الموسوعة الحديثية بين الواقع والمأمول
الموسوعة الحديثية بين الواقع والمأمول
خپرندوی
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
ژانرونه
تمهيد
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقّ؛ ليظهره على الدِّين كُلِّه، ولو كره الكافرون.
ولقد قام رسول الله ﷺ بالتبليغ والتبيين، فبلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأُمَّة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، وعبد رَبَّه حتى أتاه اليقين، فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
ورضي الله ﵎ عن صحابته أجمعين، الغُرّ الميامين، الذين قاموا بنقل الشريعة بأمانة ونصح، ورضي الله عن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. وبعد:
فإنَّ خدمة هذا الدِّين وإظهار علوم سَيّد المرسلين ﷺ واجب إسلامي، وهو أمانة في أعناق العلماء العاملين، والأئمة المصلحين، وما ذاك إلاَّ بنشر سُنَّته ﷺ، والعمل بها، والدعوة إليها، وحفظها، والذَّوْدِ عن حياضها.
ولقد قيَّض الله تعالى لذلك أئمة عاملين، ودعاة مخلصين، أفنوا أعمارهم وبذلوا النفس والنفيس في سبيل ذلك.
ومن هؤلاء الأئمة الذين بذلوا الجهود المضنية في جمع السُّنَّة النبوية، وفي حفظها وتدوينها، وفي ضبط أسانيدها وشرح متونها، واستنباط الأحكام منها، ومعرفة صحيحها من سقيمها.
1 / 1
ولذلك أُلِّفت الجوامع، والسنن، والمسانيد، والمعاجم، والمصنَّفات، والأجزاء، وكتب الجرح والتعديل، وموسوعات تراجم الرجال والرواة الشاملة للثقات والضعفاء، أو المخصصة للضعفاء والمجروحين، وهكذا.
ولأجل ذلك وضعت علوم جمَّة لخدمة السنة، وفق مناهج علمية رصينة، وقواعد محكمة، لمعرفة درجة كل حديث، والاستفادة من الفوائد الإسنادية والمتنية.
ومن المعلوم أن السُّنَّة هي المصدر الثاني للتشريع، وقد كانت محصورةً في زمن البعثة باعتبار صدورها عن رسول الله ﷺ، من قول أو فعل أو تقرير، ولكنْ كثرتْ طُرُقُها، وتشعَّبتْ أسانيدُها، باعتبار النقلة من عصر الصحابة ﵃ إلى آخر عصر الإسناد، في المصنَّفات والجوامع والسنن والأجزاء ... كحديث العرنيين، بلغت طرقه أكثر من (٥٠) طريقًا، وهو واقعة واحدة، وحديث واحد صادر عن المصطفى ﷺ (١) . وكحديث جابر بن عبد الله في صفة حجة النبي ﷺ، بلغت طرقه أكثر من (١٠٠) طريق، مختصرًا ومطولًا، وهو حديث واحد يصور واقعة واحدة (٢) .
لذا عكف العلماء في مختلف العصور على فكرة الجمع الموسوعي للوصول إلى حصر السُّنَّة وفق أصلها، للعمل بها وتبليغها للناس.
هذا وإنَّ فكرة هذا الجمع، الشامل للأحاديث النبوية، ليست وليدة هذا العصر، بل كانت ماثلةً في أذهان المتقدمين، وقائمةً في بعض مصنَّفاتهم بصور مختلفة.
_________
(١) انظر تخريجه في «مسند أحمد» ١٩ / ٩٧ – ٩٩.
(٢) انظر المصدر السابق ٢٢ / ٣٢٥ – ٣٣١.
1 / 2
لقد أدرك الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت٨٥٢؟) أهمية جمع الأحاديث النبوية واستيعابها في مصنَّف واحد، وإلى ذلك يشير قوله (١): «ولقد كان استيعابُ الأحاديث سهلًا، لو أراد الله تعالى ذلك، بأن يجمع الأول منهم ما وصل إليه، ثم يذكر مَنْ بعده ما اطَّلع عليه ممَّا فاته من حديث مستقل أو زيادة في الأحاديث التي ذكرها، فيكون كالدليل عليه، وكذا من بعده، فلا يمضي كثيرٌ من الزمان إلاَّ وقد استُوعبت وصارت كالمصنَّف الواحد، ولعمري لقد كان هذا في غاية الحسن» .
ويقول أيضًا رحمه الله تعالى (٢): «وإن المتعيّن على من يتكلَّم على الأحاديث أن يَجْمَعَ طُرُقَها، ثم يجمعَ ألفاظ المتون إذا صَحَّت الطُّرُقُ ويشرحها على أنه حديث واحد، فإنَّ الحديث أولى ما فُسِّرَ بالحديث» .
والجمع الموسوعي عند المتقدِّمين يتمثَّل بحلقات موسوعية، تُحقِّق أهدافًا موسوعية مقيدة، وتتمثل بحلقات مختلفة: في كتب الأطراف، وكتب جمع المتون، وكتب الزوائد على كتب معينة.
