال: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ .. (١)» وقوله ﷺ: " أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا (٢) عَلَى أَرِيكَتِهِ"كناية عن البلادة وسوء الفهم الناشئ من الشبع وكثرة الأكل، أو من الحماقة اللازمة للتنعم والغرور بالمال والجاه .. اللهم افتح لنا فتحا مبينًا، واهدنا صراطًا مستقيمًا، وأرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه. وبعد: ذاع منذ فترة وجيزة صيت شخصيات إسلامية جديدة عبر الفضائيات وعبر برامج التواصل الاجتماعي؛ تدَّعي فهمًا جديدًا لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ؛ وذلك من خلال التأويلات والتفسيرات العجيبه للآيات الكونية وغيرها، مدَّعين أنها تستند في مصادرها إلى نصوص من القرآن أو من السنة المطهرة أو من اللغة العربية الفصيحة، ولكن كل ذلك بشكل مريب غريب فيه ليٌّ لأعناق النصوص الشرعية، وتفسيرها بما يتوافق مع أهوائهم ومعتقداتهم وما يصبون إليه من خلال تلك التفسيرات أو التأويلات أو الاستنتاجات، وهم بذلك لا يفرقون بين الوهم واليقين أو بين الوهم والشك أو بين الشك واليقين، فيعطون الأوهام حكم المعلومات ويتعاملون معها على هذا الأساس؛ فيجعلون الأوهام أو الشكوك أو الظنون مقدمات يقينية في زعمهم ويبنون عليها نتائج جازمة حاسمة لا تحتمل غيرها، وربما تأثر العوام بهم لعدم قدرتهم على تمييز الغث من السمين، والتأويل المقبول من المردود. ومن هذه الشخصيات التي كثر الجدل حولها أو حول أفكارها "د. علي منصور كيالي" وهو مهندس معماري اهتمَّ -كما يقول- بدراسة القرآن وفهمه واستنباط بعض حقائقه المغيبة التي لم يسبق إليها أحد غيره .. !! ولسنا هنا بصدد الحديث عن شخصيته ومبلغ علمه أو دراسته أو تخصصه؛ إنما حديثنا عنه سيكون عن بعض الافتراءات التي توصَّل إليها من خلال فهمه السّقيم للغة العربية، ومن ثم القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومن أشهر ما عُرف به "د. الكيالي" تبنِّيه لقضايا شرعية خطيرة صادم بتأويلها النصوص القرآنية والنبوية والتي منها: ١ - إنكار وجود الصراط "جسر جهنم". ٢ - نفيه لعذاب القبر وأنه خرافة لا حقيقة. ٣ - إنكار وجود قوم يأجوج ومأجوج وخروجهم قبيل الساعة. ٤ - زعمه أن الحور العين هم دليل سياحي لأهل الجنة، وليسو بزوجات. ٥ - إنكار تعدد الزوجات. إلى غير ذلك مما يطول ذكره من طاماته، ويعنينا في هذه الورقات بيان الشبهة الأولى التي أثارها، وهي أنه لا وجود للصراط الذي على جسر جهنم، ضاربًا عُرض الحائط آيات في كتاب الله، وأحاديث صحيحة متعددة بلغت مبلغ التواتر المعنوي، وسنأتي على بيان ذلك مفصلًا .. _________ (١) بهذا اللفظ أخرجه الإمام أحمد ٢٨/ ٤١١ بسند صحيح كما قال محقق المسند. (٢) هكذا بالتنوين في مسند الإمام أحمد والدارمي ..
1 / 1
وسأذكر الآن بعض ما قاله د. علي منصور كيالي، حول الصراط ومفهومه في القرآن الكريم الذي خلط فيه خلطًا عجيبًا، وأنكر الصراط بأسلوب ساخر مستهزئ فقال:
" ... الجميع يسأل هل الصراط المستقيم هي شعرة وسيف فوق جهنم ..؟!
وسنمر عليها ... (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)
هل معقول الله يهدينا إلى شعرة وسيف فوق جهنم؟!! ..
إبليس يعترف لله ... ماذا قال له؟!
قال له: (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)
إذًا إبليس يحاربنا في الصراط المستقيم .. فهل إبليس يحاربنا في شعرة فوق جهنم؟!! فوق سيف فوق جهنم؟!!
أيها الناس، أيها المفكرون ...
يا أصحاب العقول .. !!!
