نازي المانيه
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
ژانرونه
Kreis IV : تعمل على توجيه نشاط وكلاء الطابور الخامس في أنحاء العالم، على أن تتعاون في ذلك مع قسم الجاسوسية العسكرية برآسة الكولونيل نيكولاي
Nicolai
وكان من ذوي السمعة السيئة.
الفصل السابع
ألمانيا النازية
سيطر النازيون بفضل تنظيماتهم الحزبية على الحياة الألمانية سيطرة كاملة، وكان غرضهم من هذه السيطرة أن يؤلفوا من الريخ تلك الكتلة الصلدة المتماسكة التي اعتبروا وجودها ضروريا من أجل إحراز السيطرة على القارة الأوروبية، ثم على بقية العالم في النهاية. ولا ريب في أن النازيين نجحوا في فرض سلطانهم على ألمانيا، ولو أنه من المشكوك فيه أنهم نجحوا في تأليف تلك الكتلة الصلدة المتماسكة التي كانوا يحلمون بها. وقد أفضى العمل على فرض سلطانهم على الريخ إلى التدخل في حياة الأفراد، رجاء أن يتمكنوا من توجيه الحياة العامة في ألمانيا حتى تسير في طريق واحد وعلى أسلوب واحد، ثم يقضون في أثناء ذلك على كل معارضة أو تذمر ويسعون لخلق الفرد الألماني الذي يبغون خلقه من جديد وفق الطراز النازي الصميم، أي الفرد الذي لا يستطيع أن يتذوق طعم السعادة الحقيقية الخالصة إلا بالاندماج أو الفناء في شخص الدولة التي يهيمن الزعيم على شئونها ومصيرها.
ولما كان إحكام هذه السيطرة الداخلية من أول الأسس التي أراد النازيون أن يشيدوا عليها صرح السلطة في داخل ألمانيا وخارجها، فقد وضعوا نصب أعينهم منذ أن خلص الحكم لهم التدخل في حياة الفرد والأسرة. ومر هذا التدخل في مراحل معينة، فنشط النازيون في أول الأمر يبغون فرض رقابتهم الدقيقة على حياة أعضاء الحزب النازي الخاصة؛ حتى ينشئوا أعضاء الحزب تنشئة نازية خالصة صحيحة، ويقصوا من صفوف الحزب كل المشتبه في ولائهم لتعاليم النازية ولشخص الزعيم؛ لذلك لم يكد النازيون يطمئنون إلى خلوص الحزب من كل شائبة، حتى طفقوا يتدخلون في حياة بقية المواطنين. ومنذ بداية شهر مايو عام 1936 اتسعت سلطة الزعماء السياسيين حتى شملت كل مواطني دولة الريخ، وكانت فترة هذه المرحلة طويلة - وهي مرحلة بدأت في الحقيقة منذ وصول النازيين إلى الحكم في عام 1933، وامتدت إلى وقت نشوب الحرب العالمية الثانية في عام 1939، وفي أثنائها بذل النازيون كل جهودهم حتى يعمموا المبادئ والتعاليم النازية ويطبقونها في مناحي الحياة جميعها من خاصة وعامة، ثم صاروا يعملون على تنظيم المجتمع الألماني وفق «توجيه موحد» كاف، الغرض المقصود منه أن يصبح الريخ الثالث مستعدا لخوض غمار الحرب في النهاية من أجل بسط السيطرة الجرمانية على أوروبا ثم على العالم أجمع.