ولو نَظَرْنا بعين الإنصاف والشمول لرأينا أنَّ النظرة الموسوعية في التصنيف والتأليف كان صاحب السبق فيها هو الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، بما جمعه واحتواه من طريقة المتقدِّمين وفوائد المتأخرين، وبخاصَّة في كتابه «المطالب العالية»، حيث جمع زوائد المتون والأسانيد، على مطالب الساحة الراهنة في الجمع والتصنيف والتبويب.
وسيكون جمع المادة العلمية لهذا البحث ضمن العناصر الرئيسة التالية:
_________
(١) «تدريب الراوي» ١/١٠٠.
(٢) «فتح الباري» ٦ /٤٧٥.
1 / 3
١ - الجمع الموسوعي عند المتقدِّمين في براعة الحفظ والاستحضار.
٢ - التصنيف الموسوعي عند المتقدِّمين والمعاصرين.
٣- الجهود المبذولة في سبيل إعداد الموسوعة الشاملة باستخدام الحاسب الآلي.
٤ - مراحل طريقة الجمع الموسوعي.
٥ - مقترحات في تشكيل أهم اللجان الدائمة للعمل الموسوعي.
٦ - خاتمة في أهداف العمل الموسوعي.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
1 / 4
- الجمع الموسوعي عند المتقدِّمين في براعة الحفظ والاستحضار
كان المتقدِّمون من علماء المسلمين في غاية إتقان الحفظ واستحضار ما هو مركوزٌ في حافظتهم، حتى لو أعادَ أحدهم ما حفظه مراتٍ عديدةً، لا يُغَيِّرُ كلمةً منه، ولا يُحَرِّفُها أو يُصَحِّفُها، ولا يبدل بها مرادفًا لها.
ولو أملى من ذلك كتابًا ضخمًا من الأحاديث النبوية، أو القصائد الشعرية، أو المقطعات النثرية؛ لَمَا غَاب عنه شيءٌ من محفوظاته مطلقًا، لقوة ملكة حفظه، وسرعة نُطْقه واستحضاره.
والجمع الموسوعي عند المتقدِّمين، في الحديث النبوي، كان أعظم من الجمع الموسوعي على الحاسب الآلي، في هذه الأزمنة، ويتجلَّى ذلك واضحًا في تراجمهم وأخبارهم التي نُقلت إلينا، والتي تشهدُ على سعة حفظهم، وسيلان ذهنهم، واطِّلاعهم الواسع على علل الحديث، ومعرفة صحيحها من سقيمها.
وممَّن اشتهر بالحفظ وسعة الاطّلاع: الحافظُ الكبير، شيخُ الإسلام، أبو نُعَيْم الفَضْل بن دُكَيْن الكوفي المُلائي (١٣٠ - ٢١٩؟) .
قال يعقوب الفَسَوِي (١): أجمع أصحابُنا أنَّ أبا نُعَيْم كان غايةً في الإتقان والحفظ.
وقال أبو حاتم الرازي (٢): كان حافظًا متقنًا، لم أَرَ من المحدِّثين من يحفظ
_________
(١) «المعرفة والتاريخ» ٢ / ٦٣٣.
(٢) «الجرح والتعديل» ٧ / ٦٢، و«سير أعلام النبلاء» ١٠ / ١٤٨.
1 / 5
ويأتي بالحديث على لفظٍ واحدٍ لا يُغَيِّرُه سوى قَبِيصة وأبي نعيم في حديث الثوري، وكان أبو نُعَيْم يحفظُ حديث الثوري حفظًا جيدًا، يعني الذي عنده عنه. قال: وهو ثلاثة آلاف وخمسمئة حديث، ويحفظ حديث مِسْعَر، وهو خمسمئة حديث، وكان لا يُلَقَّن (١) .
ومما يشهدُ له بالحفظ والاطلاع اختبارُ يحيى بن مَعِين له بحضرة الإمام أحمد بن حنبل. فقد روى الخطيبُ البغداديُّ (٢) من طريق أحمد بن منصور الرمادي قال:
خرجتُ مع أحمد ويحيى بن مَعِين إلى عبد الرزاق خادمًا لهما، فلمَّا عُدْنا إلى الكوفة قال يحيى بن مَعِين لأحمد بن حنبل: أُرِيدُ أنْ أختبرَ أبا نُعَيْم، فقال أحمد: لا تُرِدْ، فالرجلُ ثقةٌ. قال يحيى: لا بُدَّ لي.
فأخذ ورقة فكتب فيها ثلاثين حديثًا، وجعل على رأس كل عشرة منها حديثًا ليس من حديثه. ثم إنهم جاؤوا إلى أبي نُعَيْم، فخرج، وجلس على دكان طين، وأقعد أحمد بن حنبل عن يمينه، ويحيى عن يساره، وجلستُ أسفل.
فقرأ عليه يحيى عشرة أحاديث، وهو ساكت، ثم الحادي عشر، فقال أبو نعيم: ليس هذا من حديثي، فاضْرِبْ عليه. ثم قرأ العشرة الثانية وقرأ الحديث الثاني فقال: هذا أيضًا ليس من حديثي، فاضْرِبْ عليه. ثم قرأ العشرة الثالثة وقرأ الحديث الثالث، فتغيَّر أبو نعيم، وانقلبتْ عيناه.