الجواب: في سورة الأنعام
قل: أي للرسول ﷺ. أي قل لأتباعك
(قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا)
فالصراط المستقيم هو القيم والمبادئ والأخلاق التي يسعى إبليس لتخريبها: (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) ...
عندنا في الدنيا لا نهتم بالقيم لا نهتم بتقبل الآخر، وفقط نخاف من سيف وشعرة فوق جهنم والمليارات يصطفون واحدًا واحدًا ... وكلابة شالتها وكلابة نزلتها .... (١) "
وذكر كلامًا كثيرًا اختصرته لعدم الإطالة يؤكد فيها إنكاره بل استهزاءه بكل ما ورد في الصراط الذي يُضرب فوق جهنم، كما جاء في الأخبار الصحيحة كما سيأتي بيانه ..
_________
(١) رابط المقطع المرئي: وهو بعنوان: "حقيقة الصراط المستقيم".الدكتور علي منصور الكيالي
https://www.youtube.com/watch?v=UtumZpmhj0Q&t=26s
1 / 3
وتعقيبًا على هذا المقطع المرئي الذي يُنكر فيه " الكيالي" الصراط محتجًا بالآيات التي ساقها أودُّ أن أوضح لكم الحقائق التالية؛
الصراط ومعانيه في القرآن الكريم:
وردت كلمة الصراط في القرآن الكريم (٤٥) مرة
- منها (٣٣) مرة بلفظ الصراط المستقيم أو صراطًا مستقيمًا حسب إعرابها، وهي بمعنى الطريق القويم، كما ذكر الكيالي.
- ومنها (١٠) مرات بالمعنى نفسه مثل صراط الذين أنعمت عليهم، أو صراط الله، أو صراط العزيز الحميد ..
وهذا المعنى هو الذي ذكره الكيالي في المقطع المرئي أيضًا ...
- ومنها مرتان لا تمت إلى المعنى السابق بصلة، فهل يستطيع الدكتور الكيالي أن يفسر لنا الآيتين التاليتين:
١ - ﴿وَلَو نَشاءُ لَطَمَسنا عَلى أَعيُنِهِم فَاستَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنّى يُبصِرونَ﴾ [يس: ٦٦]
أي صراط يتسابق الكفار عليه وهم عميٌ لا يبصرون؟ إنه صراط الجحيم ..
٢ - ﴿احشُرُوا الَّذينَ ظَلَموا وَأَزواجَهُم وَما كانوا يَعبُدونَ مِن دونِ اللَّهِ فَاهدوهُم إِلى صِراطِ الجَحيمِ وَقِفوهُم إِنَّهُم مَسئولونَ﴾ [الصافات ٢٢ - ٢٣ - ٢٤]
فهل الصراط بهاتين الآيتين هو الصراط بالآيات الثلاثة والأربعين؟!!
ومما لا شك فيه أنَّ الصراط في القرآن تعبير عن منهج فكري سلوكي قويم -وهذا لا خلاف فيه ولم يأتِ الكيالي بجديد- لكن ذلك لا ينافي المعنى الآخر للصراط الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة وهو الجسر الممدود على ظهر جهنم، والذي جعله الكيالي محل إنكار وسخرية واستهزاء واشمئزاز، وقد سبقه لذلك المعتزلة ومن يسمون أنفسهم بالعقلانيين والعصرانيين.
• فما هو الصراط وما هو صفته، وما هي الأحاديث الصحيحة الوارد فيه، وما حكم الإيمان به عند أهل السنة والجماعة؟؟
1 / 4
أ - تعريف الصراط وصفته:
الصراط: هو جِسرٌ ممدود على متن جهنم يمر عليه جميع الخلائق، وهو قنطرة بين الجنة والنار، يعبره أهل الجنة، وهم متفاوتون في السرعة والإبطاء على قدر أعمالهم؛ وتزل فيه أقدام أهل النار، وقد وردت به الأحاديث الصحيحة واستفاضت وهو محمول على ظاهره (١).
ب - ذكر بعض الأحاديث التي ورد فيها ذِكر الصراط وأوصافه، وأحوال المارين عليه:
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، عن النبي ﷺ قال في ذكر مشاهد يوم القيامة:
«... ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ».
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْجِسْرُ؟
قَالَ: «دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ، فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَالطَّيْرِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ؛ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِى نَارِ جَهَنَّمَ .. (٢)».
