68
وقد دل على هذا دلائل كثيرة منها: قوله تعالى: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: ١٤]، فاجتمعا في نص واحد، ونفى عنهم الإيمان، وأثبت لهم الإسلام؛ فدل على افتراقهما أنهم مسلمون لكن لم يبلغوا أن يكونوا مؤمنين. وحديث جبريل ﵇ المشهور (^١)، وفيه ذكر الإسلام: بالأركان الخمسة، والإيمان: بالأصول الستة. فإنهما اجتمعا في نص واحد، أجاب النبي ﷺ لكلٍ بمعنى غير الآخر؛ فدل على افتراقهما. ومعنى افتراقهما: أن يأتي أحدهما في نص دون الآخر، فعندئذٍ يكون أحدهما بمعنى الآخر، فالإسلام هو الإيمان والعكس صحيح. ولهذا أدلة كثيرة في الوحيين: منها قوله تعالى في سورة آل عمران: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: ٨٥]. وفي أولها قوله سبحانه: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلامُ﴾ [آل عمران: ١٩]، فاقتضينا أن الدين عند الله الإيمان، ومن يبتغ غير الإيمان دينًا فلن يقبل منه. ومنه قوله تعالى في خطابه للمؤمنين في آيات كثيرة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ فإن الخطاب أيضًا متوجه للذين أسلموا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، مما يدل على تناول أحدهما الآخر عند الانفراد. ومن أصرح الأدلة من السنة على كون افتراقهما يُصِّيرُ معناهما واحدًا حديث وفد عبد القيس، المتفق على صحته من حديث أبي هريرة ﵁، أنهم جاؤوا إلى النبي ﷺ فقالوا: يا رسول الله، إن بيننا وبينك هذا الحي من مضر ولا نستطيع أن نأتيك إلا في الأشهر الحرم، فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة؟ فقال ﷺ: (آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: تشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، وتصوموا رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس) (^٢). فإن النبي ﷺ أخبرهم في الحديث عن الإيمان بأركان الإسلام، فدل على أنهما بمعنى واحد، مما يفيد أن أحدهما يغني عن الآخر عند الافتراق.

(^١) صحيح مسلم (٨). (^٢) صحيح البخاري (٥٣). وللمزيد في هذه المسألة، انظر: مسألة الإيمان لعلي بن عبد العزيز الشبل.

1 / 69