_________
(١) قال الحافظ الذهبيُّ في «سير أعلام النبلاء» ١٠ / ٢١٠ فيمن يُلَقَّن: أنه كان يُحَدِّثُهم بالحديث، فيتوقَّف فيه ويتغلَّط، فيردُّون عليه، فيقول. ومثلُ هذا غضٌّ عن رتبة الحفظ لجوازِ أنَّ فيما رُدَّ عليه زيادةً أو تغييرًا يسيرًا، والله أعلم.
(٢) «تاريخ بغداد» ٢ / ٢٠ - ٢١.
1 / 6
ثم أقبل على يحيى، فقال: أمَّا هذا - وذراعُ أحمد بيده - فأورعُ من أن يعمل مثل هذا، وأمَّا هذا - يريدني - فأقلُّ من أن يفعل ذاك، ولكن هذا من فعلك يا فاعل.
ثم أخرج رجله، فرفس يحيى بن مَعِين وقلبه عن الدكان، وقام فدخل داره، فقال أحمد بن حنبل ليحيى: ألم أنهك وأقل لك: إنه ثَبْت؟ فقال له يحيى: واللهِ! لرفستُه لي أحبُّ إليَّ من سفرتي.
وقال أبو عُبَيْد الآجُرِّي (١): قلتُ لأبي داود: كان أبو نُعَيْم حافظًا؟ قال: جدًّا.
ومن أئمة هذا الشأن: الحافظ الإمام الجِهْبذ شيخ المحدِّثين أبو زكريا يحيى بن مَعِين (١٥٨ - ٢٣٣؟) .
قال أحمد بن عُقْبة (٢): سألت يحيى بن مَعِين: كم كتبتَ من الحديث؟ قال: كتبتُ بيدي هذه ستَّ مئة ألف حديث.
وقال عبَّاس الدُّوري (٣): سمعتُ يحيى يقول: لو لم نكتب الحديث خمسين مرة، ما عَرَفْناه.
وقال محمد بن نصر الطبري (٤): دخلتُ على يحيى بن مَعِين، فوجدتُ عنده كذا وكذا سَفَطًا دفاتر، وسمعتُه يقول: كتبتُ بيدي ألفَ ألفِ حديث، وكُلُّ حديثٍ لا يُوجَدُ هاهنا - وأشارَ بيده إلى الأسفاط - فهو كذب.
_________
(١) «سؤالاته» ص (٩٩) .
(٢) «سير أعلام النبلاء» ١١ / ٨١.
(٣) المصدر السابق ١١ / ٨٤.
(٤) المصدر السابق ١١ / ٩١ - ٩٢.
1 / 7
وقال العِجْلي (١): ما خَلَقَ اللهُ أحدًا كان أعرفَ بالحديث من يحيى بن مَعِين. كان يُؤْتى بالأحاديث قد خُلطت وقُلبت، فيقول: هذا كذا، وهذا كذا، كما قال.
ومن أئمة الحُفَّاظ وسادتهم: الإمام الكبير، شيخ المشرق، إسحاق بن راهويه (١٦١ - ٢٣٨؟) .
قال الشَّعْبي (٢): ما كتبتُ سوداءَ في بيضاء إلى يومي هذا، ولا حدَّثني رجلٌ بحديثٍ قطُّ إلاَّ حفظتُه، ولا أحببتُ أن يُعيده عليَّ. قال علي بن خشرم: فحدَّثْتُ بهذا إسحاق بن راهويه، فقال: تعجَبُ من هذا؟ قلتُ: نعم. قال: ما كنت أسمع شيئًا إلا حَفِظْتُه، وكأني أنظر إلى سبعين ألف حديث - أو قال: أكثر من سبعين ألف حديث - في كتبي.
قال أبو داود الخَفَّاف (٣): سمعتُ إسحاق بن راهويه، يقول: لكأني أنظر إلى مئة ألف حديث في كتبي، وثلاثين ألفًا أَسْرُدُها. قال: وأَمْلَى علينا إسحاق أحدَ عشر ألف حديثٍ من حفظه، ثم قرأها علينا، فما زاد حرفًا، ولا نقص حرفًا.
قال الحافظ الذهبي (٤): فهذا واللهِ الحفظ.
وعن إسحاق بن راهويه، قال: ما سمعتُ شيئًا إلا وحفظتُه، ولا حفظتُ شيئًا قطُّ فنسيتُه (٥) .
_________
(١) «النكت على كتاب ابن الصلاح» للحافظ ابن حجر ٢ / ٨٧١.
(٢) «تاريخ بغداد» ٦ / ٣٥١ - ٣٥٢.
(٣) المصدر السابق ٦ / ٣٥٢ و٣٥٤.
(٤) «سير أعلام النبلاء» ١١ / ٣٧٣.
(٥) المصدر السابق.
1 / 8
وقال أبو يزيد محمد بن يحيى: سمعت إسحاق يقول: أحفظُ سبعين ألف حديث عن ظهر قلبي.