_________
(١) فتاوى الإمام الرملي ٤/ ٢١٠، وقد نقلت تعريفه للصراط بتصرف يسير
(٢) صحيح مسلم ١/ ١٦٧ في كتاب الإيمان، باب "معرفة طريق الرؤية" معانِّي بعض الكلمات:
الجِسْر: هوَ الصرَاط
وَمَعْنَى تَحِل الشفَاعَة: أَيْ: تَقَع وَيؤْذَن فِيهَا.
دحض مزلة: الدحْض وَالمَزَلة بِمَعْنًى وَاحِد، وَهوَ المَوْضِع ا لذِي تَزِل فِيهِ الْأَقْدَام وَلَا تَسْتَقِر.
وَمِنْه دَحَضَتْ الشمْس أَيْ: مَالَتْ، وَحجة دَاحِضَة لَا ثَبَات لهَا.
أَما الخْطَاطِيف: فَجَمْع خطاف. وَالْكَلَالِيب بِمَعْنَاه، وهي حديدة معْوَجة الرأس؛ لأجل أن
تمسك من أريد خطفه بها.
وَأَما الحَسَك: فهوَ شَوْك صلْب مِنْ حَدِيد.
وقَوْله صَلى ا للَّه عَلَيْهِ وَسَلمَ: (فَنَاجٍ مُسَلَّم وَمَخدوشٌ مرْسَلٌ وَمَكْدوس فِي نَار جَهَنم) أي أَ نهمْ
ثَلَاثَة أَقْسَام على الصراط:
١ - قِسْم يَسْلَم؛ فَلَا يَنَالُه شيء أَصْلًا ...
٢ - وَقِسْم يخدَش، ثم يرْسَل فَيُخَلَّص، وخَدْشُ الجلد: هو قَشره بِعود أو نحوه.
٣ - وَقِسْم يكَرْدَس، وَيلْقَى فَيَسْقط فِي جَهَنم.
وَ"مَكْدوس" معناه: كَوْن الْأَشْيَاء بَعْضهَا عَلَى بَعْض. نسأل الله السلامة والعافية.
انتهى (شرح الإمام النووي على صحيح مسلم ٣/ ٢٩ بتصرف واختصار)، و(كشف المشكل من حديث الصحيحين ٣/ ١٣٦ لأبي الفرج ابن الجوزي بتصرف)
1 / 5
قال الإمام مسلم:
وزاد أبو سعيد -أي الخدري-: "بلغني أن الجسرَ أدقُّ من الشعرة، وأحدُّ من السيف".
وأخرجه البخاري أيضًا عن أبي سعيد الخدري، بلفظ:
«... ثم يُؤتَى بالجسر، فيُجعَل بين ظهريْ جهنم»، قلنا: يا رسولَ الله، وما الجسر؟ قال: «مدحضة مزِلَّةٌ، عليه خطاطيف وكلاليب وحَسكة مُفَلطحة، لها شوكة عُقَيْفَاءُ تكون بنجد، يقال لها: السعدان، المؤمنُ عليها كالطَّرْف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والرِّكاب، فناجٍ مسَلَّم، وناجٍ مخدوش، ومكدوس في نار جهنم، حتى يمرَّ آخرُهم يُسْحَب سحبًا .. (١)» ا. هـ
وأخرج الحاكم ﵀ وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي عن ابن مسعود، قال: قال ﷺ: «... فَيَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ، وَالصِّرَاطُ كَحَدِّ السَّيْفِ دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، قَالَ: فَيُقَالُ انْجُوا عَلَى قَدْرِ نُورِكُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالطَّرْفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّحْلِ وَيَرْمُلُ رَمَلًا فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يَجُرُّ يَدًا وَيُعَلِّقُ يَدًا وَيَجُرُّ رِجْلًا وَيُعَلِّقُ رِجْلًا فَتُصِيبُ جَوَانِبَهُ النَّارُ ... (٢)» ا. هـ
والأحاديث الواردة في ذكر الصراط وأوصافه كثيرة نكتفي بما ذكرناه، وكلها تتفق أن المارين على الصراط بينهم تفاوت عظيم كبير، كل حسب عمله، فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم كالطير، ومنهم يشد كشد الرجال ...
_________
(١) صحيح البخاري ٦/ ٢٧٠٦ برقم (٧٠٠١). في التوحيد، باب: ﴿وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة﴾
(٢) المستدرك على الصحيحين ٤/ ٦٣٢.
