وقال في الحضارة ومقلقاتها بعد أن أشار إلى آلام الواقع ومحاولة الهرب منها إلى التعزي بالأوهام: «إن ديانات بني الإنسان جميعا ينبغي أن تحسب في عداد الأوهام الجماعية التي من هذا القبيل، ولا حاجة إلى القول بأن الذي يخضع للوهم لا يعلم أنه من الواهمين.» •••
ومن الواضح أن حالة «التسامي» هي آخر ما ارتقت إليه الديانات، فلا يمكن أن يقال إنها ينبوع العقيدة الهمجية الأولى.
ولا يمكن كذلك أن يقال إن «العقيدة الدينية» حالة مرضية في الآحاد والجماعات؛ لأننا لا نتخيل حالة نفسية هي أصح من حالة البحث عن مكان الإنسان من هذا العالم الذي ينشأ فيه، ولا يتجاهل حقيقته إلا وهو في «حالة مرضية» أو حالة من أحوال الجهالة تشبه الأمراض.
ولا بد أن نسأل: ما هو الكون في نظر الهمج الأولين؟ لأن الهمجي إذا أدرك أن الكون «كل واحد» كان قد ارتفع بنظرته عن الجهالة البدائية وقضى دهرا طويلا وهو متدين على مختلف الديانات، فلا يقال إذن إنه بقي بغير أرباب حتى أدرك الكون العظيم، وأدرك ضعفه وقلة حيلته بالقياس إليه.
أما إن كان الهمجي الأول يخاف العناصر المحيطة به فهو لا يتوهم أنها أحياء تفهم وتسمع دعاءه بعد أن ينحلها عواطف الأبوة، بل يتوهم ذلك قبل أن ينحلها تلك العواطف، ويشعر بأنها قابلة لأن تحل منه محل الآباء من الأبناء، فمرحلة الشعور بالأبوة مسبوقة لا محالة بمرحلة أخرى قد نشأت فيها الأرباب والعبادات.
وقد أسلفنا في هذه الصفحات أن معدن العقيدة غير معدن الضعف، فليس أكثر الناس اعتقادا هم أكثرهم ضعفا، وليس الضعيف دائما بالقوي في التدين والاعتقاد. •••
وطائفة أخرى من علماء الإنسان يقرنون بين «الطوطم» والدين، ويظنون أن الطواطم هي طلائع الأديان بين الهمج الأولين.
وقد تحقق أن شعائر الطواطم منتشرة بين مئات القبائل الهمجية في أستراليا وإفريقية والأمريكتين وبعض أقطار القارة الآسيوية وجزائرها.
فلا تزال في هذه القارات قبائل كبيرة وصغيرة تتخذ لها على الأكثر حيوانا تجعله طوطما وتزعمه أبا لها أو تزعم أن أباها الأعلى قد حل فيه، وقد يكون الطوطم في بعض الحالات نباتا أو حجرا يقدسونه كتقديس الأنصاب.
وإذا اتخذت القبيلة «طوطما» لها حرمت قتله وأكله في أكثر الأحوال، وحرمت الزواج بين الذكور والإناث الذين ينتمون إلى ذلك الطوطم ولو من بعيد، وقد يكون للقبيلة الكبرى بطون متفرقة تتعدد طواطمها ويجوز الزواج بين المنتمين إليها، ولكنهم يحرمونه في الطوطم الكبير.
ناپیژندل شوی مخ