وقال أحمد بن سلمة: سمعت أبا حاتِم الرازي، يقول: ذكرتُ لأبي زُرعة حِفْظَ إسحاق بن راهويه، فقال أبو زرعة: ما رُئي أحفظ من إسحاق، ثم قال أبو حاتِم: والعجب من إتقانه، وسلامته من الغلط مع ما رُزِقَ من الحفظ. فقلت لأبي حاتم: إنه أملى التفسير عن ظهر قلبه. قال: وهذا أعجب، فإن ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهونُ من ضبط أسانيد التفسير وألفاظها.
وقال إبراهيم بن أبي طالب الحافظ (١): فاتني عن إسحاق مجلسٌ مِن مُسنده، وكان يُمِلُّه حفظًا، فترددت إليه مِرارًا ليُعيده، فتعذَّر. فقصدته يومًا لأسأله إعادته، وقد حمَلْتُ إليه حنطة من الرُّستاق، فقال لي: تقومُ عندي وتكتبُ وزن هذه الحنطة، فإذا فرغْتَ أعدتُ لك. ففعلتُ ذلك، فسألني عن أول حديث من المجلس، ثم اتكأ على عُضادة الباب، فأعاد المجلس حفظًا. وكان قد أملى «المسند» كُلَّه حفظًا، وقرأه أيضًا من حفظه ثانيًا كلّه.
وقال أبو يَزيد محمد بن يحيى بن خالد (٢): سمعتُ إسحاق بن راهويه الحنظلي يقول: أعرفُ مكان مئة ألف حديث، كأني أنظرُ إليها، وأحفظُ سبعين ألف حديث عن ظهر قلبي، وأحفظُ أربعة آلاف حديث مُزَوَّرة. فقيل له: ما معنى حفظ المُزَوَّرة؟ قال: إذا مَرَّ بي منها حديثٌ في الأحاديث الصحيحة فَلَيْتُه منها فَلْيًا.
_________
(١) «تاريخ بغداد» ٦ / ٣٥٤.
(٢) المصدر السابق ٦ / ٣٥٢.
1 / 9
ومن المشهورين بالحفظ: شيخ الإسلام، الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل (١٦٤ - ٢٤١؟) .
قال عبد الله بن أحمد (١): قال لي أبو زُرْعة: أبوك يحفظ ألفَ ألفِ حديث. فقيل له: وما يُدريك؟ قال: ذاكرتُه فأخذتُ عليه الأبواب.
قال الحافظ الذهبي: فهذه حكاية صحيحة في سعة علم أبي عبد الله.
وقال ابن أبي حاتم (٢): قال سعيد بن عَمْرو: يا أبا زُرْعة، أأنتَ أحفظُ أم أحمد؟ قال: بل أحمد. فقلتُ: كيف علمتَ؟ قال: وجدتُ كتبه ليس في أوائل الأجزاء أسماءُ الذين حدَّثوه، فكان يحفظُ كُلَّ جزء ممَّن سمعه، وأنا لا أقدرُ على هذا.
وعن أبي زُرْعة قال (٣): حُزِرَتْ كُتُب أحمد يوم مات، فبَلَغَتْ اثني عشر حِمْلًا وعِدْلًا. ما كان على ظَهْرِ كتابٍ منها: حديث فلان، ولا في بطنه: حَدَّثنا فلان، كلّ ذلك كان يحفظُه عن ظهر قلبه.
وقال حسن بن مُنَبِّه (٢): سمعتُ أبا زُرْعة يقول: أخرج إليَّ أبو عبد الله أجزاءً، كُلُّها: سفيان سفيان، ليس على حديث منها: حدثنا فلان، فظننتُها عن رجلٍ واحد، فانتخبتُ منها. فلمَّا قرأ ذلك عليَّ جعل يقول: حدَّثنا وكيع ويحيى، وحدَّثنا فلان، فعجبتُ من ذلك، وجهدتُ أن أَقْدِرَ على شيءٍ من هذا، فلم أَقْدِرْ.
وقال عبد الله بن أحمد (٤): قال لي أبي: خُذْ أيَّ كتابٍ شئتَ من كُتُب
_________
(١) «سير أعلام النبلاء» ١١ / ١٨٧.
(٢) «سير أعلام النبلاء» ١١ / ١٨٧.
(٣) المصدر السابق ١١ / ١٨٨.
(٤) المصدر السابق ١١ / ١٨٦.
1 / 10
وكيع من المصنّف، فإنْ شئتَ أن تسألني عن الكلام حتى أُخبرك بالإسناد، وإنْ شئتَ بالإسناد حتى أُخبرك أنا بالكلام.
وعن أحمد الدَّوْرَقي (١)، عن أبي عبد الله، قال: نحن كَتَبْنا الحديث من ستة وجوهٍ وسبعة لم نضبطه، فكيف يضبطُه من كتبه منْ وَجْهٍ واحد؟!.
ومن حُفَّاظ الدنيا: أمير المؤمنين في الحديث الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (١٩٤ - ٢٥٦؟) .