1 / 6
قال ابن القيم ﵀: فالثبات يوم القيامة على الصراط بالثبات في هذه الدار على طريق الاستقامة والهداية، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم، وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون سيره على ذاك الصراط، فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الركاب، ومنهم من يسعى سعيًا، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يحبو حبوا، ومنهم المخدوش المسلم، ومنهم المكردس في النار (١).
ت - حكم الإيمان بالصراط عند أهل السنة والجماعة:
اتفقت كلمة علماء أهل السنَّة والجماعة على وجوب الإيمان بالصراط، للأدلة السمعية الكثيرة المشتهرة الواردة في ذلك.
قال الإمام أبو الحسن الأشعري- ﵀: "وأجمعوا على أن الصراطَ جسرٌ ممدود على جهنم، يجوز عليه العبادُ بقدر أعمالهم، وأنهم يتفاوتون في السرعة والإبطاء على قدر ذلك" (٢).
_________
(١) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين ١/ ٣٣. بتصرف يسير.
(٢) رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب ص: (١٦٣) الإجماع الأربعون. للإمام أبي الحسن الأشعري. قال ابن أبي العز الحنفي شارح الطحاوية:"واختلف المفسرون في المراد بالورود المذكور في قوله: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا﴾ ما هو؟ والأظهر والأقوى أنه المرور على الصراط.
قال: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ وفي الصحيح أنه ﷺ قال: "والذي نفسي بيده لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة، قالت حفصة: فقلت يا رسول الله: أليس الله يقول: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا﴾؟ فقال: ألم تسمعيه قال: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ والحديث في مسلم بنحو هذا المعنى" (شرح الطحاوية ص ٣٦٤).
1 / 7
وقال الحافظ ابن عساكر- ﵀: "وَأَن يُؤمن بِأَن الصِّرَاط حق، وَهُوَ جسر مَمْدُود على متن جَهَنَّم أحدّ من السَّيْف وأدق من الشّعْر؛ تزل عَلَيْهِ أَقْدَام الْكَافرين بِحكم اللَّه تَعَالَى فَيهْوِي بهم إِلَى النَّار، وَيثبت عَلَيْهِ أَقْدَام الْمُؤمنِينَ فيساقون إِلَى دَار الْقَرار (١) ".
وقال الفقيه المتكلم عضد الدين عبد الرحمن الإيجي- ﵀: "واعلم أن الصراطَ جسرٌ ممدود على ظهر جهنم، يعبُر عليه المؤمن وغير المؤمن، وأنكره أكثرُ المعتزلة ... (٢) "
وقال الإمام النووي ﵀: "مذهب أهل الحق أن الصراط جسر ممدود على متن جهنم يمر عليه الناس كلهم؛ فالمؤمنون ينجُون على حسب أعمالهم ومنازلهم، والآخرون يسقطون فيها، عافانا اللهُ الكريم، والسلف يقولون: إنه أدقُّ من الشعر، وأحدُّ من السيف، وهكذا جاء في رواية أبي سعيد (٣) "
وقال الإمام السَّفاريني- ﵀: "اتَّفَقَتِ الْكَلِمَةُ على إثبات الصراط في الجملة، لكن أهل الحقّ يثبتونه على ظاهره من كونه جسرًا مدودًا على متن جهنم، أحدّ من السيف، وأدقّ من الشعر، وأنكر هذا الظاهر القاضي عبد الجبار المعتزلي وكثير من أتباعه .. (٤) ".
_________
(١) تبيين كذب المفتري ص: ٣٠٥، وانظر قواعد العقائد للإمام الغزالي ص: ٦٦
(٢) كتاب المواقف - الإيجي ٣/ ٥٢٥.
(٣) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملّا علي القاري ٨/ ٣٥٣٣.
(٤) لوامع الأنوار البهية ٢/ ١٩٢.لأبي العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي، وهو محدث، وفقيه أصولي، وصوفي، ومؤرخ.
1 / 8
الخلاصة:
هناك صراط مستقيم، وهو الطريق القويم طريق الهداية، وهناك صراط الجحيم منصوب على جهنم أشارت إليه الآيات في سورة يس، وفي الصافات، وفي مريم، وبيّنته الأحاديث الصحيحة المشهورة المروية في البخاري ومسلم وفي غيرهما كما مرّ.
