بعد تبني هذه العقيدة كان على الكنيسة أن تخرج بتفسير لوجود إخوة ليسوع؛ فقال فريق من اللاهوتيين إن صفة «الإخوة» كانت تشمل عند اليهود أبناء العمومة أو أبناء الخئولة، فهم والحالة هذه إما أولاد أخت مريم أو أولاد أخي يوسف. وقد شاع بين مؤرخي الكنيسة الأوائل اعتمادا على أخبار متداولة أن أخا يوسف النجار كان يدعى كلوبا. وفي الحقيقة فقد كان الشائع بين اليهود إطلاق صفة الإخوة على أبناء العمومة أو أبناء الخئولة، ولكن هذه الحالة لا تنطبق على إخوة يسوع لأننا نراهم على الدوام في صحبة مريم أو في صحبة مريم ويسوع، على ما ورد لدى متى ومرقس: «فبينما هو يكلم الجموع إذا أمه وإخوته خارجا يطلبون أن يكلموه» (متى، 12: 46. قارن مع مرقس، 3: 31)، وعلى ما ورد أيضا لدى يوحنا: «وبعد هذا انحدر إلى كفر ناحوم هو وأمه وإخوته وأقاموا هناك» (يوحنا، 2: 12). وهذا يعني أن هؤلاء الإخوة كانوا جزءا من أسرة يسوع يقيمون معه في بيت واحد، ولم يكونوا أبناء عمومة أو أبناء خئولة.
وقال فريق آخر من اللاهوتيين في إخوة يسوع بأنهم كانوا أولاد يوسف النجار من زواج سابق. ويبدو أنهم في اجتهادهم هذا قد استلهموا أناجيل الطفولة المنحولة التي يظهر فيها يوسف كرجل عجوز وله أولاد من زوجة متوفاة. فعندما استدعى الكاهن الأكبر زكريا كل الرجال الأرامل وأجرى القرعة بينهم على من يكفل مريم التي أنهت فترة إقامتها في الهيكل كمنذورة للرب، ثم يتزوجها بعد ذلك، وقعت القرعة على يوسف، ولكن يوسف تخوف من حمل هذه المسئولية وقال لزكريا: «إنني شيخ وعندي أولاد أما هي فعذراء فتية، وأخشى أن أصبح موضع سخرية بين أبناء إسرائيل.»
3
وقال فريق ثالث بأن هؤلاء الإخوة قد ولدتهم مريم ليوسف بعد يسوع، وهم إخوته الأشقاء بالجسد. وهذا الرأي يجد سندا له من إنجيل متى الذي قال: «إن يوسف النجار لم يعرف مريم حتى وضعت ابنها البكر» (متى، 1: 25). أي إن الخلوة الزوجية لم تحصل بين الطرفين قبل ولادة يسوع وإنما بعدها. وقد أخذت الكنيسة الغربية بالرأي الأول الذي يقول بأن إخوة يسوع هم أبناء خئولة أو عمومة له، بينما أخذت الكنيسة الشرقية بالرأي الثاني القائل بأنهم أولاد يوسف وإخوة غير أشقاء ليسوع. أما الرأي الثالث فقد أسقطته الكنيسة ولا يأخذ به الآن إلا الباحثون العلمانيون.
ولكن هنالك مفاجأة أخرى تنتظرنا فيما يتعلق بإخوة يسوع. فمؤلف إنجيل لوقا الذي تجاهل وجود إخوة ليسوع مثلما تجاهل أي دور لمريم في حياة يسوع التبشيرية، يقول لنا في الإصحاح الأول من سفر أعمال الرسل المنسوب إليه إن أم يسوع وإخوته كانوا بين تلاميذ يسوع الذين كانوا يجتمعون معا للصلاة بعد أن صعد عنهم يسوع إلى السماء: «وهؤلاء كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة مع النساء، ومريم أم يسوع، ومع إخوته» (أعمال، 1: 14). فأين كانت مريم قبل ظهورها الفجائي هذا؟ وكيف تحول إخوة يسوع إلى الدين الجديد، وهم الذين لم يؤمنوا برسالته (يوحنا، 7: 5)، والذين حاولوا وضعه تحت الحجر لأنهم اعتبروه مختل العقل (مرقس، 3: 21)، ولماذا غابت أم يسوع بعد هذه الإشارة العابرة إليها، ولم يأت مؤلف أعمال الرسل على ذكرها مرة أخرى؟
إن ظهور أم يسوع المفاجئ في سفر الأعمال يمكن قبوله مع كثير من التحفظ، وذلك اعتمادا على إنجيل يوحنا؛ حيث ظهرت أم يسوع فجأة أيضا عند صليبه بعد غيابها عن جميع أحداث الإنجيل عقب قصة عرس قانا التي جرت في مطلع الأحداث، والروايتان تؤيدان بعضهما بعضا على الرغم مما فيهما من غرابة. أما ظهور إخوة يسوع بين التلاميذ في سفر أعمال الرسل، فلا يمكن تفسيره بسبب موقفهم الذي أوضحه النص من يسوع خلال السنة التي سبقت صلبه. فمن هم أولئك الذي دعاهم لوقا بإخوة يسوع في أعمال الرسل بعد أن تجاهل في إنجيله وجود إخوة له؟ من أجل حل هذا اللغز سوف نلتفت إلى حل لغز آخر هو لغز مريم الأخرى التي ورد ذكرها بين النساء اللواتي رافقن يسوع وحضرن واقعة صلبه.
في مشهد الصلب نقرأ عند مرقس ما يلي: «وكانت نساء ينظرن من بعيد، بينهن: مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب ويوسي، وسالومة، اللواتي تبعنه وخدمنه حين كان في الجليل» (مرقس، 15: 40-41). وفي السياق نفسه، نقرأ عند متى: «وكانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد، وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه، وبينهن: مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب ويوسي، وأم ابني زبدي» (متى، 27: 55-56). وبعد أن أودع جثمان يسوع في القبر يقول لنا متى: «وبعد السبت جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر، وإذا زلزلة عظيمة حدثت ... إلخ» (متى، 28: 1-2).
ولنقارن الآن قائمتي الأسماء في الروايتين بعد تغيير ترتيب الأسماء في كل قائمة:
مرقس:
سالومة - مريم المجدلية - مريم أم يعقوب ويوسي.
ناپیژندل شوی مخ