قال محمد بن أبي حاتم الورَّاق (٢): سمعتُ حاشدَ بنَ إسماعيل وآخر يقولان: كان أبو عبد الله البخاري يختلفُ معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلامٌ، فلا يكتب، حتى أَتَى على ذلك أيام، فكُنّا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب، فما تصنع؟ فقال لنا يومًا بعد ستة عشر يومًا: إنكما قد أكثرتُما عليَّ وألححتُما، فاعْرِضا عليَّ ما كتبتُما. فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزادَ على خمسة عشر ألف حديث، فقَرَأَها كُلَّها عن ظهر القلب، حتى جعلنا نُحْكِمُ كُتُبَنا من حفظه.
ثم قال: أَتَرَوْن أني أختلف هَدْرًا، وأُضَيِّع أيامي؟! فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.
وقال ابنُ عَدِيّ (٣): حدثني محمد بن أحمد القُومسي، سمعتُ محمد بن خميرويه، سمعتُ محمد بن إسماعيل يقول: أحفظُ مئة ألف حديث صحيح، وأحفظ مئتي ألف حديث غير صحيح.
_________
(١) المصدر السابق ١١ / ١٨٦.
(٢) «سير أعلام النبلاء» ١٢ / ٤٠٨.
(٣) المصدر السابق ١٢ / ٤١٥.
1 / 11
وقال أبو بكر الكَلْوَاذاني (١): ما رأيتُ مثل محمد بن إسماعيل، كان يأخذُ الكتابَ من العلماء، فيطَّلعُ عليه اطِّلاعةً، فيحفظُ عامَّةَ أطرافِ الأحاديث بمرَّة.
وقال علي بن الحُسَيْن بن عاصم البِيكَنْدي: قدم علينا محمد بن إسماعيل، قال: فاجتمعنا عنده، فقال بعضُنا: سمعتُ إسحاق بن راهويه يقول: كأنّي أنظرُ إلى سبعين ألف حديثٍ من كتابي. ̧ فقال محمد بن إسماعيل: أو تَعْجَبُ من هذا؟! لعلَّ في هذا الزمان مَنْ ينظرُ إلى مئتي ألف حديث من كتابه. وإنما عَنَى به نفسه.
ومن أعجب العجائب ما فعله أصحاب الحديث مع الإمام البخاري، وهذه القصَّة أوردها الخطيبُ البغدادي (٢) من طريق أبي أحمد بن عَدِيّ قال: سمعت عدة مشايخ يحكون: أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحابُ الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مئة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متنَ هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسنادَ هذا المتن لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس، إلى كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أَنْ يُلقوا ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم ومن البغداديين.
فلمَّا اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجلٌ من العشرة فسأله عن حديثٍ من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا
_________
(١) المصدر السابق ١٢ / ٤١٦.
(٢) «تاريخ بغداد» ٢ / ٢٠ - ٢١.
1 / 12
أعرفه، فما زال يُلقي عليه واحدًا بعد واحد حتى فرغ من عشرته والبخاريُّ يقول: لا أعرفه.
فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: فَهِم الرجل، ومن كان فَهِمَ منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الحفظ.
ثم انتدب إليه رجلٌ آخر من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاريُّ: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال:
لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، فلم يَزَلْ يُلقي عليه واحدًا بعد واحدٍ حتى فرغ من عشرته والبخاريُّ يقول: لا أعرفه.
ثم انتدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة والبخاريُّ لا يزيدهم على لا أعرفه.
فلمَّا عَلِمَ البخاريُّ أنهم قد فَرَغُوا التفت إلى الأول منهم فقال: أمَّا حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث والرابع على الولاء، حتى أتى على تمام العشرة.
فرَدَّ كلَّ متنٍ إلى إسناده، وكُلَّ إسنادٍ إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ردَّ متونَ الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدَها إلى متونها، فأقرَّ الناسُ له بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل.
قال الحافظ ابن حجر (١): سمعتُ شيخنا - يعني الحافظَ العراقيَّ - غير مرة يقول: ما العجبُ من معرفة البخاري بالخطأ من الصواب في الأحاديث لاتِّساع معرفته، وإنما يُتعجب منه في هذا لكونه حَفِظَ موالاة الأحاديث على
_________
(١) «النكت على كتاب ابن الصلاح» ٢ / ٨٦٩ - ٨٧٠.
1 / 13
الخطأ من مرَّةٍ واحدة.
وقال أيضًا رحمه الله تعالى (١): وهنا تخضع للبخاري الرقاب، فما العجب من رَدِّه الخطأَ إلى الصواب، بل العجب من حفظه للخطأ القليل الفائدة، على ترتيب ما أَلْقَوْه عليه من مرَّة واحدة.
وأضاف الحافظ السخاوي (٢): ولا عجب، لأنه في سرعة الحفظ: طويل الباع، وهو إمام النُّقَّاد بلا نِزاع، وحصرُ سيلانِ ذهنه لا يُستطاع.