والعجيب أن د. الكيالي أنكر مفهوم الآيات السابقة، ثم أنكر الأحاديث الصّحيحة الصّريحة ليصل إلى فكرته الاعتزالية، ثم بعد ذلك استدل ببعض الأحاديث التي تخدم فكرته وما يصبوا إليه.
فإمّا أن لا يستدل بالحديث أصلًا وهذا هو المفروض حسب عقيدته، أو يستدل بكل الأحاديث الواردة دون انتقاء لبعضها وإقصاء للآخر.
وقد عنف الله في القرآنُ الكريم اليهودَ لأنهم يأخذون ببعض الكتاب وينكرون البعض الآخر؛ حسب أهوائهم وعقيدتهم الفاسدة قال تعالى:
﴿أَفَتُؤمِنونَ بِبَعضِ الكِتابِ وَتَكفُرونَ بِبَعضٍ فَما جَزاءُ مَن يَفعَلُ ذلِكَ مِنكُم إِلّا خِزيٌ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَيَومَ القِيامَةِ يُرَدّونَ إِلى أَشَدِّ العَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلونَ﴾ [البقرة: ٨٥]
نقول للدكتور الكيالي ما قاله الشاعر:
فقلْ لمنْ يدَّعِي في العلم معرفةً ... حفِظْتَ شَيئًا، وغابَتْ عنك أشياءُ
ومن المعروف أن د. الكيالي مهندس معماري، ودرس الرياضيات والفيزياء والكيمياء، ولم يثبت عنه أنه أخذ العلم الشرعي عن واحد من العلماء المشهود لهم بالعلم والتقوى والاستقامة، فلم يتلقَّ العلم عن أهله، بل هبج من الكتب من هنا وهناك ما يروق له فَضَلَّ وأَضلّ، وقد يكون الهدف من ترويجه هو وأمثاله في هذه الأوقات ضربَ الاسلام من خلال إنكار السنة المطهرة، وهي المرجع الثاني التي نأخذ منها الأحكام بعد القرآن الكريم، وقد حذر النبيُّ من ذلك قبل أربعة عشر قرنًا فقال ﷺ: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ..» وفي رواية: «لَا أُلْفِيَنَّ- لَا أجدنَّ- أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِي: مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ، أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: مَا أَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللهِ اتَّبَعْنَاهُ (١)»
_________
(١) أخرجه أبو داود رقم (٤٦٠٥) في السنة: باب لزوم السنة، والترمذي رقم: (٢٦٦٦) في العلم: باب رقم (١٠) وإسناده صحيح. وقال الترمذي: حسن، وأخرجه أحمد ٦/ ٨، وابن ماجة في المقدمة رقم (١٣) بألفاظ متقاربة. (انظر جامع الأصول في أحاديث الرسول ١/ ٢٨٣ مع الحاشية)
1 / 9
قال الحافظ المنذري ﵀: يعني أنه ﷺ أنه أوتي من الوحي غير المتلو مثل ما أوتي من المتلو كما قال الله تعالى (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) فالكتاب هو القرآن، والحكمة السنن التي لم ينطق القرآن بنصها، وأوتي ﷺ من بيان القرآن وتفسيره، فإن بيان القرآن مفوض إليه ﷺ، قال الله تعالى (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) وفي تكرير كلمة التنبيه (ألا) توبيخ نشأ من غضب عظيم؛ عن من ترك السنة والعمل بالحديث استغناء بالكتاب؛ فكيف بمن ترك العمل بالحديث استغناء بالرأي (١)!!. اهـ
ولولا خشية الإطالة لروينا العشرات من الأحاديث الصحيحة التي تثبت وجود الصراط، والميزان، وعذاب القبر، وكلهم ينكرهم الكيالي هذا؛ فلننتبه الى هذه الدعوات الهدامة ولننبذها بشدة وبالله التوفيق.
_________
(١) وأما ما رواه بعضهم أنه ﷺ قال: "إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه" فإنه حديث باطل لا أصل له، وقد حكى زكريا الصاحبي عن يحيى بن معين -رحمهما الله- أنه قال: هذا حديث وضعته الزنادقة اهـ (الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ١/ ١٩٢.المؤلف: أحمد بن عبد الرحمن بن محمد البنا الساعاتي (المتوفى: ١٣٧٨ هـ)
1 / 11