المبحث الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه
هذه المسألة مبنية على التي قبلها؛ فإن الماتريدية لما قالت بأن الإيمان هو التصديق وأن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان قالوا: بعدم زيادة الإيمان ونقصانه، وبنوا ذلك على أن التصديق لا يتصور فيه الزيادة والنقص.
قال الحكيم السمرقندي: "وينبغي أن يعلم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأن من يرى الزيادة والنقصان في الإيمان مبتدع، والزيادة والنقصان إنما تكون في الأفعال لا في الإيمان. ولم يقل أحد من العلماء والصالحين إن الإيمان يزيد وينقص" (^١).
وقال أبو المعين النسفي: "وإذا ثبت أن الإيمان هو التصديق، وهو لا يتزايد في نفسه، دل أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فلا زيادة له بانضمام الطاعات إليه ولا نقصان له بارتكاب المعاصي، إذ التصديق في الحالين على ما كان قبلهما " (^٢).
وهذا القول مخالف لقول أهل السنة والجماعة، وهو أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية (^٣)، والأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه من الكتاب والسُّنة وآثار السلف كثيرة جدًّا:
فمنها: قوله تعالى ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ [الأنفال: ٢]، وقال تعالى: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾ [مريم: ٧٦]، وقال تعالى: ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ [المدثر: ٣١]، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [الفتح: ٤].
وقد وصف النبي ﷺ النساء بنقصان العقل والدين، فقال: (... ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن) (^٤).
وفي حديث الشفاعة: (انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان، فأخرجه من النار) (^٥).
وكلام الصحابة ﵃ ومن بعدهم في هذا المعنى كثير أيضًا: قال أبو الدرداء: "من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو أم ينقص؟ " (^٦). وكان ابن مسعود ﵁ يقول في دعائه: "اللهم زدنا إيمانًا ويقينًا وفقهًا" (^٧).
وقال الشافعي ﵀: "الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية" (^٨). وقال البخاري ﵀: "لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار، فما رأيت أحدًا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص" (^٩).
(^١) سلام الأحكم: ١٨٩، ١٩٠. وانظر: ١٩٣ - ١٩٧. (^٢) التمهيد: ١٠٢، أصول الدين للبزدوي: ١٥٣، شرح العقائد النسفية: ٥٦ - ٥٩. (^٣) وللمزيد في هذه المسألة: انظر: زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه، لعبد الرزاق بن عبد المحسن البدر. (^٤) صحيح مسلم (٧٩). (^٥) صحيح البخاري (٧٥١٠)، وصحيح مسلم (١٩٣). (^٦) شرح العقيدة الطحاوية: ٢/ ١٢٦. (^٧) أخرجه الطبراني في الكبير (٨٥٤٩)، وقال الهيثمي في المجمع: إسناده جيد، وقال الحافظ ﵀ في الفتح (١/ ٤٨): رواه أحمد في الإيمان، وإسناده صحيح. (^٨) فتح الباري: ١/ ٤٧. (^٩) فتح الباري: ١/ ٤٧.
1 / 65