بيد أن اشتعال الحرب لم يلبث أن أفضى إلى زيادة توغل النازيين وتدخلهم في حياة الأفراد الخاصة، حتى يشتد إحكام «التوجيه الموحد» ويقوى الإنتاج الحربي إلى الدرجة المطلوبة من جهة، وحتى يمتنع على الأهلين أي سبيل للتذمر أو المعارضة الداخلية من جهة أخرى. ولذلك فقد ساءت حياة الفرد العادي في أثناء هذه المرحلة إلى حد كبير، وسرعان ما اشتد طغيان النازيين، وبخاصة منذ بدأت حربهم مع الروسيا «في يونية 1941»، حتى تحطمت حياة الفرد الخاصة تحطيما، وعبأت الدولة الكهول والنساء في خدمة الحرب. وتذوق الألمان طعم الهزيمة في الميادين الروسية، ثم أصابهم الدمار في بلادهم عندما أخذت أسراب الطائرات البريطانية والأمريكية تلقي على مدنهم الصناعية الكبيرة أطنان القذائف المحرقة والمدمرة دون رفق أو شفقة، وفي هذا الدور الأخير كان قد بلغ السيل الزبى، وعجز الأفراد عن أن يحتملوا أكثر مما أرغموا على تحمله من تضحية بالغة طوال السنين الماضية، واضطر النازيون اضطرارا إزاء ذلك كله إلى الاعتراف بوجود ما أطلقوا عليه هم أنفسهم اسم «الجبهة الداخلية» أي الجبهة التي كان عمادها سواد الشعب الألماني المتذمر من ثقل التضحيات التي تحملها على غير طائل.
ومنشأ سيطرة النازيين على حياة الأفراد الخاصة والعامة في ألمانيا أن زعماءهم وقادتهم كانوا يعتبرون أن من واجبهم الإشراف على نشاط الأفراد وتوجيه هذا النشاط الوجهة التي يريدونها؛ لأن الأفراد إذا تركوا وشأنهم كانوا في نظرهم كالأطفال الذين لا يعرفون غير اللهو والعبث، ولا يمكن أن يقدروا ما فيه مصلحتهم أو يصرفوا نشاطهم في وجوه غير التي تطلبها أو ترتضيها الدولة، هذا بينما كان إفناء الفرد في الدولة من المبادئ الأساسية في نظام الوطنية الاشتراكية، وقد قال الدكتور «لي
Ley » زعيم جبهة العمل، ما معناه: «إن الأفراد الذين يتألف منهم كل شعب أطفال؛ ولذلك ينبغي أن يعاملوا كما يعامل الأطفال سواء بسواء.» إلى أن قال: «وعلى السياسي أن يشرف بنفسه على كل شيء.» وقد استطاع النازيون أن يستأثروا بهذا الإشراف والتوجيه كل الاستئثار، فاعترف الدكتور «لي»: «بأنهم - أي أتباع هتلر - قد أوجدوا زعامة تعهدوها حتى أضحى من الممكن أن تقوم هذه الزعامة بفحص حالة كل مواطن مهما صغر شأنه، وإرشاده إلى الطريق الذي ينبغي عليه أن يسلكه في حياته وفق أسباب معقولة.» ولم يكن «لي» مغاليا فيما ذهب إليه أو اعترف به؛ لأن هذا الفحص وذلك الإرشاد، أو بالأحرى إرغام المواطن على أن يسلك مسلكا معينا في حياته الخاصة والعامة، هو ما كان يقوم به النازيون بالفعل في دولتهم الوطنية الاشتراكية، ويسوغ «لي» نفسه هذه السيطرة المرهقة بقوله، واصفا الثورة النازية بأنها: «ثورة شاملة وينبغي أن تكون شاملة، ولا يمكن أن تجيز استثناء، ولو رغب أصحابها ومنشئوها في ذلك.» ولذلك لم يكن هناك مكان لما يصح أن يوصف بالفرد العادي في ألمانيا الوطنية الاشتراكية، بل إن الفرد في دولة أدولف هتلر ما كان في وسعه أن يستمتع بحياته الخاصة إلا وقت النوم فحسب؛ إذ «مضى العهد الذي يمكن أن يقال فيه: إن هناك شئونا خاصة في ألمانيا.»
ناپیژندل شوی مخ