فإن قيل: كيف ساغ لهم هذا الامتحان العجيب، الذي ارتكبوا بسببه شِبْه الوضع في هذا التقليب، وربما يترتَّبُ عليه تغليطُ المُمْتَحَن، واستمرارُه على روايته، لظنّه أنه صواب، بحيث يُعَدُّ من البلايا والمحن، وقد يسمعُه من لا خبرة له، فيرويه على هذه الصيغة المهملة؟
قلت: لما رأوا فيه من تمام المصلحة، التي منها: معرفةُ رتبة الراوي في الضبط، في ساعة ولمحة.
وأيضًا، ففعلُهم لهذا ينتهي بانتهاء الحاجة، بحيث يزول أثرُه، ونأمن علاجه، وقد فعله غيرُ واحد من الأكابر، المجتهدين في تحقيق السُّنَّة بالألسُن والمحابر.
وما لعلَّه ينتج من مفسدته، فهو دون ما أبديناه من مصلحتِه.
وقال أبو الأزهر (٣): كان بسمرقند أربعمئة ممَّن يطلبون الحديث، فاجتمعوا سبعة أيام، وأحبُّوا مغالطة محمد بن إسماعيل، فأدخلوا إسنادَ الشام
_________
(١) «هدي الساري» ص ٤٨٦.
(٢) «عمدة القارئ والسامع» ص ٥٥ - ٥٦.
(٣) «سير أعلام النبلاء» ١٢ / ٤١١.
1 / 14
في إسناد العراق، وإسنادَ اليمن في إسناد الحرمين، فما تعلَّقُوا منه بسَقْطةٍ لا في الإسناد، ولا في المتن.
ومن هؤلاء الأعلام: الإمام سيد الحُفَّاظ، أبو زُرْعة عُبَيْد الله بن عبد الكريم الرازي (ت٢٦٤؟) .
قال أبو إسحاق الجوزجاني (١): كُنّا عند سُلَيْمان بن عبد الرحمن، فلم يَأْذَنْ لنا أيامًا، ثم دخلنا عليه، فقال: بلغني وُرُودُ هذا الغلام، يعني أبا زُرْعة، فدرستُ للالتقاءِ به ثلاثَمئة ألف حديث.
وقال صالح بن محمد جَزَرَة (٢): سمعتُ أبا زُرْعَة يقولُ: كتبتُ عن إبراهيم ابنِ موسى الرَّازي مئةَ ألفِ حديثٍ، وعن أبي بكر بن أبي شَيْبة مئة ألفٍ. فقلتُ له: بَلَغَني أنَّك تحفَظُ مئةَ ألفِ حديثٍ، تَقْدِرُ أن تُملي عليَّ ألفَ حديثٍ من حفظٍ؟ قال: لا، ولكنْ إذا أُلقيَ عَليَّ عَرَفْتُ.
وقال أبو عبد الله بن مَنْدَه الحافظ: سمعتُ أبا العبَّاس محمد بن جَعْفر بن حَمْكَوَيْه بالرَّي يقول: سُئِل أبو زُرْعة عن رَجُل حَلَف بالطَّلاق: أنَّ أبا زُرْعَة يحفظُ مئتي ألف حديث هَل حَنِثَ؟ فقال: لا. ثم قال أبو زرعة: أحفظُ مئتي ألفِ حديثٍ كما يحفظُ الإنسانُ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:١] وفي المُذَاكرة ثلاثَمئةِ ألفِ حديثٍ.
قال الحافظ الذهبي (٣): هذه حكايةٌ مُرْسَلةٌ، وحكايةُ صالح جَزَرَة أصَحُّ.
وقال الحافظُ أبو أحمد بنُ عَدِي (٤): سَمعتُ أبي يقولُ: كنتُ بالرَّي، وأنا
_________
(١) المصدر السابق ١٣ / ٨٠.
(٢) «سير أعلام النبلاء» ١٣ / ٦٨.
(٣) المصدر السابق ١٣ / ٦٩.
(٤) «تاريخ بغداد» ١٠ / ٣٢٤ - ٣٢٥.
1 / 15
غلامٌ في البزازين، فَحَلَف رجل بطلاق امرأته: أنَّ أبا زُرْعة يحفظُ مئةَ ألفِ حديثٍ. فَذَهبَ قومٌ - أنا فيهم - إلى أبي زُرْعة، فسألناه، فقال: ما حَمَلَه على الحلف بالطَّلاق؟ قيلَ: قد جَرى الآن منه ذلك. فقال أبو زُرْعَة: ليُمْسِكْ امرأتَه، فإنَّها لم تطلق عليه. أو كما قال.
وقال أبو عبد الله الحاكم (١): سمعتُ أبا جَعْفر محمد بن أحمد الرَّازي يقول: سمعتُ محمد بن مُسْلم بن وَارَة قال: كنتُ عند إسْحاق بِنَيْسابور، فقال رَجُلٌ من العِراق: سمعتُ أحمد بن حَنْبل يقول: صَحَّ من الحديث سبعُمئةِ ألفِ حديثٍ وكسرٌ، وهذا الفتى - ̧ يعني أبا زُرْعة - قد حَفِظَ ستَّمئةِ ألفِ حديث.
وقال عُمَر بن محمد بن إسحاق القَطَّان (٢): سمعتُ عبد الله بن أحمد بن حَنْبل، سمعتُ أبي يقول: ما جاوزَ الجِسْرَ أحدٌ أفْقهُ من إسحاق بن رَاهَوَيْه، ولا أحفظُ من أبي زُرْعة.
قال ابن عدي (٣): سمعتُ أبا يَعلى الموْصِلي يقول: ما سمعنا بذكر أحد في الحفْظِ، إلاَّ كانَ اسمُه أكبرَ من رُؤيتِه، إلا أبا زُرْعة الرَّازي، فإنَّ مُشاهدَتَه كانتْ أعظم من اسمِه، وكانَ قد جَمَعَ حفظَ الأبوابِ والشُّيُوخ والتَّفْسير، كتبنا بانتخابه بواسط سِتَّةَ آلاف حديثٍ.
وقال الحاكم (٤): سمعتُ الفقيه أبا حَامد أحمد بن محمد، سمعتُ أبا العَبَّاس الثَّقفي يقول: لما انصرف قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ إلى الرَّي، سَألُوه أن يُحدِّثَهم،
(١) المصدر السابق ١٠ / ٣٣٢.
(٢) «تاريخ بغداد» ١٠ / ٣٢٨.
(٣) المصدر السابق ١٠ / ٣٣٤.
(٤) المصدر السابق ١٠ / ٣٣٢.
1 / 16
فامتنع، فقال: أُحدِّثُكم بعد أن حضر مجلسي أحمد، وابنُ مَعِين، وابنُ المديني، وأبو بكر بنُ أبي شَيْبَة، وأبو خيثمة؟ قالوا له: فإن عندنا غُلامًا يَسْرُدُ كلَّ ما حَدَّثْتَ به، مجلسًا مجلسًا، قمْ يا أبا زُرْعة، قال: فقام، فَسَرَدَ كلَّ ما حدَّث به قُتَيْبة، فحدَّثهم قُتَيْبة.
وممن امتحنه تلاميذه: الحافظ الجليل الناقد أبو جعفر محمد بن عَمْرو بن موسى العُقَيْلي الحِجازي (ت٣٢٢؟) .
قال مسلمة بن القاسم (١): كان العُقَيْليُّ جليلَ القَدْر، عظيمَ الخطر، ما رأيتُ مِثْلَه، وكان كثيرَ التصانيف، فكان مَنْ أتاه من المحدِّثين، قال: اقرأْ من كتابك، ولا يُخرج أصلَه.
قال: فتكلَّمنا في ذلك، وقلنا: إمَّا أن يكون من أحفظ الناس، وإمَّا أن يكون من أكذب الناس. فاجتمعنا فاتَّفقنا على أنْ نكتب له أحاديثَ من روايته، ونَزِيد فيها وننقص.
فأتيناه لنمتحنَه، فقال لي: اقرأْ، فقرأتُها عليه، فلمَّا أتيتُ بالزيادة والنقص، فَطِنَ لذلك، فأَخَذَ مني الكتاب، وأخذ القلم، فأَصْلحها من حِفْظِه، فانصرفنا من عنده، وقد طَابَتْ نفوسُنا، وعلمنا أنه من أحفظ الناس.
_________
(١) «سير أعلام النبلاء» ١٥ / ٢٣٧، و«تذكرة الحفاظ» ٣ / ٨٣٣ - ٨٣٤.
1 / 17
٢- التصنيف الموسوعي عند المتقدِّمين والمعاصرين
الحلقة الأولى: كتب الأطراف
...
الحلقة الأولى: كتب الأطراف
لقد أدرك الأئمة منذ اللحظة الأولى ضرورة العمل الموسوعي، وكان هو الباعثَ لوَضْع التصنيف، بشكلٍ أو بآخر، وبهذا تختلف مُصَنَّفاتُ كلِّ فَنٍّ بحَسَبِه.
ولكن كُتُبَ الحديث - وبدرجةٍ أصيلةٍ - تعتمدُ على الإسناد؛ إذْ هو مدارُ القبول والردّ، فوَضَعَ فيه الأئمةُ المتقدِّمون مُصَنَّفاتِهم بهذا الاعتبار، وكانتْ درجةُ كُلِّ مصنَّف تختلفُ باعتبار درجة التوثيق في أسانيدها، ومدى اعتبارِ ذلك في طُرُقِ مروياتهم، فجاءت كُتُبُ الصِّحاح والمسانيد والمعاجم والمشيخات تُحَقِّقُ الأهدافَ الموسوعية، ولكن على نحوٍ غير مباشر.
ولقد كان فَضْلُ السَّبق في التصنيف الموسوعي في الحديث الشريف وبالمفهوم المعاصر، على نحوٍ واضح وملموس، وبنظام مُحْكَم؛ للأئمة الذين جمعوا الأحاديث على طريقة فنّ الأطراف، وذلك في تأصيل لهذا العمل على قواعدَ ثابتة، وهو يتمثَّل في كتبهم التالية:
١ - «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف»
للإمام الحافظ المُتْقِن جمال الدِّين أبي الحجَّاج يوسف بن عبد الرحمن المِزّي (٦٥٤ - ٧٤٢؟) .
٢ - «جامع المسانيد والسُّنَن الهادي لأَقْوَمِ سَنَن»: للإمام الحافظ عماد الدِّين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (٧٠٠ - ٧٧٤؟) .
٣ - إِطْراف المُسْنِد المُعْتَلِي بأَطْراف المُسْنَد الحنبلي»: للإمام الحافظ شهاب الدِّين أبي الفَضْل أحمد بن علي بن حَجَر العسقلاني (٧٧٣-٨٥٢؟) .
٤ - «إتحاف المَهَرة بالفوائد المُبْتَكَرة من أطراف العَشَرَة»: للحافظ ابن
1 / 21
حَجَر أيضًا.
٥ - «ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث»: للعلاَّمة عبد الغني بن إسماعيل الدمشقي المعروف بالنَّابُلُسِيّ (١٠٥٠-١١٤٣؟) .
١- «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف»
للإمام العلامة أبي الحجّاج جمال الدِّين يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزّي (٦٥٤ - ٧٤٢؟) .
وهو موسوعة إسنادية ضمن إطارٍ محدودٍ، وهو الكتبُ السِّتة وملحقاتها، وهو لَبِنَةٌ في الهيكل الموسوعي العامّ للسُّنَّة النبوية.
قال مؤلّفه رحمه الله تعالى في المقدمة (١):
«فإني قد عَزَمْتُ على أنْ أجمعَ في هذا الكتاب - إن شاء الله تعالى - أطرافَ الكتب الستة التي هي عمدةُ أهلِ الإسلام، وعليها مدارُ عامَّةِ الأحكام، وهي:
١ - «صحيح» محمد بن إسماعيل البُخاري (ت٢٥٦؟) .
٢ - و«صحيح» مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت٢٦١؟) .
٣ - و«سنن» أبي داود السِّجِسْتاني (ت٢٧٥؟) .
٤ - و«جامع» أبي عيسى التِّرْمذي (ت٢٧٩؟) .
٥ - و«سنن» أبي عبد الرحمن النَّسائي (ت٣٠٣؟) .
٦ - و«سنن» أبي عبد الله بن مَاجَه القَزْويني (ت٢٧٣؟) .
وما يجري مجراها من:
«مقدمة» كتاب مسلم. وكتاب «المراسيل» لأبي داود.
_________
(١) ١ / ٣ - ٥.
1 / 22
وكتاب «العلل» للترمذي، وهو الذي في آخر كتاب الجامع له.
وكتاب «الشمائل» له. وكتاب «عمل يوم وليلة» للنَّسائي.
مُعْتَمِدًا في عامّة ذلك على كتاب أبي مسعود الدمشقي (ت٤٠١؟) وكتاب خلف الواسطي (ت بعد ٤٠٠؟) في أحاديث الصحيحَيْنِ، وعلى كتاب أبي القاسم بن عساكر (ت٥٧١؟) في كتب السُّنَن وما تقدّم ذِكْرُه معها.
ورَتَّبْتُه على نحو ترتيب كتاب أبي القاسم، فإنه أَحْسَنُ الكُلِّ ترتيبًا، وأَضَفْتُ إلى ذلك بعضَ ما وَقَعَ لي من الزيادات التي أَغْفَلُوها، أو أغْفَلَها بعضُهم، أو لم يَقَعْ له من الأحاديث ومن الكلام عليها، وأصلحتُ ما عثرتُ عليه في ذلك مِنْ وَهمٍ أو غَلَط.
وكان الشُّروعُ فيه يوم عاشوراء سنة ستّ وتسعين وستّمئة، وخُتم في الثالث من ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وسبعمئة» . انتهى كلام المِزّي.
وقال الحافظ ابن حجر في «النكت الظراف على الأطراف»: «فإنَّ من الكُتُبِ الجليلةِ المُصَنَّفةِ في علوم الحديث كتابَ «تُحْفَة الأشراف بمعرفة الأطراف» تأليف شيخ شيوخنا الحافظ أبي الحجّاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف المِزّي، وقد حَصَلَ الانتفاعُ به شرقًا وغربًا، وتَنَافَسَ العلماءُ في تحصيله بُعْدًا وقُرْبًا» . اهـ.
وقد قسم المؤلِّفُ رحمه الله تعالى جميعَ أحاديثِ الكتب الستة وما يجري مجراها مُسْندِها ومُرْسَلِها - وعددُها ١٩٦٢٦ مع المكررات - إلى ١٣٩١ مُسْندًا، منها ٩٨٦ مُسْندًا منسوبًا إلى الصحابة رجالًا ونساء رضوان الله عليهم أجمعين، مُرَتَّبًا أسماؤهم على حروف المعجم، عن النبيّ ﷺ.
وباقي المسانيد (٩٨٧ - ١٣٩١) وعددها ٤٠٤ من المراسيل وما
1 / 23